وفق الأرقام والتوقعات العالمية، قرأ الدبلوماسي والباحث هاشم حسن الباش أن كلا من الهند والصين احتلتا حوالي 20 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 28 في المئة في العام 2030، وعلى العكس، ستتراجع الولايات المتحدة الأميركية من 21 إلى 18 في المئة، لكن نصيب الفرد الأميركي سيبقى أعلى بكثير من دخل الفرد في الصين والهند.
تصدير لأميركا والغرب
وستبقى كل من الصين والهند تواجهان مشكلة الموارد الطبيعية والنفط وهو عصب التصنيع والتحديث، وقد قدم الدبلوماسي الباش العديد من المحاور المتعلقة بالنهوض والتحدي في قراءة تجربة كل من الصين والهند، متعمقًا في استعراض ملامح مهمة في خضم التعقيدات العالمية التي تواجه هاتين الدولتين، ومن بين أهم التحديات التي تواجههما «الطاقة والتلوث».
ونظم مركز عبدالرحمن كانو الثقافي «الملتقى الثقافي الأهلي» مساء الثلثاء (8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) محاضرة للدبلوماسي والباحث هاشم حسن الباش أدارها الباحث الاقتصادي عبدالله الصادق بعنوان: «الفيل والتنين... دلالات صعود الهند والصين»، ضمن فعاليات الفصل الرابع للموسم الثقافي الثاني والعشرين للمركز، ومما أضاءه الباش في محاضرته ما نقله عن أحد الكتاب في وصفه للإنتاج الصناعي في الهند والصين بأنه عبارة عن (صناعة أميركية غربية)، بمعنى أن أموال الاستثمار هي غربية في الأساس واستخدموا فيها اليد العاملة الرخيصة، والحال بالنسبة للصين والهند أنهما وجدا الفرصة لتصدير بضائعهم إلى الولايات المتحدة الأميركية والغرب، وكان من بين مؤشرات القلق أن (تغرب الصين في الصناعة الأميركية).
الصين ستنهي أميركا!
وأشار إلى أنه منذ فترة طويلة كنا نقرأ في الصحف أن (الصين ستنهي الولايات المتحدة الأميركية)، إلا أن المصلحة هنا ترتفع للشركات الأجنبية لوجود عمالة رخيصة لتصنيع سلع وصلت إلى أوروبا وأميركا، وبنفس مستوى النوعية المتوافق مع شروط التصنيع، كما أن الشركات حين تربح فإن أصحاب الأموال وحملة الأسهم يجنون أرباحا كثيرة، أما بالنسبة إلى الهند فهي تمكنت من الاستفادة عبر نقل منتجات التكنولوجيا وتطوير التعليم والاستفادة من العلماء، إلا أن من أهم التحديات الرئيسية التي تواجه البلدين: الطاقة والتلوث.
وعلى هذا الصعيد تحدث قائلًا «مشكلة الهند والصين هي الطاقة ولهذا تجد أن الولايات المتحدة الأميركية -ومنذ سنوات- كانت تعرف (القصة) ولهذا تجد الصين محاطة بالكثير من القواعد الأميركية، ولو نظرنا إلى ممر (ملقة) في بحر الصين الجنوبي الذي يمر منه كل النفط إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية، لوجدنا أنه تحت هيمنة أميركية، فهو الممر الذي يمر منه ثلث الإنتاج العالمي من السلع، وما نسبته 40 في المئة من النفط المرسل إلى الصين.
اللغة الإنجليزية بين الصين والهند
ولمواجهة مشكلة نقص المواد الأولية في الصناعة، بنت الصين علاقات مع الدول الافريقية بعدة طرق كأن يقومون ببناء الملاعب والمنشآت بل وحتى الطرقات، فتجد الطريق بمسار من المنجم إلى الميناء ومنه إلى الصين، وعندما كشف الأفارقة السر طالبوا بأسعار أكبر ولهذا ارتفعت أسعار الحديد والنحاس المصدرة من افريقيا إلى الصين، أما بالنسبة للتعليم، فهناك مشكلة في التعليم بالصين فكل خريجي الجامعة لا يتوظف منهم إلا 10 في المئة في الشركات المتعددة القوميات؛ بسبب ضعف المهارات في اللغة الانجليزية، خلاف الهند التي اهتمت باللغة الانجليزية، ولاتزال الصين تحاول تغيير نمط التعليم.
وعن التلوث في الهند والصين قال بأنها مشكلة كبيرة، وحين تسأل أحدا سافر إلى بكين سينصحك بحمل كمامة، فالصين تستخدم 66 في المئة من طاقة الفحم، حتى أن أحد الصينيين ابتكر كمامة صغيرة كتلك الواقية من الغازات في الحروب، ولا يتجاوز النفط نسبة 24 في المئة من الطاقة التي تحتاجها الصين وربما ترتفع إلى 27 في المئة في العام 2020، ولذا، تنشط محاولات التوجه إلى طاقة الغاز والطاقة النووية.
التلوث ونقص المياه النقية
وأوضح أنه وفق تقارير البنك الدولي بخصوص التلوث في 20 مدينة الأعلى من ناحية التلوث، تبين أن الصين لوحدها فيها 13 مدينة تعاني من التلوث، وفي الهند 5 مدن، والأكثر من ذلك أن الصين فيها2000 مدينة تعاني من مشاكل التلوث ونقص في مياه الشرب النقية، بسبب التخلص من ملوثات المصانع في مياه الأنهار وضخ مياه الصرف الصحي دون معالجة؛ ما تسبب في ظهور أمراض كثيرة كالسرطانات وأثر ذلك على القوى البشرية، والمشكلة ذاتها في الهند.
وتعاملت كل من الصين والهند مع مشكلة الطاقة من خلال الاتفاقيات، فعقدت الصين صفقات مع بورما لوجود الغاز فيها، ومع روسيا لاستيراد النفط ومع وكازاخستان لمد أنابيب بترول وغاز برًا لحل مشكلة النقل البحري، وبنوا محطات تقوية نووية لحاجتهم للمياه والطاقة، لكن المشكلة هي أن الهند أصبحت محصورة بين الأميركان والصينيين، لأن الهند تحاول تكون مستقلة، والغربيون من جهة أخرى يفضلون الصين؛ لعدم وجود مشاكل معها في الحرب الباردة، وفي ذات الوقت، تريد الهند أن تصبح قوة عظمى، لهذا، فإن الأميركيين يعطون الهند تكنولوجيا نووية أو وقودا نوويا للحد من حركة نهوض الصين.
رقصة الكر والفر
ومع ذلك، عملت الصين (رقصة كر وفر)، فأمن الطاقة بالنسبة لها مهم فاهتمت بالعلاقات السياسية مع دول الخليج أكثر من السابق، وفي نفس الوقت، أصبحت تساهم ثقافيًا كتقديم منح للدراسة الجامعية وبناء مراكز ومعارض في الكثير من دول العالم، وأنشات الصين بنك التنمية الآسيوية بمشاركة العديد من الدول باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، من أجل بناء سكك حديدية ومطارات وموانئ، ومنها طريق الحرير الذي يشمل بناء مدن اقتصادية لها علاقة بالصين وتضمن لها البعد عن الصراع مع أميركا، وتفتح لهم بوابة الاستثمار لمواصلة نهوضهم.
وفيما يتعلق بالهند قال الباش: «الهند حاولت عمل الشيء ذاته، فبنت علاقات مع إيران لتسييل الغاز وتحاول مشاركة الصين في الغاز الطبيعي البورمي».
واختتم بالقول «هل أميركا والصين عدوتان؟» ويجيب «هما ليستا عدوتين ولا حليفتين! لكن الأهداف الاستراتيجية مختلفة بينهما، فالصين بحاجة إلى السوق الأميركية الكبيرة والصناعة التكنولوجية الأميركية وهي بذلك تعمل وفق سياسة الاحتواء.
العدد 5179 - الخميس 10 نوفمبر 2016م الموافق 10 صفر 1438هـ