تحديات وإمكانات تحقيق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030 في عالم عربي مضطرب هو موضوع التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) عن حالة البيئة العربية وعنوانه «التنمية المستدامة في مناخ عربي متغيّر»، الذي يطلق اليوم في مؤتمر «أفد» السنوي الذي يعقد في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد ساهم في إعداده نحو 100 خبير، وهو يركز على العلاقة التلازمية بين المياه والطاقة والغذاء، ويستكشف طرقاً قابلة للتنفيذ لتمويل التنمية، والظروف المطلوبة لتحقيق الأهداف الـ17 المحددة لسنة 2030. ويسعى «أفد» من خلال هذا التقرير إلى رسم خريطة طريق لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية، في ضوء اتفاقية باريس المناخية، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة في المنطقة.
هنا أبرز ما جاء في التقرير من استنتاجات وتوصيات.
تم إقرار أجندة التنمية المستدامة 2030 خلال قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة التي عُقِدت في أيلول (سبتمبر) 2015. والمكوّن الأساسي للأجندة هو أهداف التنمية المستدامة (SDGs) وهي 17 هدفاً شاملاً ستقود العمل والاستثمار العالميَّين في التنمية المستدامة خلال السنوات الـ 15 المقبلة.
افتقرت الاستراتيجيات الماضية في البلدان العربية إلى مقاربة كلية وشاملة إلى التنمية. وتقدّم أجندة 2030 وأهدافها، المشتملة على وجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الخاصة بالتنمية المستدامة، فرصة تاريخية واعدة لرفاه أجيال المستقبل في العالم وللكوكب الذي نعيش عليه. لكن لتحقيق التنمية المستدامة، على البلدان العربية أن تعالج سلسلة من التحديات التي تواجهها، وتشمل ما يأتي:
ترابط المياه والطاقة والغذاء
ثمة ترابط لا تنفصم عراه بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء في المنطقة العربية. عموماً، المنطقة غنية بالطاقة وفقيرة بالمياه والأرض الصالحة للزراعة وتعاني نقصاً في الغذاء. وتشتد هذه الروابط المشتركة في المنطقة مع ازدياد الطلب على الموارد؛ نتيجة النمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك وضعف الكفاءة، وهي ستتفاقم أكثر بسبب تأثيرات التغير المناخي.
ويُعتبَر المشهد الحالي في المنطقة العربية على صعيد سياسات المياه - الطاقة - الغذاء - المناخ معقداً ومجزأ. وهذا يفرض الحاجة الحاسمة إلى تبني مقاربة ترابط متكامل لدى معالجة إدارة هذه الموارد الحيوية الثلاثة.
يُعتبَر الفقر من التحديات الرئيسية في المنطقة، فهو يزداد منذ العام 2010؛ بسبب عوامل كثيرة تشمل ظروف السلم والأمن، وشبكات الأمن الاجتماعي الضعيفة، وعدم القدرة على خلق فرص عمل. وإذا نُقِل خط الفقر من 1.25 دولار يومياً للفرد إلى دولارين أو 2.75 دولار، يزداد معدل الفقر في المنطقة من 4 في المئة إلى 19 في المئة أو 40 في المئة على التوالي. ويشكّل هذا الازدياد المذهل في معدل الفقر سمة مميزة للمنطقة العربية مقارنة بمناطق أخرى في العالم.
المنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي تشهد نمواً في الشريحة السكانية التي تعاني نقصاً في التغذية. فعدد الأشخاص الذين يعانون نقصاً في التغذية قفز من 30 مليون شخص إلى 50 مليوناً بين العامين 1991 و2011، لأسباب من أبرزها النمو السكاني السريع. ويُشَار إلى أن نقص التغذية يرتبط بانتشار الجوع وغياب المستويات المناسبة من الأمن الغذائي، وهذان الأمران يبقيان من التحديات الحاسمة في المنطقة. كذلك تعاني غالبية بلدان المنطقة من العبء المزدوج لسوء التغذية: استمرارية نقص التغذية بالترافق مع ارتفاع في الوزن الزائد والبدانة والأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية، وذلك بمستويات مختلفة وفق مستوى التقدّم الاقتصادي.
لمواجهة تحديات الفقر والجوع والأمن الغذائي، أمام البلدان العربية عدد من الخيارات المتعلقة بالسياسات، تشمل تحسين إنتاجية المحاصيل والمياه، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي المعالَجة واستخدامها، وخفض المستويات العالية لخسائر ما بعد الحصاد، وتطوير مصادر أخرى عالية النوعية للبروتينات كمصائد الأسماك، وإدخال مفهوم المياه الافتراضية في الخطط الوطنية للبلدان بهدف تعزيز التعاون العابر للحدود، وأخيراً وليس آخراً، التعاون الإقليمي الحتمي المستند إلى المزايا النسبية في الموارد الزراعية والمالية للبلدان العربية المختلفة.
بلغ الوصول إلى ميـاه الشرب الآمنة في المنطقـة 81 في المئة، في حين تدهور في بعض البلدان التي تعـاني نزاعات وعـدم استقـرار، مثل العـراق وفلسطين والسـودان واليمن. وارتفعت التغطية المحسّنة للصرف الصحي إلى 75 في المئة، وسُجِّلت ارتفاعات في البلدان كلها تقريباً. لكن المناطق الريفية لاتزال متخلفة، وخصوصاً في البلدان الأقل تقدّماً، حيث الصرف الصحي المحسّن لايتوافر إلا لنحو خُمس السكان.
ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمياه، يجب أن تشمل الاستراتيجيات المائية الوطنية إحداث تحولات في توزيع المياه بين مختلف القطاعات، استناداً إلى مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتطبيق سياسات تسعير جديدة باستخدام تعرفات تصاعدية لمياه الشرب، مع طلب تسعير للمياه بالكلفة الفعلية في الصناعة، وفرض أنظمة جـديدة لمعالجة استخراج المياه الجوفية، وحماية المجاري المائية العامة من النفايات الصناعية. وعلى هذه الاستراتيجيات أن تعزز أيضاً إدارة الطلب على المياه، وخصوصاً لتحسين أداء القطاع الزراعي. وأخيراً، ثمة حاجة ملحة إلى تغيير العقلية والموقف والممارسات في المجتمعات العربية من خلال زيادة الوعي المائي. كذلك على البلدان العربية أن تعترف بأهمية الوصول إلى الفقراء وتوسيع الخدمات المائية لتشمل الجميع، وخصوصاً في المناطق الريفية.
باستثناء البلدان العربية الأقل تقـدّماً، حيث لا تصل خدمات الطاقة الحديثة إلى نحو 50 مليون شخص، حققت غـالبية البلدان معدلات مرتفعة جديرة بالتنويه للوصول إلى الطاقة. ولكن، وإلى جـانب الدعم الضخم لأسعـار للطاقة، تتميز المنطقة بكفاءة منخفضة في مجال الطاقة، يترافق مع بطء في الاستفادة من الإمكانية الضخمـة لموارد الشمس والريح. ووفر التراجع الأخير في أسعـار النفط فرصـة لبلدان كثيرة لادخال إصلاحات في أنظمـة دعم الطاقة، بما فيها: مصر والأردن والسعودية والإمارات وعُمان وقطر والبحرين والكويت.
لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تعدّ كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة عاملين حاسمين لتعزيز أمن الطاقة، وخفض الأعباء المالية لواردات النفط، وتنويـع مزيـج الطاقة. ويمكنهما أيضاً توفير حلول موثوقة ومستدامة لوصول سكان المناطق الريفيـة والبعيـدة إلى خدمات الطاقة الحديثة، مما يساهم في التخفيف من الفقر. وفيما تُعتبَر «مصدر» في أبوظبي مثالاً مضيئاً على مبادرة تحويلية تدعمها الحكومة في مجال الطاقة المتجددة، أصبحت دبي المدينة التي تستخدم الكهرباء الفوتوفولطية الأرخص عالمياً على صعيد الكيلوواط ساعة، من خلال شركة خاصة تطبق نموذجـاً استثمـارياً يستند إلى اقتصاد السوق. وعند الجانب الأقصى غربـاً للمنطقـة العربيـة، يشكّل المغرب مثالاً بارزاً لأداء متميز في مجال الاستثمار في الطاقة المتجددة للوصول إلى حصة جريئة بنسبة 52 في المئة بحلول 2030.
ويشكّل التعاون الإقليمي والتكامل الطاقوي وسيلة قابلة للتطبيق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من المقلق أن البطالة في الدول العربية عموماً تبقى عالية جداً، إذ يبلغ المعدل نحو 12 في المئة، ويصل إلى 30 في المئة في أوساط الشباب بالمقارنة مع المعدل العالمي البالغ 13 في المئة، وفق أرقام لمنظمة العمل الدولية صدرت في 2014 ويُقدَّر أن البطالة قفزت أكثر في 2015 - 2016؛ بسبب النزاعات والنمو الاقتصادي المتراجع.
يُعدّ الشباب بين 15 و24 سنة أكبر شريحة ديموغرافية في المنطقة، ومعدلاتها تنمو بسرعة. وفي مقدور هذه الشريحة توفير فرص جيدة للتنمية، كما في إمكانها تشكيل تحديات رئيسية على الجبهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا في حال قيام سياسات تستهدف خلق فرص تربوية وتشغيلية.
ويؤدي قطاع التربية دوراً أساسياً في توفير التدريب والمعرفة اللازمين لبناء القدرة البشرية. وثمة ضـرورة للالتزام المعزز بالإنفاق التربوي، مع تركيز خاص على الاختصاصات العلمية والتقنية والهندسية والاجتماعية المرتبطة بالاقتصاد الأخضر.
أدت الوتيرة السريعة للنمو السكاني والتحضر والهجرة الريفية، إلى جانب سياسات الدعم غير المناسبة، إلى ازدياد الطلب على الموارد الطبيعية في المنطقة العربية، وعززت الأنماط غير المستدامة للاستهلاك والإنتاج، ما تسبب بتدهور بيئي.
لكي تتحول البلدان العربية تدريجياً إلى استهلاك وإنتاج مستدامين، يحتاج كل بلد، استناداً إلى ظروفه الاجتماعية والاقتصادية الخاصة، إلى تحديد التدابير ذات الأولوية والشروط الممكِّنة الضرورية لتسهيل ذلك التحول. وتشمل هذه الشروط: الحوكمة الحسنة، والتخطيط المتكامل للسياسات، ونظام الحكم السليم، واستخدام أدوات تستند إلى السوق، وتطوير القدرات، والوصول إلى القطاع المالي والاستثمارات، والبحث والتطوير، والوعي العام، والمشتريات الخضراء. كذلك ثمة دور حاسم للاستثمار في التربية والتفاعلات الاجتماعية، لتغيير العقليات، وزيادة الوعي بالأنماط الحياتية المستدامة، وتسهيل تغيير سلوك المستهلكين، وخصوصاً الشباب باعتبارهم عوامل التغيير، بصفتهم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ورواد أعمال وصانعي قرار في المستقبل.
التغير المناخي
تُعَد البلدان العربية من بين البلدان الأكثر تعرضاً للتأثيرات المحتملة للتغير المناخي؛ بسبب هشاشة أنظمتها الطبيعية، وخاصة ندرة المياه والجفاف المتكرر. وتتخذ المناطق الساحلية في العالم العربي، التي هي عرضة لارتفاع مستوى سطح البحر، أهمية كبيرة؛ لأن معظم المدن الرئيسية والنشاطات الاقتصادية قائمة في المناطق الساحلية. وتقع الأراضي الزراعية الخصبة إلى حد كبير في مناطق ساحلية منخفضة مثل دلتا النيل، حيث تعتمد النشاطات السياحية الشعبية على الأصول البحرية والساحلية، مثل الشعاب المرجانية والأنواع الحيوانية المرتبطة بها، التي تتأثر كثيراً بارتفاع درجات الحرارة. وتفرض التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ مزيداً من الضغط على موارد المياه العذبة المحدودة. ومع تخصيص نحو 85 في المئة من موارد المياه العذبة للزراعة، يخضع الأمن الغذائي في العالم العربي منذ فترة طويلة لضغوط بيئية واجتماعية واقتصادية.
وتحتاج البلدان العربية إلى مواصلة الجهود لبناء القدرات الوطنية لكي تتعامل مع الجوانب المختلفة لتهديدات تغير المناخ، والتكيف مع متطلبات الاتفاقات الدولية الناظمة لتغيّر المناخ، وتعزيز التعاون الإقليمي من أجل التكيف مع الأخطار المناخية المحتملة، والعمل عن كثب مع المجتمع الدولي للاستفادة من الفرص المتاحة للتمويل المناخي ونقل التكنولوجيا الصديقة للمناخ.
متطلبات تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية
بناء القدرات البشرية هو واحد من المتطلبات الرئيسية اللازمة لإحداث نقلة نوعية نحو التنمية المستدامة. فمن المستحسن إصلاح الترتيبات المؤسسية الحالية على المستويين الإقليمي والوطني، مثل إنشاء «مجالس عليا للتنمية المستدامة». وهذا من شأنه ضمان صياغة سياسات متكاملة، وتعاون وتنسيق مناسبين كافيين بين الجهـات الحكوميـة المختلفة، وبين الحكومـة والجهات المعنية غير الحكومية. وستكون المجالس مسئولة أيضاً عن الإشراف على تنفيذ الاستراتيجيات المقترحة وتقييم تنفيذها، واقتراح إجراءات إصلاحية قد تكون مطلوبة، وضمان اتصال كاف بين الحكومة والجمهور والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ولدعم التنمية المستدامة في البلدان العربية، ثمة حاجة إلى تخصيص مبلغ إضافي يتجاوز 57 بليون دولار سنوياً لهذا الغرض. وبصرف النظر عن أهمية تأمين موارد مالية خارجية إضافية، ينبغي التركيز على تعبئة الموارد المالية المحلية القائمة، العامة والخاصة، وإعادة توجيهها، مثل التكامل بين القطاعات غير الرسمية في الاقتصادات العربية، ومشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والإصلاحات الضريبية وتعديل أنظمة دعم الأسعار، والمؤسسات الخيرية، والتحويلات المالية، والاستثمارات الخاصة.
لقد أدت الجهات المانحة في البلدان العربية ومؤسساتها التنموية الوطنية والإقليمية، على مدى العقود العديدة الماضية، دوراً مهماً في توفير المساعدة التنموية والإنسانية إلى البلدان العربية والبلدان النامية الأخرى. وحالياً تضم مجموعة التنسيق لتمويل التنمية 8 مؤسسات تنموية وطنية وإقليمية عربية، بالإضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية وصندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد). وجمعت هذه المؤسسات خبرة كبيرة في مجال التعاون التنموي في أنحاء العالم. وبلغت مساهماتها الإجمالية في تمويل عمليات التنمية في أكثر من 140 بلداً نحو 147 بليون دولار في نهاية العام 2014، مع حصة تفوق 55 في المئة للبلدان العربية المتلقية.
ويمكن للبلدان العربية المتلقية جذب مزيد من التمويل لأهداف التنمية المستدامة الخاصة بها من مؤسسات تمويل التنمية في المنطقة، من خلال توجيه استراتيجياتها التنموية باتجاه أهداف التنمية المستدامة، وتحديد أولوياتها وفقاً لذلك بطريقة متسلسلة على أساس عمليات ومشاريع تنموية معدة إعداداً جيداً وقابلة للتنفيذ.
ومن الشروط المسبقة لجذب المساعدات الخارجية تعبئة الموارد المحلية من خلال إصلاحات في السياسات وإعادة تنظيم ممارسات دعم الأسعار وتحصيل الضرائب، إلى جانب تعزيز الشفافية والمشاركة العامة.
ولا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية بحلول سنة 2030 بمعزل عن حالة الصراع في المنطقة. وأبعد من العمل اليوم مع منظمات الإغاثة المحلية والإقليمية والدولية المتعددة لتوفير ضروريات السلامة والحاجات الأساسية للمتضررين، يوصي تقرير «أفد» بإرساء الأساس لدمج تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في الجهود المرتقبة لإعادة البناء.