العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ

أميركا ستدفع ثمن أخطائها في الشرق الأوسط

وكالة المخابرات المركزية تحذر:

الوسط - المحرر الاقتصادي 

27 سبتمبر 2002

في الذكرى الثانية للانتفاضة الفلسطينية تؤكد الإدارة الاميركية عبر دعمها اللامحدود لـ «إسرائيل» استمرارها في الحرب على جبهة فلسطين باعتبارها الجبهة العربية الأولى، بينما تتهيأ لفتح جبهة أخرى على العرب في العراق الشقيق، في إطار مخططها للقضاء على ما تصفه حيثما تشاء بـ «الإرهاب»! في تقرير أصدرته وكالة المخابرات المركزية الأميركية قبل 7 أشهر من الهجمات على مركز التجارة العالمي، واستهدف استشراف آفاق العالم ودور أميركا فيه لغاية العام 2015، وأشار إلى أهمية أن تعمل أميركا على تجنب كل ما من شأنه التأثير سلبا على نمو الاقتصادي العالمي، وتوقع أن يبرز الاهتمام العالمي مجددا بمنطقة الخليج، باعتبارها تمثل المصدر المهم للطاقة. وصل التقرير في فصله الأخير إلى التنبؤ بأخطر السيناريوهات، والذي تمثل في وصف عالم ما بعد هيمنة القطب الواحد، حيث ستتصاعد حدة التوتر السياسي والاقتصادي بين اميركا واوروبا، وينهار تحالفهما، وتسحب الأولى قواتها من أوروبا، وتتجه الأخيرة بعيدا عن أميركا، وتؤسس هيئاتها الإقليمية الخاصة بها! أوروبا في مواجهة سياسة «بوش» في الشرق الأوسط لقد تصاعد سيناريو توتر العلاقات الاميركية الأوروبية، وقد بدا ذلك واضحا بشكل خاص في الموقف الفرنسي والالماني. فقبل الانتخابات الألمانية كانت هناك معارضة قوية من الحزب الديمقراطي الاشتراكي بزعامة «جيرهارد شرودر» للسياسة الاميركية في الشرق الأوسط، آخرها الاعتراض على نية إدارة «بوش» بتوجيه ضربة عسكرية أميركية للعراق، فمنذ أن بدأت واشنطن الحديث بوضوح عن هذا الاحتمال في نهاية أغسطس/ آب الماضي، ظهرت ألمانيا التي تمثل أكبر دولة وأكبر اقتصاد في الاتحاد الاوروبي، بمثابة الحليف الاوروبي الوحيد الذي يعارض اميركا، وذلك من خلال استبعادها أي مشاركة لألمانيا في الحرب على العراق، سواء مع قرار من الأمم المتحدة أو من دونه. ومما وتر العلاقات وصف وزيرة العدل الألمانية «هيرتا دويبلر جميلين» أساليب «جورج بوش مع العراق» بتلك التي كان يستخدمها الزعيم النازي «أدولف هتلر» (صحيفة بيلد)، الأمر الذي أصاب الإدارة الاميركية بالتشنج. الحلفاء هم المتضررون من السياسة الاميركية في هذا السياق قال أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد العام الماضي، والذي عمل من قبل كبيرا للاقتصاديين في البنك الدولي، «جو ستيغليتز» ما معناه: إن أي ضربة توجهها الولايات المتحدة للعراق سترفع أسعار النفط، مما سيترك آثارا سلبية كبيرة على الاقتصاد العالمي. اعتقد أن «جو ستيغليتز» يتفق مع الرأي بأن حلفاء أميركا هم الأكثر تضررا من توتير الأمن في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم ارتفاع أسعار النفط. فوفقا لإحصاءات المخابرات الاميركية (THE WORLD FACTBOOK ,1002 CIA, USA) ارتفعت واردات اليابان النفطية من 60٪ من جملة وارداتها النفطية من العالم في العام 1983 إلى 75٪ في العام 2000، بينما ارتفعت واردات أوروبا من 41٪ إلى 54٪ على التوالي، أما واردات اميركا منها فقد ارتفعت هي الأخرى من 8,8٪ إلى 22,1٪ على التوالي. أن هذا يظهر أن حلفاء اميركا هم المتضررون من سياسة تأزيم الأمن الاميركية في منطقة الشرق الأوسط. جبهات أخرى مع اوروبا اشتدت حدة الخلاف بين الموقف الأميركي والأوروبي في دربان حول حقوق الإنسان، وفي جوهانسبيرغ حول البيئة، بينما تصاعدت نداءات اميركية واوروبية تطالب الإدارة الأميركية إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضتها على وارداتها من الصلب، وتجنب زيادة التوترات التجارية بين الجانبين، في وقت اقترحت فيه اللجنة التنفيذية للاتحاد الاوروبي فرض عقوبات انتقامية على اميركا بما يتجاوز 300 مليون دولار، وذلك ردا على فرض رسوم اميركية تتراوح بين ثمانية و30 ٪ على مجموعة كبيرة من واردات الصلب. وقد أصدر الاتحاد الاوروبي فعلا قائمة بسلع أميركية مستهدفة تقدر قيمتها بنحو أربعة مليارات دولار إذا لم تغير الولايات المتحدة قوانين اعفاءات ضريبية أثارت خلافات بين الجانبين. الحذر الاميركي أن وقوف اميركا الأخير والغريب مع اوروبا في مجلس الأمن للتنديد بالموقف «الإسرائيلي» يعبر في الواقع عن أن سيناريو وكالة المخابرات المركزية الأخير قد أصبح موضع اهتمام وترجيح من الإدارة الأميركية، فقد نجح ضغط الحلفاء المعلن وغير المعلن (أوروبا واليابان) في دفع الإدارة الاميركية للتزحزح «قليلا» عن تطرفها تجاه تطرف الإرهابي «شارون» في فلسطين، كما اجبرها على كبح تهورها بإدخال منطقة «الشرق الأوسط» في حرب مدمرة «أخرى» عبر البوابة العراقية، وبإدخال الاقتصاد العالمي معها في مستقبل غامض تحكمه حالات لا حصر لها من اللا يقين، في ظل انكماش يهدد بكساد كبير. خسائر الاقتصاد الفلسطيني أظهرت إحصائية فلسطينية نشرتها وكالة «يو بي آي» في 24 سبتمبر 2002 أن قرابة 2479 فلسطينياً قتلوا، فيما جرح نحو 39300 آخرين منذ اندلاع الانتفاضة وحتى نهاية أغسطس/آب الماضي، بينما أكثر من 80٪ من الشهداء مدنيون. أما عدد القتلى من الأطفال دون سن 18 فبلغ 500 طفل، فيما بلغ عدد الجرحى من الأطفال 11385 طفلا وعدد الإعاقات 5500، بينهم 980 معاقا من الأطفال. هذا بالنسبة للأرواح، أما بصدد الاقتصاد الفلسطيني، فشهد دمارا لم يسبق له مثيل، شمل القطاعات الاقتصادية كافة، بما فيها البنى الأساسية التي شيدت عبر عشرات السنين. كما دُمرت مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية التي شيدت بعد اتفاق أوسلو خلال الفترة الانتقالية 1994-2000، وقد اتصف الدمار بالشمول ليطال الأراضي الفلسطينية كافة، والقطاعات، والأنشطة، والمباني، وتجريف الأراضي الزراعية واقتلاع الأشجار المثمرة. وقد أدى ذلك إلى تدني أداء الاقتصاد الفلسطيني بشكل غير مسبوق، وتراجع كافة مؤشرات أداء القطاعات الاقتصادية، وتفشي البطالة لتصل إلى معدلات تتراوح بين 80-85٪، وتراكم الدين العام ليتخطى المليار ونصف المليار دولار. وقد قدرت المصادر الدولية خسائر الاقتصاد الفلسطيني خلال العام 2001 بحوالي 7,5 مليارات دولار... يقول المسئول في بعثة المفوضية الأوروبية في الأراضي الفلسطينية نديم كركوتلي: «انكمش الاقتصاد الفلسطيني بعد بضعة أسابيع من اندلاع الانتفاضة بنسبة 50٪ بسبب إغلاق الأراضي الذي يمنع عشرات آلاف الفلسطينيين من التوجه للعمل في إسرائيل. ويضيف «ان الاقتصاد ينهار تماما في الأراضي الفلسطينية». وقد نشرت المفوضية تقارير عديدة جاء في احدها «هناك انكماش في التجارة الداخلية والخارجية، وان الاستثمار تراجع إلى مستويات منخفضة جدا، وان المؤسسات الفلسطينية تنهار». ويقول «إن الاقتصاد الفلسطيني على شفا الانهيار التام في ظل نسبة فقر تصل إلى 60٪ وخسارة يومية في الموارد تبلغ 7,6 مليون دولار، ونسبة بطالة تتخطى 50٪». ويرى كركوتلي أن «الاقتصاد يحتاج إلى خمس سنوات على الأقل، في ظل ظروف سياسية مؤاتية ومساعدات دولية مكثفة، كي يعود إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة». من جهة أخرى، ذكرت الأمم المتحدة أن قبضة أميركا وإسرائيل الخانقة على الأراضي الفلسطينية بعد عامين من الانتفاضة قد تسبب في «إفلاس السلطة الوطنية الفلسطينية، وزاد من تهاوي الفلسطينيين في وهدة الفقر». وأوضح تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الاونكتاد» انه حتى لو عاد السلام فسيكون من الصعب معالجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الفلسطيني. وحذرت «الاونكتاد» من أن التغييرات العميقة التي حدثت في وظائف الاقتصاد لن يكون من السهولة معالجتها حتى لو عاد الاستقرار، مشيرة إلى أن التقديرات المتحفظة تفيد انه خلال الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2000 أي بعد قليل من اندلاع الانتفاضة، ومارس/ آذار من العام 2001 خسر الاقتصاد الفلسطيني 40٪ من إنتاجه الذي قُدر بنحو 5,5 مليار دولار (عمان - يو بي أي). وأضافت «الاونكتاد» في تقريرها السنوي عن الأراضي الفلسطينية المحتلة أن «الأزمة في الأراضي الفلسطينية التهمت جهود التنمية» وذكرت أن المشكلة الرئيسية تتمثل في «قيود الحركة التي تفرضها إسرائيل في إطار حملات قمعية في الأراضي الفلسطينية لوقف الهجمات الفلسطينية». وتابع التقرير أن ما شهده العام 2002 من احتدام الأزمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعمليات الإغلاق المتكررة للحدود قد أسفر عن «انخفاض شديد في الدخل القومي، وعن تدمير البنى الأساسية للقطاعين العام والخاص، وتعطل النشاط الاقتصادي الفلسطيني على نطاق واسع خلال معظم السنة». وقالت انه على مدى فترة الأشهر الـ 18 التي انقضت منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2000 فقد الاقتصاد الفلسطيني ما يعادل أكثر من نصف ناتجه المحلي الإجمالي السنوي، فيما ارتفع معدل البطالة بثلاثة أضعاف، وسجل مستوى الفقر ارتفاعا كبيرا حيث أصبحت الأسر الفلسطينية التي تعيش دون حد الفقر تشكل ما يزيد على ثلثي مجموع الأسر. وتابعت أن الاقتصاد الفلسطيني الآن يسير على مسار «نكوص التنمية» مع ما يترتب على ذلك من «تداعيات خطيرة على المالية العامة والميزان التجاري وفجوة الادخار - الاستثمار والخدمات الاجتماعية». ويضيف ان مساعدات الدول المانحة التي كانت تأخذ في الماضي شكل استثمارات طويلة الأجل في البنى التحتية، تحولت منذ بداية الانتفاضة إلى مساعدات إنسانية على المدى القصير، فان إغلاق الأراضي الفلسطينية وإعادة احتلال جزء كبير منها دمرت بشكل كامل أساسات الاقتصاد الفلسطيني. ركود وديون غير مسبوقين في الاقتصاد «الإسرائيلي» لنتذكر صراخ وزير السياحة الإسرائيلي «رحبعام زئيفي» في وجوه مسئولي السياحة في إسرائيل في الذكرى الأولى للانتفاضة بقوله: «لا نتوقع الخروج من الأزمة قريباً، ولا نتوقع أيضا أي تحسن، فنزيف الخسائر لا يتوقف في القطاعات الاقتصادية كافة». ان هذا يجسد الواقع الاقتصادي في 28 سبتمبر 2001، يوم ذاك، قدرت الخسائر الأولية بأكثر من 10 مليارات دولار، أما اليوم فالانتفاضة تبلغ عامها الثاني! «إسرائيل» اليوم تغرق في أسوأ أزمة اقتصادية عرفتها في تاريخها، وبينما تقلل بعض الأوساط «الإسرائيلية» من تبعات الانتفاضة على الاقتصاد «الإسرائيلي»، يذكر «افراييم كليمان» أستاذ الجامعة العبرية في القدس أن «إسرائيل» تعيش أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل، حيث تراجعت المؤشرات الاقتصادية بشكل كبير منذ بدء الانتفاضة، فتخطت البطالة نسبة 10٪ للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية، كما انخفض اجمالى الناتج القومي (بشكل كبير)، وفقد «الشيكل» الكثير من قيمته مقابل العملات الأخرى. ويتابع «يمكننا أن ننفق ملياري دولار في الأشهر الاثنى عشر المقبلة، ولكن لن يضمن ذلك وقف التدهور الاقتصادي». ونضيف إلى ذلك، هروب الاستثمارات التي كانت وراء ازدهار صناعة التكنولوجيا المتطورة في ظل التوترات الأمنية، والتراجع القياسي في قطاع السياحة، فضلا عن ارتباط الاقتصاد «الإسرائيلي» بالأوضاع المحتقنة في المنطقة بسبب سياسة الإرهاب «الشارونية». «إسرائيل» تستقي استمرارها من دعم الاقتصاد الاميركي إن الاقتصاد الإسرائيلي لم يستمد يوما قوته من ذاته، فبعد أن منحته بريطانيا الوجود، أصبح يتلقى اليوم اكبر الدعوم من الإدارة الاميركية واللوبي الصهيوني من خارجه، وهذه مفارقة تتطلب التأمل، حيث أن الأخير يتسم بجبروت داخل الولايات المتحدة، ومنه نفهم لماذا تشكل أميركا مصدرا رئيسيا دائما لتقديم دعم مادي ومعنوي سخي يحول دون انهيار هذا الكيان في الشرق الأوسط، والذي ما انفك يحول دون تحقيق تنمية مستدامة في المنطقة برمتها. وفي سبيل تعزيز خزانتها ومساعدتها في معركتها مع الفلسطينيين، لم تكتف حكومة «شارون» بالدعم الاميركي اللامحدود، بل روجت سندات خاصة بأسعار فائدة منخفضة بغية جذب أموال اليهود من الخارج. وكان نتيجة ذلك 1,35 مليار دولار، وهو رقم قياسي وفق تصريح كبير نواب المحاسبة بوزارة المالية «الداد فريشر»، والذي أردف تصريحه بقوله: ان ذلك يعبر عن تأييد «اليهود» في الخارج «لإسرائيل»، مشيرا إلى أن المبيعات من السندات يتوقع أن تحطم الرقم القياسي البالغ 1,2 مليار دولار الذي سجلته في العام 1991. يضاف إلى ذلك ما قيمته 900 مليون دولار أخرى في صورة سندات ستطرح على المؤسسات الاستثمارية. كانت إسرائيل باعت في وقت سابق من العام سندات بقيمة 400 مليون يورو، وينتظر أن تبيع سندات أخرى بقيمة500 مليون دولار في الربع الأخير من هذا العام، وبهذا تصاعدت الديون الإسرائيلية. يذكر أن تلك السندات التي تباع للجاليات اليهودية تمتد لأجل خمس سنوات بسعر فائدة يزيد 140 نقطة مقارنة بسندات الخزانة الأميركية. وقال فريشر «يهود الشتات يجمعون أموالا أكثر بشروط أكثر جاذبية» وأضاف: «هذه ارخص وسيلة لجمع المال إذ أن المؤسسات الاستثمارية تميل لان تكون حساسة جدا تجاه الأحداث الجارية والوضع الأمني». إن هذا إقرار بضعف جاذبية استثمار في عموم المنطقة نتيجة للتصعيد الإسرائيلي. العرب وإسرائيل على العرب جميعاً دعم الانتفاضة، فالطريق الوحيد هو المقاومة لإنهاء الاحتلال، والقضية عربية وليست فلسطينية، وكما قيل «عندما يصبح خيار المقاومة هو الخيار الوحيد، فبالضرورة يغدو هو الخيار الصحيح». هنا يلزم علينا معرفة مكامن القوة والضعف العربيين «الحقيقية» الاقتصادية دون تضخيم، مع الوقوف أمام المفارقات. فمساحة العالم العربي تقدر بأكثر من 14,2 مليون كيلومتر مربع، بينما لا تتعدى المساحة التي تحتلها ''إسرائيل'' من الأراضي العربية 20770 كيلومتراً مربعاً فقط (THE WORLD FACTBOOK ,0002 CIA, USA), وبهذا فمساحة العالم العربي تفوق الأرض العربية المغتصبة بأكثر من 683 ضعفا! وبينما يبلغ العرب حوالي 290 مليون نسمة، قُدّر سكان إسرائيل بحوالي 5,5 مليون نسمة، وبهذا فالعالم العربي يتخطى إسرائيل بأكثر من 53 ضعفا! علما بأن سكان إسرائيل لم يشهد استقراراً قط منذ الانتفاضة الأولى، حيث يشهد تغيرا كبيرا بسبب الهجرة العكسية. أما قوة العمل العربية، فتتخطى 98 مليوناً، مقابل مليونين في إسرائيل، وبهذا تتجاوز ما لدى إسرائيل بحوالي 45 ضعفا. مع وجود فارق كبير لصالح إسرائيل يكمن في أنها توظف جزءا كبيرا من عمالتها في القطاعات التي تتسم بقدر عالٍ من القيمة المضافة، كقطاع التقنية والمعلوماتية. أما العمالة العربية فتتجه غالبيتها نحو قطاعات متدنية القيمة المضافة، بل إن غالبيتها تشكل عبئا على التنمية العربية! وبينما تركز إسرائيل على قطاع التقنية العالية والمعلوماتية، ما انفكت الاقتصاديات العربية متمسكة بوزن كبير لقطاع الزراعة والصناعات الاستخراجية. وبالنتيجة، فنصيب الفرد من الناتج فيبلغ في «إسرائيل» 18300 دولار (العام 1999)، مقابل 220 دولاراً في العالم العربي، بمعنى انه يزيد في إسرائيل بحوالي 8,3 ضعف، رغم اننا نعلو اكبر مخزونات النفط في العالم! وبصدد التجارة الخارجية، لا تزيد الصادرات العربية عن 6,5 أمثال الصادرات الإسرائيلية، حيث بلغت قيمة الصادرات السلعية للعالم العربي في العام 1999 حوالي 163 بليون دولار، مقابل 26 بليون دولار لإسرائيل. أما قيمة الوردات السلعية العربية فقد تجاوز أربعة أمثال مثيلتها في إسرائيل، حيث قدرت بحوالي 152 مليون دولار في العالم العربي، مقابل 33 مليون دولار في إسرائيل. وفي حين يعزى تخلف الاقتصاد العربي إلى إهمال جانب البحث العملي، إذ أن ما تنفقه لا يتخطى 100 مليون دولار فقط (0,5٪ فقط من ناتجها القومي)، يتبين أن ما تنفقه إسرائيل على البحوث التطبيقية يعادل 2 بليون دولار. ونظرا لتضارب الآراء بشكل كبير في هذا الشأن، نذكر أن منظمة اليونسكو تشير إلى أن الإنفاق العربي على البحث والتطوير لم يتجاوز 3078 مليون دولار في العام 1990، أي ما نسبته 0,76٪ مقارنة بالناتج العربي، مقارنة بـ 2,87٪ في أميركا، و2,21٪ في أوروبا، و2,92٪ في الدول المتقدمة، و3,16٪ في أميركا الشمالية، و2,05٪ في آسيا («العلم والتقنية»، أكتوبر 1991). وأخيرا لا بد من القول، إن مساحة الدول وحجم سكانها ليسا مفتاح التنمية، فمصر والسعودية مثلا اللتان تحتلان الترتيب الأول والثاني عربيا فيما يتعلق بحجم الناتج، والترتيب الـ 30 و 32 عالميا على التوالي، يقابلهما ناتج محلي في هونج كونج يحتل الترتيب 38 عالميا، على رغم أن مساحتها لا تتعدى 1092 كيلومتراً فقط (7,7 ٪ مقارنة بمساحة العالم العربي)، وسكانها لا يتعدى 7,2 مليون فقط (2,6٪ مقارنة بإجمالي السكان العرب)!، وهذا مدعاة للتأمل !!

العدد 22 - الجمعة 27 سبتمبر 2002م الموافق 20 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً