يعتبر 24 سبتمبر/ ايلول يوما مهما في التاريخ النضالي البحريني من اجل النقابات. ففي هذا اليوم تحققت الامنية التي عمل من اجلها آباؤنا واجدادنا منذ الثلاثينات، ف منذ اكتشاف النفط في مطلع الثلاثينات نمت حركة عمالية نشطة تطالب بحقها في تكوين النقابات.
ولقد كان اضراب عمال بابكو في 1938 أول اضراب من نوعه في الخليج، ذلك الاضراب قمعته السلطات، واعتمدت سياسة توظيف الاجانب للتخلص من الحركة العمالية، وكاد اتحاد عمال البحرين أن يُعترف به ويزاول عمله في الخمسينات لولا إعلان حالة الطوارئ في ديسمبر 1956، ومنذ ذلك الحين قاومت الحكومة كل المحاولات لتأسيس نقابة.
وعندما اعلن الاستقلال وبدأت الحياة الدستورية صعّد العمال حركتهم، إلا أن الحكومة رفضت قيام النقابات واستفادت من حل البرلمان في 1975 لتؤسس لها تنظيما عمّاليا فشل طوال سنواته في الحصول على اي اعتراف دولي او عربي، لأن التنظيم العمالي كان فاقدا للمقومات والضوابط والصلاحيات المعترف بها دوليا.
لقد كانت كلمة «نقابة» واحدة من الكلمات المحرم ذكرها في الاعلام، وكان الشخص الذي يتفوه بها يعرّض نفسه للاعتقال والاهانة والفصل من العمل والحرمان من الحقوق المدنية الاخرى.
اما في 24 سبتمبر/ايلول فقد كان رأس الهرم السياسي ممثلا في عظمة الملك، يستقبل القيادات العمالية ليدشن عهدا جديدا في تاريخ البلاد يعتمد الضوابط الدولية المعترف بها والتي ستمكّن الاتحاد العام لنقابات العمال من الحصول على العضوية في الاتحادات العربية والدولية.
والنقابات التي ستتأسّس في الشركات ستكون شبيهة بالنموذج المعتمد في كثير من الدول التي تعتمد التنظيمات النقابية على اساس وجود «نقابة في كل شركة»، وهذا ربما افضل من النموذج البريطاني القائم على اساس وجود «نقابة لكل مهنة»، وعلى هذا الاساس يكون للكهربائيين، مثلا، نقابة وللمحامين نقابة، الخ... النقابات على اساس الشركة تعطي قوة اكبر للعمال على مستوى الشركة، بينما الاسلوب الآخر يعطي قوة اكبر للعمال على المستوى الوطني العام. إلا ان الاخير معقد التنظيم والقرارات تخرج عن نطاق الشركة بسرعة.
تواجه النقابات العمالية تحديات كبيرة في البحرين، ومن تلك التحديات ان النقابات لا تعترف بالتمييز في الوظائف، فالعامل سواء كان مواطنا ام اجنبيا له حقوق ثابتة ما دام يعمل ويخدم اقتصاد البلاد، وسوف تنظر المؤسسات النقابية الدولية للنقابات البحرينية من خلال هذا المنظار. فالحركة النقابية الدولية وقفت مع عمال البحرين حتى حصلوا على حقهم، والآن سينظرون إلى طريقة تعامل هذه النقابات مع العمال الوافدين.
ان هذا المبدأ الانساني (اي الدفاع عن العمال بغض النظر عن جنسيتهم) هو احد الاسس التي قامت عليها الحركة العمالية منذ القرن التاسع عشر، والقيادات العمالية سيضاف لها هذا الاهتمام بحكم الضوابط الدولية.
وفي اعتقادي أن اعطاء الحقوق للعامل الوافد سوف يقلل من الفساد المستشري الذي يستجلب الاجانب لضرب حقوق المواطن، فاذا علم الذين يستوردون الايدي العاملة، بأن هذه الايدي لها حقوق وأن النقابات ستدافع عنها، فانهم سيفكرون كثيرا قبل استغلالها لضرب المواطن بها.
ومن جانب آخر فإن الحركة النقابية تتحمل جزءا من تأليب اصحاب النفوذ والحكومة عليها في مطلع السبعينات. فلقد انتشرت الاضرابات في مطلع السبعينات إلى الدرجة التي شلّت الاقتصاد، وكانت تلك الاضرابات تحدث لأصغر الاسباب. وعلى رغم مشروعية الاضراب، إلا ان استخدامه بكثرة آنذاك اعطى انطباعا بأن «النقابات تعني الاضرابات». والواقع ان «النقابات» تعني استحصال الحقوق عبر الحوار والتفاوض بين العمال واصحاب العمل، وان هذا الحوار والتفاوض لا يتطور الى الاضراب إلا في الحالات القصوى فقط.
لدينا التاريخ النضالي الطويل، ولدينا الخبرات النقابية المتطورة، ولدينا الدعم من القيادة السياسية، وما علينا إلا ان نثبت جدارتنا امام انفسنا وامام العالم
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 20 - الأربعاء 25 سبتمبر 2002م الموافق 18 رجب 1423هـ