في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917م أرسل رئيس الوزراء البريطاني آرثر جميس بلفور رسالة إلى الصهيوني اللورد ليونيل وولتر روتشيلد الابن الأكبر لناثان روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، كان في وقت صدور وعد بلفور، تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد على 5 في المئة من مجموع عدد سكان فلسطين، وبعد شهر من رسالة بلفور احتلت بريطانيا فلسطين، لتحقق للصهاينة ما كانوا يحلمون به، ولتشتت الفلسطينين في كل أنحاء العالم، وتجعل من يرفضون منهم الرحيل يعيشون في بلدهم غرباء لا حول لهم ولا قوة، وظنت أنها بهذه الإجراءات القاسية تستطيع أن تنهي وجودهم في فلسطين بعد سنوات قليلة، ولم تكن تتصور أن الفلسطينيين بعد مرور 99 عاماً على وعد بلفور، سيبقون دائماً يطالبون برحيل الصهاينة من بلادهم، فالأجيال الفلسطينية المتعاقبة على أرض الإسراء والمعراج أثبتت بكل وضوح، أنها أقوى من كل العنجهيات الصهيونية، لم ولن يخضعوا للكيان الغاصب لأرضهم ومقدساتهم، حتى ولو وقفت معه الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، ودعمته المنظمات الدولية والإعلام الصهيوني المضلل، وهم في رفضهم لوجود الصهاينة على أرضهم، يضربون أروع الأمثلة في الثبات على المبادئ الوطنية، التي تجعلهم لا يتنازلون عن حق المطالبة بكل شبر من أرضهم، بمختلف الوسائل والطرق المشروعة المتاحة لديهم.
كل الأمل أن يتغلب الشعب الفلسطيني البطل وقياداته على الخلافات الداخلية، التي لها تداعيات خطيرة على جميع المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وهذا لا يمكن الوصول إليه إلا بالحوار أو التفاوض الجاد والمثمر بين جميع الأطراف السياسية الفلسطينية، فالتوافق بين الفرقاء لا ريب أنه يعطي للقضية الفلسطينية قوة في كل المحافل الدولية، فالاعتصام بينها حاجة ضرورية وملحة في الوقت الراهن، لابد أن تحدث تنازلات في حال التفاوض وتبرز مشتركات بين جميع الأطراف، فكل الأطراف الفلسطينية تحمل شعاراً واحداً، إنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين الحبيبة، التي عاصمتها الأبدية القدس الشريف.
فلا نجد أي طرف من الأطراف الفلسطينية يقول خلاف ذلك، فالاختلافات في أساليب وآليات تحقيق الأهداف المرجوة، فهذه في اعتقادنا لا تشكل مانعاً لتوحيد الكلمة تجاه المحتل الصهيوني، قليل من حسن الظن وصفاء النية بين الأطراف المتخاصمة، بإمكانهما أن يحققا للقضية الفلسطينية طفرات نوعية، تفوق كل التوقعات والتصورات السياسية، فالشعب الفلسطيني الأبي يعلم علماً يقينيّاً أن الكيان الصهيوني الجاثم على صدره ما يقارب قرناً من الزمان، هو المستفيد الأوحد من خلافات قادته السياسيين، فهو يرى أن لا مجال له إلا بإطلاق مبادرات فلسطينية حقيقية وصادقة، لتحقيق المصالحة الشاملة ولم شمل كل القيادات الفلسطينية السياسية، لأنه يعلم لو حصل ذلك سينعكس إيجابيّاً على الشعب الفلسطيني الذي يقاسي الأمرَّين من معاملات وإجراءات واعتداءات الأوباش الصهاينة.
فكل العقلاء في الوطن العربي والإسلامي ينتظرون من القيادات الفلسطينية بمختلف توجهاتهم السياسية القيام بخطوات جريئة وعملية في توحيد صفوفهم، من المؤلم جدّاً أن ترى فلسطينيّاً يقتل وينتهك حقوق أخيه الفلسطيني، وعدوهما المشترك، الكيان الصهيوني يتحين الفرص للقضاء على وجودهما الإنساني، والمصيبة الكبرى إذا لم تجد مبرراً لذلك إلا أنه يختلف معه في وجهات النظر والتوجهات السياسية، فالشعب الفلسطيني بمختلف فصائله وأطرافه السياسية لن ينقصه الوعي ولا الثقافة والحس الوطني، فهو شعب معطاء في كل المجالات والميادين العلمية، فالعالم أجمع يشهد بذلك، ومراكز الأبحاث الطبية والدراسات الأكاديمية المتقدمة شاهدة على تفوقه وتميزه في الكثير من المجالات العلمية، فمثله لا يحتاج لأحد أن يوجهه ويرشده لما هو في صالحه.
فقليل جدّاً من الشعوب في العالم قاست الويلات وتحملت كل مصائب الحروب المدمرة والحارقة للأرض والإنسان كما تحمل الشعب الفلسطيني، لقد تحدى بقوة إرادته وبإيمانه الراسخ بسلامة مطالبه المشروعة كل الهمجيات الصهيونية طوال 99 عاماً، ولديه الاستعداد النفسي والمعنوي أن يستمر في مطالباته المشروعة حتى يأذن الله له باسترداد أرضه ومقدساته وحقوقه كاملة غير منقوصة، لأنه يعلم أكثر من غيره أن الثبات على المبادئ أقوى بمئات المرات من كل الغطرسات والعنجهيات الحاقدة.
فالكيان الصهيوني يخشى كثيراً من تلاحمه ولم شمله، لأنه يعلم أن في لمه ووحدته هلاكاً لكيانه الغاصب، فلهذا نجده يعمل ليلاً ونهاراً على تشتيت جهوده وبعثرته بكل الوسائل المتاحة لديه، شعب كهذا لا يمكن لأي جهة، كبيرة كانت أم صغيرة أن تنهيه من الوجود، فهو كالشجرة البرية التي قال عنها أمير المؤمنين الإمام علي (ع): «ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً، والرواتع الخضرة أرق جلوداً، والنابتات العذية أقوى وقوداً، وأبطأ خموداً»، فلم يضعف صلابتها وقوتها ورسوخها الثابت، قلة الماء وارتفاع حرارة الصحراء، وتقطيع الإنسان لأغصانها.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5178 - الأربعاء 09 نوفمبر 2016م الموافق 09 صفر 1438هـ
احسنت يا استاد . انه موضوع رائع للتأمل ووضوح الرويه.