الرؤى المُؤسِسَة في معالجات قضايا مقال «أزمة النفايات... قراءة في مواقف السلوك البشري والتنمية المستدامة» المنشور يوم الجمعة 15 يوليو/ تموز 2016، ساهمت في تفاعل عدد من القراء، بعضهم تناولها من المنظور المهني والبعد الإيجابي في قراءة مضامين جوهرها، إذ جرى التأكيد على إيجابية ما جرى طرحه من مقترحات، واعتبار أن الرؤى والمقترحات التي جرى تسجيلها تمثل إجراءات مطلوبة وذات قيمة استراتيجية في بناء خطة مستدامة لحل معضلة النفايات، والتشديد على ضرورة أن تجد مكانها في مضمون الخطط التنفيذية الموجهة لبناء استراتيجية وطنية لحل مشكلة النفايات، وتضع معايير مؤسَسة في بعدها الاستراتيجي، للاستفادة من إعادة تدوير النفايات في الحفاظ على النظافة العامة وصون نقاء وسلامة المحيط البيئي للإنسان، وتوفير مصادر بديلة للطاقة، وإيجاد مصادر اقتصادية بديلة ومستدامة.
الفريق الآخر تناول ماجرى طرحه من مقترحات من المنظور السلبي والرؤى التشاؤمية، بعيداً عن واقع التقييم المهني لظروف الأزمة، واقتصرت دائرة تقييمه ونقده مضمون جوهر المقال في التركيز حصراً على المعالجات التي أكدت على إيجابية جهود جهات الاختصاص في الحد من تداعيات الأزمة، والاتفاق مع ما خلص إليه المسئولون من نتائج إيجابية في التمكن من احتواء الموقف، وعدم موافقته أو قناعته بمنهج معالجات المقال في الارتكاز على التوجيهات الرسمية في حل معضلة النفايات، والتي نرى انها تمثل حجر الزاوية في بناء حلول مؤسسة من المنظور الاستراتيجي في حل معضلة النفايات، وتمثل خطوة مهمة تستجيب للمعايير الدولية الحديثة في معالجة المعضلات البيئية، وتعزز مقومات الإستراتيجية الوطنية في إنجاز أهداف التنمية المستدامة.
النقد البناء معادلة مهمة ومطلوبة في مؤسسات الحل، وتجذير مسار العمل البيئي، وبناء السياسات القويمة في منظومة مناهج خططها التنفيذية، بيد أن ذلك ينبغي أن يرتكز في بعد معالجاته على الأسس المهنية، والبُعد عن المنطلقات العاطفية في تقييم وفهم المشكلة، والفهم العميق في قراءة المشاكل البيئية، وينبغي أيضاً أن يكون مجرداً من النظرة الضيقة في فهم مخرجات مؤسسات الحلول للأزمات البيئية، كما ينبغي كذلك أن يكون بعيداً في معالجاته عن النظرة التشاؤمية، وشخصنة المشكلة البيئية ومسئوليات الحلول. وفي السياق ذاته، أن يجري تبني المنهج الواعي والعاقل والموزون والحكيم في طرح المرئيات والحلول التي يمكن أن تساهم وتفيد في بناء منظومة الإجراءات المستدامة في معالجاتها معضلة النفايات وحماية البيئة.
البعض في إطار الحوار وتوجيه النقد، لا يراعي مؤسسات النقد الإيجابي، ويلقي بكامل ثقل مسئولية أزمة النفايات على جهة اﻻختصاص دون غيرها، وﻻيرى أن يكون هناك جزء من المسئولية يمكن أن يتحملها المجتمع في أزمة النفايات، ويؤكد مهندسو تلك المواقف والرؤى بأن المجتمع على مستوى من الوعي، ويتعامل بطريقة مسئولة في التخلص من النفايات المنزلية، واﻻلتزام بالمعايير السليمة في إلقائها في المواقع المخصصة لذلك، وبحكم متابعتنا المهنية واقع الأزمة، وجدنا أن ما جرى تشخيصه ﻻ يرتكز على ثوابت، وأن ما شهدناها من وقائع يدحض ما جرى التأكيد عليه، بيد أنه على رغم قناعتنا في خطأ ذلك التشخيص، وبعده عن الحقيقة، وبأنه ﻻ يرتكز على ثوابت مادية، حرصنا أن نتبين الحقائق ونتثبت من الواقع، وقمنا في يوم السبت 16 يوليو/ تموز 2016 برفقة عضو المجلس البلدي الشمالي علي عبدالله الشويخ بجولة ميدانية في القرى الواقعة على شارع النخيل (المقشع، الحلة، كرانة، جنوسان، باربار)، ورصدنا حقائق المخالفات التي تشير إلى الممارسات غير المسئولة في طرق التخلص من المخلفات والنفايات المنزلية، إذ شهدنا الآتي:
1 - مقابر للمركبات المتهالكة المغبرة في المواقع السكنية، والبعض منها مركون بجوار بوابات المنازل.
2 - تلال من مخلفات الهدم والبناء والأنقاض في مواقع إستراتيجية في المناطق السكنية والطرق الرئيسية.
3 - كوم من الأثاث المنزلي مرمية في مواقع متفرقة في المناطق السكنية، والمواقع المهملة وبالقرب من المزارع.
4 - كوم من المخلفات المنزلية ونفايات المطاعم والحظائر ملقاة بالقرب من المزارع المهملة.
5 - كوم من العلب البلاستيكية والأدوات المنزلية المتهالكة مرمية بالقرب المواقع التاريخية والمساجد.
6 - كميات من المخلفات والأنقاض المختلفة، والمركبات المهملة مركونة خلف كراج السيارات، الذي يقع مقابل مركز الصباح الصحي في باربار. وفي سياق متابعاتنا شهدنا في صباح الخميس 29 سبتمبر/ أيلول 2016 عملية تنظيف الموقع، وفي يوم الاثنين 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 عاينا الموقع، ووجدنا أن الوضع بدأ يعود إلى سابق عهده.
7 - مظاهر للسلوك غير المسئول في بعض الأحياء في باربار، تمثل في تفريغ بعض الجيران مياه تنظيف الملابس وأواني الأطعمة في الطرقات العامة، وقيام بائعي الأسماك في مواقع مختلفة في المدن والقرى في رمي مخلفات الأسماك، وتفريغ مياه تنظيف الأسماك في مجاري الأمطار بشكل متواتر، دون اكتراث لملاحظات المجتمع المحلي، ما يتسبب في الإيذاء النفسي للسكان، وتكون البرك وتعفنها، وتكاثر الحشرات والإضرار بصحة المجتمع.
تلك حقائق تدلل على ضعف الوعي الاجتماعي للمخاطر الصحية التي يمكن أن تسببها المخلفات، وضرورة الالتزام باشتراطات قواعد النظافة العامة، وبلاشك ليس هناك خلاف على أن مسئولية تصحيح ذلك الخلل تقع في جزئها الأكبر على المؤسسات جهة الاختصاص، وهي مسئولة بشكل مباشر في اتخاذ ما يلزم من إجراءات للحد من ظاهرة المخالفات، بيد أن ما ينبغي أن ندركه أن المؤسسة الرسمية غير قادرة وحدها في الحد من ظاهرة رمي القمامة والمخلفات المنزلية في الطرقات والأزقة والأماكن العامة، وفي المواقع ذات الأهمية الإستراتيجية للسياحة الاجتماعية، إذ إن ذلك مسئولية مجتمعية أيضاً، وفي السياق ذاته ينبغي ألا نستثني من حساباتنا فاعلية التعاون المشترك للمؤسسة الرسمية، والمجتمع المدني والمحلي في بناء الوعي الاجتماعي بأهمية الالتزام بقواعد النظافة العامة.
الواقع الآخر الذي ينبغي معالجته بشكل منهجي، مسألة الرقابة والتفتيش عن المخالفات، وفرض الاجراءات التأديبية والعقابية على الأنشطة المخالفة لقواعد النظافة العامة، وأن ماشهدناه من مخالفات، يدلل على أن هناك نقص في آلية الرقابة والتفتيش، وذلك يمثل سببا فعليا في تصاعد وتيرة تكدس المخلفات، ما يتطلب مراجعة مؤسسة لذلك الخلل، واعتماد منظومة من السياسات والإجراءات الإدارية والرقابية والقانونية والقضائية اذا تطلب الامر ذلك، للحد من هذه التجاوزات، بما يساهم في محاصرة الأنشطة غير الرشيدة والضارة بالإنسان وصحة البيئة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5179 - الخميس 10 نوفمبر 2016م الموافق 10 صفر 1438هـ