قالت هيومن رايتس ووتش في بيان صحافي اليوم الجمعة (11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) إن قوات تنظيم "داعش" شنّت 3 هجمات كيماوية على الأقل على بلدة القيارة العراقية.
وأشارت إلى أن استخدام المواد الكيميائية السامة كوسيلة حرب يُشكّل تهديدا خطيرا للمدنيين والمقاتلين في مدينة الموصل المحاصرة وحولها، ويُعتبر جريمة حرب.
وضربت الهجمات بلدة القيارة، 60 كم جنوب الموصل، في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، بعد استعادة قوات الحكومة العراقية البلدة في 25 أغسطس/آب 2016.
وتسببت الهجمات بحروق شديدة لـ 7 أشخاص على الأقل، بما يتفق مع أعراض التعرض لمستويات منخفضة من مادة كيميائية تستخدم في الحروب وتُعرف بـ "مُنفّطات البثور"(vesicants)، حسب قول خبير أسلحة كيميائية لـ هيومن رايتس ووتش.
من جهتها، قالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش لمى فقيه: "تُظهر هجمات داعش بالمواد الكيميائية السامة لامبالاة غاشمة بأرواح البشر وقوانين الحرب. أفادت التقارير بمهاجمة مقاتلي داعش المدنيين الذين تركوهم وراءهم، وتعريضهم للخطر مرارا، بما يزيد المخاوف تجاه سكان الموصل ومناطق النزاع الأخرى".
وتتقدم قوات الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، بدعم من قوات تحالف بقيادة الولايات المتحدة، على امتداد نهر دجلة لاستعادة البلدات والقرى من داعش. سبقت هجمات القيارة العمليات العسكرية التي بدأت في 17 أكتوبر/تشرين الاول لاسترداد الموصل، ثاني أكبر مدن العراق.
وكانت قوات داعش وقت الهجمات تسيطر على مساحة بين 3 و6 كم شمال المدينة.
وقال 15 من سكان القيارة لـ هيومن رايتس ووتش في 31 أكتوبر/تشرين الأول إن هذه الهجمات هي الأولى من نوعها في المنطقة. قالوا – وقال أيضا موظف في السفارة الأمريكية ببغداد – إن داعش نفذها.
واعتمد السكان في اتهامهم على حقيقة أن القوات العراقية كانت تسيطر على بلدة القيارة تماما حينئذ، بينما كان داعش يهاجم المدينة ويستهدف مواقع عسكرية. يعتقد السكان أن داعش كان يحاول إجبار سكان المدينة على الفرار نحوهم، استنادا إلى تقارير تفيد بأن داعش حاول إجبار المدنيين على الانسحاب معهم في مناطق أخرى، ثم يستهدف القوات المعادية التي تحاول دخول المنطقة بعد الانسحاب منها. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تأكيد هذا الادعاء.
وذكرت وسائل إعلام أن داعش أطلق قذائف بها مواد كيميائية في 20 سبتمبر/أيلول، أثناء هجومه على "قاعدة غرب القيارة الجوية"، التي سيطرت عليها القوات العراقية وقوات التحالف في يوليو/تموز.
ونشر ناطقون باسم التحالف على تويتر بعد الهجوم أن الفحوصات المخبرية "لم تجد مادة الخردل" في الذخائر التي أطلِقت على القاعدة الجوية. لكن سكان القيارة وصفوا لـ هيومن رايتس ووتش الهجمات الثلاث التي تسببت بإصابات تتفق مع استخدام مواد الحرب الكيميائية.
وفي الهجوم على القيارة في 21 سبتمبر/أيلول، سقطت مقذوفة في حديقة منزل عائلة، وتسرب منها سائل تسبب بحروق وبثور لاثنين من أفراد الأسرة ورجلي شرطة ساعداهما في إبعادها.
وفي هجوم جدّ في 6 أكتوبر/تشرين الأول، انفجرت مقذوفة أمام مقهى قُرب دراجة نارية تعود لمقاتلَين. ابتعد المقاتلان على دراجتهما، ولكن أصيبا بحروق شديدة حيث لامس جسداهما الدراجة.
واعتقد الأطباء أن الإصابات ناتجة عن مادة الكلور بادئ الأمر، ولكن حددوا لاحقا أنها ناجمة عن مادة مُنفّطة للبثور. سقطت مقذوفة أمام مصفاة نفط في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وأصيب عامل كان يمر بالموقع على متن دراجة نارية بحروق وبثور مماثلة.
وعاين كيث بي وارد، خبير مستقل في كشف آثار مواد الحرب الكيميائية، أدلة الفيديو والصور وشهادات المتضررين من الهجمات، وخلص إلى أن رائحة "الثوم" المميزة وحرق العيون الذي وصفه رجل مباشرة بعد الهجوم الذي وقع في حديقة منزله، واحمرار الجلد اللاحق، وتأخر ظهور البثور على الجلد لـ 7 مصابين، تتفق مع أعراض التعرض لمستويات منخفضة من مواد الحرب الكيميائية من النوع المعروف باسم "مُنفّطات البثور". قال وارد إن كبريت الخردل نوع شائع من المواد المنفطة للبثور، وقد يوجد شكل نقي أو مخفف من هذ المادة في القذائف التي استخدمت في الهجمات الثلاث.
وربما تعرض الضحايا لهذه المادة مباشرة وقت الهجوم أو لاحقا بعد ملامسة أجسام ملوثة بالمادة المنفطة. يجب تحليل عينات التربة والمياه التي جمعتها فرق متخصصة بالقرب من مواقع الهجمات، وعينات الأنسجة المأخوذة من الضحايا، لتحديد المواد الكيميائية المستخدمة في هذه الهجمات بشكل أدق.
وقال وارد إن الذين تعرضوا لتلك المادة المنفطة للبثور وصفوا حروق جلد أولية وبثور تلتها خلال يوم، وأنها مؤلمة جدا. بالإضافة إلى هذه الآثار المباشرة، يمكن أن يسبب التعرض للعوامل المنفطة عواقب أكثر على المدى البعيد.
وتشمل زيادة حدوث سرطانات الجهاز التنفسي والتهاب الملتحمة المزمن وعديد الأمراض الجلدية المزمنة مثل تقرحات الجلد وتشكل الندبات والسرطانات الجلدية.
وينتهك استخدام المواد المنفطة للبثور أو غيرها من المواد الكيميائية السامة التي تنتج تأثيرات مشابهة في هذه الهجمات "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية" لعام 1993.
وتحظر الاتفاقية التي انضم إليها العراق عام 2009، استخدام أي شخص تحت أي ظرف من الظروف للخصائص السامة للمواد الكيميائية لإحداث الوفاة أو إصابة المقاتلين أو المدنيين. هذا الاستخدام هو جريمة حرب بموجب "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" والقوانين العرفية للحرب.
واستخدام الأسلحة المحرمة بقصد جنائي عمدا أو عشوائيا هو جريمة حرب.
واستخدمت داعش مواد منفطة سابقا، بما فيه أثناء هجوم على مناطق تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة في سورية في أغسطس/آب 2015، وفقا للجنة التحقيق الأممية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة العراقية تحذير المدنيين من استخدام الأسلحة الكيميائية، ومنع دخولهم المناطق الملوثة، وتوفير العلاج أو المتابعة الطبية للضحايا.
وأضافت "إذا لم تتدبر الحكومة ذلك، فعليها أن تطلب المساعدة والتعاون من الدول الأخرى الأعضاء في "اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية".
ووثّقت هيومن رايتس ووتش منذ بدء عملية الموصل إجلاء داعش القسري للمدنيين في المناطق التي يسيطر عليها مع مقاتليه، لاستخدامهم كـ "دروع بشرية" على ما يبدو. جمع داعش أيضا مئات الرجال وأعدمهم، لاشتباهه بصلاتهم السابقة بقوات الأمن.
وقالت فقيه: "حاول داعش تنصيب نفسه حاميا للعرب السنة في العراق، ومع ذلك فهو مستعد لمهجاتهم بالأسلحة الكيماوية في منازلهم".