العدد 5180 - الجمعة 11 نوفمبر 2016م الموافق 11 صفر 1438هـ

الجوهـرة

المنامة - قصة قصيرة - مهـدي عبدالله
المنامة - قصة قصيرة - مهـدي عبدالله

باهتاً كان ذلك اليوم، مكتظاً بالأعمال المتراكمة التي وجب عليه إنهاؤها قبل موعد الإجازة. مزاجه غير رائق، ابتلى بكثرة الاتصالات وكثرة الأعباء. ففي هذا المساء عليه أن يذهب إلى المطار لتوديع شقيقته، وعليه زيارة والدته المريضة في المستشفى، وذلك الصديق القديم الذي ما فتئ يحرّضه على الخروج لتناول العشاء معاً، وهذا زميل يأتي ويشكو من وضعه الوظيفي ويريد أن يستأنس برأيه. وعلى رغم ضنك الوقت والضيق إلا أن عليه التحلي بالهدوء وتهيئة المزاج حتى يتمكن من إنجاز العمل.

رنّ الهاتف فإذا به صديق عزيز لم يسمع صوته منذ عدّة أشهر. حيّاه وتبادلا الأخبار المعتادة عن الصحة والعمل والعائلة. وكانت شهية الصديق متفتحة فلم يشأ أن يفسد عليه المكالمة. قال صاحبه: عندي موضوع أود أن أستشيرك فيه، أرجو أن يتسع وقتك لسماعه.

- إذا كان لا يستغرق وقتاً طويلاً فلا بأس.

- خمس دقائق فقط .

- تفضل.

- أصارحك القول إني على علاقة بفتاة منذ خمس سنوات، وأنا أحبها بجنون وأعشقها وهي أيضاً تحبني وتتمناني. هي جامعية وستعينني على ظروف الحياة، وكما تعرف فإن زوجتي الحالية غير متعلمة وقد تزوجتها في سن مبكرة وأنا لا أشعر بالميل بتاتاً نحوها سوى الرابطة التي تجمعنا. هي تدرك هذا الشيء ولا تستبعد إقدامي على الزواج من امرأة أخرى في يوم ما.

باغته الصديق وأربكه وأحسّ أنه متحمس منجرفٌ.

قال له: هذا الموضوع مهم ويحتاج إلى تفكير وتروٍ وليس من السهل أبداً إبداء الرأي فيه بهذه العجالة، فأعطني مهلة لدراسته من كل الجوانب.

كانت تلك محاولة للتهرب من إقحام نفسه في مسألة شخصية لكنه أخيراً اتفق مع الصديق على الخروج معاً في الأسبوع القادم ومناقشة الموضوع بالتفصيل.

هذه القضية خاصة بالتأكيد. صاحبه يعرف جيداً رأيه في الزواج من امرأة ثانية ومعارضته الدائمة لتعدد الزوجات مع احترامه للمبررات الدينية. الزوجة عنده شريكة، رفيقة درب ولا يؤيد إدخال طرف ثالث في هذه العلاقة المتساوية. قلّب الموضوع، مهما كانت الظروف هو لا يوافق على الزواج. ماذا سيكون مصير الزوجة الأولى؟

وكيف سيستقبل الأولاد الأمر؟ إذا كان لا يحب زوجته فما ذنب الأطفال؟ أليس من الواجب أن يضحي من أجلهم؟ أن يحرص على سعادتهم ولمّ شملهم؟ أليس عليه أن يبذل الغالي من أجلهم؟ هل سيستطيع تحقيق ذلك في ظل الزوجة الجديدة؟ الزوجة التي ستسعى إلى سعادتها الشخصية وتكوين أسرتها الخاصة؟

هل هذا جزاء المرأة التي ساندته في الشدّة واليسر؟

وماذا عن الحب؟ أجل الحب والسعادة اللتان ينشدهما؟

لابد من معالجة الموضوع وتقريب العلاقة بينه وبين زوجته وعدم النظر إلى القضية بروح الأنانية.

كان قد عقد العزم على نصيحته وثنيه عن الخطوة الشائكة التي هو بصددها لكنه وضع في اعتباره ألاَّ تكون النصيحة ملزمة بل كرأي خاص من صديق محب وعليه التصرف حسبما يشاء.

التقيا في الليلة المتّفق عليها في مطعم هادئ، وعلى أنغام الموسيقى الرومانسية شرع صاحبه في الكلام: موضوع الزواج يسيطر على كل جوارحي. هي تحبني بجنون وأنا أيضاً هائم في هواها حتى الثمالة. تحتل كل تفكيري وتتصل بي في اليوم الواحد أكثر من خمس مرات. قالت لي: إذا وفّق الله لنا في الزواج فلا تقصّر في حق أولادك، هذا شرطي الوحيد. أود أن أخبرك بأن حالتها المادية ميسورة جداً حيث ورثت ثروة كبيرة عن أبيها. جمالها أخّاذ وأنا مفتون بها وأحلم بالسعادة معها. ما رأيك؟

- في الحقيقة لا أودّ أن أحرجك أو الشعور بالحرج معك. قبل أن أقول رأيي لديّ بعض الأسئلة. ماذا تتوقع أن يكون ردّ فعل زوجتك؟

- زوجتي تدرك أنني لا أميل إليها كما أننا غير منسجمين في أمور عديدة. طباعنا مختلفة، هواياتنا مختلفة وهناك فارق في مستوانا التعليمي، وهي دائماً تتحسس بأن لي علاقات عاطفية لكنني في الواقع لا أستطيع أن أخمّن ما هي الخطوة التي ستُقدم عليها؟ هل ستذهب إلى بيت أبيها وتطلب الطلاق؟ أم ستثور وتقيم الدنيا في البداية ثم ترضى بالأمر الواقع؟ كل شيء جائز لكنني أعلم بالتأكيد أنها لن تقبل أن تكون لها ضرّة بسهولة.

- وماذا عن الأولاد؟

- سيكونون معها سواء تمّ الطلاق أم لم يتم. لكنّي لا أعتقد بأنها ستحرمني منهم، إنني أحبهم حباً عارماً ولا أٌقدر على عدم رؤيتهم في أي يوم.

- قلت لي أن حبيبتك مصابة بمرض، هل لهذا تأثير على قرارك بالارتباط بها؟ أي هل تشعر بالعطف تجاهها وهذا هو السبب الذي دفعك إلى هذه الخطوة؟

- بالعكس، إنني أزداد حباً لها كل يوم، كنت أعشقها قبل أن تصاب، وهي أيضاً تهيم في حبي ولا يمتلك عقلها الآن سوى الخوف الشديد من عدم إتمام الطريق. إن سعادتنا تكمن في الارتباط الشرعي وبدء الحياة الزوجية.

قال لصاحبه: اعذرني يا صديقي، أنا لا أود أن أكون حجر عثرة في طريق سعادتك، وكما تعرف فهذا الموضوع يخصك أنت ويتعلق بمصير أسرتك، لكنني لو كنت مكانك سأظل وفيّاً للمرأة التي بدأت معي من الصفر وركبنا معاً قطار الحياة وتقاسمنا الأشواك والورود، وصمدنا أمام العثرات وشهدنا اللذات والآلام وسطّرنا معاً أحلى الذكريات، أنا يا صديقي لا أفرط في هذه الجوهرة الثمينة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً