أكد الفنان المصري عزت العلايلي أن الفن مسئولية وأن الفنانين مسئولون عن بناء مجتمعاتهم وعن التحدث بصدق وأمانة عما يهدد مجتمعاتهم، ليس بشعارات لا قيمة لها وإنما بفكر موحد. وقال العلايلي إنه مواطن مصري عربي يعيش حياته بكل تناقضاتها، وإنه لا يمكن أن يجزم أنه لم يندم على دور واحد في حياته.
من جانبها أكدت الكاتبة والباحثة الكويتية أمل عبدالله، أنها لم تشق طريقها في الفن لأنها لم تكن تملك موهبة فنية، على عكس شقيقتها الفنانة سعاد عبدالله، لكنها أشارت إلى أنها سعيدة بإنجازاتها في مجال البحث والكتابة.
جاء ذلك خلال جلسة حملت عنوان «مشاهير من الفنون العربية» نظمتها هيئة الشارقة للكتاب، على هامش فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـخامسة والثلاثين والتي تقام في الفترة ما بين 2 و 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتمت بمشاركة كل من الفنان عزت العلايلي والكاتبة الكويتية أمل عبدالله.
العلايلي: وهبي والريحاني وشكوكو أسَّساني
تحدث العلايلي عن بداياته مع الفن، مشيراً إلى أنه نشأ وهو يتفرج على مسرحيات يوسف وهبي ونجيب الريحاني؛ حيث كان والده يصطحبه إلى مسرحياتهما. واستذكر قائلاً: «عندما كنت في سن الثامنة اصطحبني والدي إلى المسرح القومي؛ حيث شاهدت معه واحدة من مسرحيات يوسف وهبي، ففتنت بها. وما أن خرجنا من المسرح حتى تداعت في ذهني صورة وهبي وخشبة المسرح وتصفيق الجمهور».
أما في مسرح الريحاني، فحاول العلايلي أن يجلس في الصفوف الأمامية، حين اصطحبه والده، وحين علم أن هذه الصفوف محجوزة للوزراء أصابه استغراب حول أهمية تواجد الوزراء في المسرح، لكنه كما أشار «بعد أن تداعت الأيام، عرفت أن قيمة الفنان عالية جداً، لدرجة أن الوزراء يأتون لمتابعة ما يقدمه من فن» مؤكداً بأن الريحاني كان في أغلب رواياته ناقداً للشارع والسياسة المصرية في ذلك الوقت».
ويتذكر العلايلي كيف استهوته تجربة الفنانين فكان يقدم مونولوجات شكوكو التي كان يحفظها عن ظهر قلب لأبناء الحي في منزل أسرته، مستغلاً فترة غياب والديه».
الفوضى التي كان عزت يحدثها في المنزل لم تغضب والده الذي استشعر عشقه للفن، بل دفعه لصقل موهبته تلك بالدراسة؛ حيث التحق بمعهد الفنون المسرحية، وتخرج منه بتفوق.
يسقط الاستعمار هي البدايات
وعن أول ظهور له في السينما قال العلايلي: «كان عمري 12 عاماً حين أخبرني أحد زملائي ووالده يعمل في السينما، بأن هناك حاجة لثلاثة فتية ليمثلوا مع الفنان حسين صدقي في رواية بعنوان «يسقط الاستعمار» وأن التصوير في استوديو شبرا. غلبني الحماس وذهبت إلى هناك دون معرفة والداي، وكنت أحمل في جيبي 35 قرشاً. بقيت طوال اليوم، ونفدت النقود التي أحملها وكنت منهكاً وجائعاً ووالدي لا يعرفان عني شيئاً، لكنني أصررت على البقاء وتصوير المشهد حتى الثالثة فجراً».
وأضاف «هذه الحادثة جعلتني أعيش أجواء السينما والتصوير، وأكدت لدي شغفي بالسينما، وزادت إصراري على أن أكون ممثلاً، ولذا حين جاءت دعوة أبي لي لدخول معهد السينما بعد سنوات، لاقت صدى كبير».
أبوسيف احترمني وشاهين زجرني
أما عن عمله مع المخرج صلاح أبوسيف، فتذكر العلايلي «بعد تخرجي من معهد الفنون المسرحية مباشرة، طلبني المخرج صلاح أبوسيف؛ حيث قابلته في استوديو مصر، آنذاك أذكر أنه قابلني بكل احترام وأنا شاب صغير. وأطلعني على دوري في مسرحية «زقاق السيد البلطي» وكان دور طبيب يعالج ابن الفنان فريد الأطرش. وقد شحن المخرج همتي لدرجة شعرت معها أنني بطل الفيلم».
أما مع يوسف شاهين فكانت الحكاية مختلفة قليلاً؛ إذ يتذكر «في صباح أحد الأيام فوجئت بشخص يدق باب بيتي وحين استعلمت عمن الطارق قال لي «افتح يا ولد»، استغربت عمن يكون هذا الشخص وحين فتحت الباب فوجئت بيوسف شاهين الذي زجرني وقال لي «لماذا لا تأتي حين أرسل لك»، ثم عرض عليَّ أن أشارك معه في فيلم «الأرض». وافقت بالطبع وحضرت كتابة الفيلم وتعرفت على السيناريست حسن فؤاد، والروائي عبدالرحمن الشرقاوي. مثَّلنا الفيلم بكل ما فيه من آلام وأوجاع ومصاعب، ثم سافرت مع الفيلم إلى مهرجان كان السينمائي، وهناك وجدت العالم الحقيقي للسينما، وانبهرت كثيراً، كما التقيت هناك بناقد فرنسي كبير، قال لي إنه شاهد الفيلم، ولي مستقبل كبير، وطلب مني المحافظة على نفسي، وأن أكون مسئولاً عن الكلمة التي سأقولها يوما ما. بقيت هذه الكلمة في ذهني حتى بعد نجاح الفيلم وإلى أن التقيت هذا الناقد مرة أخرى».
رحلة اليوم مع عبدالناصر
بعدها تطرَّق العلايلي للحديث عن تجربته مع المسرح؛ حيث قال: «بعد تخرجي تم تعييني في التلفزيون مخرج أرضية Floor Manager . لم يعجبني الأمر فقررت ترك العمل، وحين هممت بالمغادرة قابلتني رئيسة البرامج الثقافية وأدخلتني إلى مجال البرامج الثقافية».
ويضيف «هناك قدمت برامج ثقافية مهمة جداً من بينها برنامج «رحلة اليوم» الذي كنا نتناول من خلاله في كل أسبوع محافظة من المحافظات بالتفصيل، وقد بلغني يوماً أن الرئيس جمال عبدالناصر يتابع هذه الحلقات التي كانت تبث أيام الخميس، ولذلك سعدت كثيراً وأصابني الغرور».
الطريق إلى مسرح التلفزيون
عند هذه المرحلة، كما يتذكّر العلايلي «قررت تقديم أعمال مسرحية؛ فاتفقت مع رشوان توفيق وأحمد توفيق على أن نقدم مسرح تلفزيون ونقدم من خلاله مسرحيات عالمية يشاهدها الناس. عرضت الأمر على الوزير آنذاك فطلب مني تقديم دراسة شاملة عن الأمر، وانتدبني إلى لندن لعمل دراسة عن مسارحها. قمت بعمل الدراسة فعلاً، وتم الترتيب لتأسيس هذا المسرح الذي حقق نجاحاً كبيراً؛ حيث كان قادراً على استقطاب الجمهور على رغم ارتفاع كلفة التذاكر أكثر من مرة، وقال: «على خشبه هذه المسرح قدمت الكثير من الأعمال مع الزملاء عادل إمام وسعيد صالح، وصلاح السعدني، ومديحة حمدي، ومحمود مرسي وسناء يونس، وقدمنا العديد من الأعمال الكلاسيكية التي نجحت كثيراً مثل (أنا وهو وهي) و (غلفدان هانم) وغيرها». وتابع «نجاح مسرح التلفزيون قادني إلى أن اطلع على الروايات، واذكر أنني قرأت يوماً على الصفحة الأخيرة في صحيفة (أخبار اليوم) رواية (ثورة فلاح) بقلم محمد التابعي وهو كان أكبر صحافي في مصر، وقد أعجبتني كثيراً، وقمت بإعادة كتابتها للمسرح، بعد الاستئذان من مؤلفها، فأعجب بها كثيراً، وتم اختيار حسن كمال لإخراجها، واستطاعت أن تحقق نجاحاً باهراً».
تنبَّأت بالنكسة فلم يصدقوني
نجاح العلايلي في الكتابة دفعه إلى المزيد؛ إذ يتذكر»من خلال قراءاتي السياسية في فترة الستينيات كتبت حلقات تحت عنوان «اعرف عدوك» تناولت من خلالها تاريخ الحركة الصهيونية منذ مؤتمر بازل العام 1901 حتى ذلك الوقت. وقال: «أعددت 22 حلقة، وقدمتها للتلفزيون العام 1966. تنبأت في هذه الحلقات بنكسة 1967، حينها لم يصدقني أحد، ولم يصدق قولي إلا بعد وقوعها، وحينها مثلت حلقاتي في التلفزيون بعد النكسة».
القادم فنياً... أفضل
وبشأن التحولات الكثيرة في الفن، وهبوط مستواه، قال العلايلي: «العالم كله يتحول إلى مفاهيم وسياسات جديدة، وهناك غليان بين القبول والرفض لبعض السياسات والاتجاهات على الأرضية الثقافية، كما إن ما يحدث الآن من تقلبات في العالم العربي أمر محير جداً للكتّاب وأصحاب القلم، لمن يكتبون؟ ومن يستوعب؟ ومتى يكتبون وحول أي موضوع»؟
وواصل مؤكداً «سنعبر هذه المرحلة إلى مرحلة جديدة، أنا لست متشائماً فحين أتحدث مع الأدباء والمفكرين الشباب أجد لديهم فكراً ناضجاً جداً وأثق أن إنتاجهم القادم من كتب ومسرحيات وأفلام سيكون أفضل».
وحول الابتذال في الفن من قبل السينما المصرية قال: «سأشارك بعد عودتي من الإمارات في اجتماع لدراسة هذا الأمر. وفي الواقع الموضوع يلاقى اهتماماً على مستوى الرئاسة المصرية».
وواصل «البيت العربي بيت غالٍ، ونحن نصدر للبيت العربي من البيت المصري، وغير صحيح أن يكون هذا مستوى البيت المصري والعربي».
تحياتي للعراق الحبيب
أخيراً، تحدث العلايلي عن تجربته في فيلم «القادسية» الذي صوره في العراق. وقال: «هذا البلد زرته في وقت عظيم واعتبرها عظيمة، ولي إخوة أعزاء وأصدقاء حتى هذه اللحظة. العراق بلد له قواعد ثقافية وعلمية عالية، وبه فنانون على مستوى عالٍ. سعدت بوجودي في العراق الحبيب، التي قضيت فيها مع سعاد حسني نحو 8 أشهر هي من أمتع الأوقات ولم أشعر بها أبدا لشدة كرم الشعب العراقي. تحياتي إلى العراق وإلى شعبها وإلى أرض بغداد الحبيبة التي اشتقت لها كثيراً».
أمل عبدالله: أنا مثقفة الفريج
من جانبها، تناولت الكاتبة أمل عبدالله في مداخلتها رحلتها الطويلة مع الأدب والفن. وقالت: «بدايتي كانت بسيطة تشبه أي فتاة في الخليج؛ حيث نشأت في بيت بسيط أقرب منه إلى الفقر، لكن الأسر كانت متعففة ومليئة بالتقاليد والقيم والعادات والموروث والفلكلور وتهتم بالموروث الشعبي والأمثال والحكايات، وهذا كوّن لدي حصيلة معرفية جيدة وحصيلة البحث والتقصي، إلا أن حياتنا تغيرت بعد أن تيتمنا، حيث أوكلت مهمة الرعاية إلى خالة والدتي التي كانت ميسورة الحال بعد أن تخلت عنا أسرة والدي، وفي هذا الجو تربينا ونشأنا وتعلمنا وكبرنا. لأنني الكبيرة بين أخواتي، وإذ لم يكن لدينا أشقاء، بدأت العمل في سن مبكرة، عملت بالمصادفة، ودرست بالمصادفة وعملت في الإعلام بالمصادفة، لا تتركوا الصدف لأنها أفضل من أي تعليم وأفضل من ألف ميعاد».
وعن عملها الأول كموظفة قالت: «كان بيتنا خلف وزارة الصحة العامة، ومدير الصحة كان جارنا، ذهبت إليه وطلبت مقابلته وكان يسميني مثقفة الفريج. طلبت منه أن أعمل موظفة «كيتب» في وزارة الصحة، فاشتغلت بنفس اليوم في قسم البحث الاجتماعي. بعدها التحقت بالعمل في الإذاعة الشعبية واستمر مشواري فيها بين الدراسة والعمل حتى حصلت على شهادة عالية».
أنا لست موهوبة
وعن عملها في الفن، قالت عبدالله: «لم أفلح في الفن، لأنه لم تكن لدي موهبة» مشيرة إلى أن شقيقتها سعاد كانت أكثر موهبة منها. وعن بدايات دخولهما المجال الفني تتذكر «في يوم من الأيام جاءت الفنانة عودة المهنا وهي سيدة المسرح الفولكلوري وقالت لي: إن محمد النشمي يطلب فتيات ليشاركنه في فرقة مسرحية جديدة، والنشمي كان رجل المسرح المرتجل منذ العام 1942 ولكن في العام 1965 كوّن فرقة مسرحية وأراد أن يجمع لها بنات. أخذت سعاد وبعض صديقاتها وذهبنا إلى النشمي، فأعطاني دور البطولة في مسرحية «حظه يكسر الصخر» لأنني الأكبر، وكان هذا أول عمل مسجل في تلفزيون الكويت كمسرحية درامية».
وتتذكّر عبدالله بأنها لم تنجح في الدور مضيفة بأنها على العكس من سعاد التي شقت طريقها في الفن بسبب موهبتها «تراجعت أنا، وشققت طريقي في البحث والكتابة ولدي الآن 12 إصداراً وأنا مهتمة بالبحث في الفنون والأدب والفولكلور، وأنا سعيدة جداً بمشواري وبكل ما أنجزته وسأنجز الكثير لو تبقى لي من الصحة والعمر واللياقة في الكتابة».
وحول تحديات المجتمع المغلق في فترة الستينيات قالت: «كانت التحديات التي تواجه المرأة الخليجية كثيرة لكن والدتي كانت سيدة واعية وقوية حتى إنني كنت اقرأ لها الصحيفة وأشرح لها بعض المفردات السياسية».
وأضافت «كذلك فإن شخصية الفرد تفرض احترامها، فأنا وسعاد بدأنا وكان هناك أخريات لكن أين هن الآن؟ نحن اعتمدنا على سلوكياتنا وأخلاقنا وجهدنا ولم نعتمد على شيء آخر ولذلك بقينا».