استضاف منتدى الثلثاء الثقافي في ثاني ندواته الأسبوعية لموسمه الثقافي السابع عشر، الباحثة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ملاك عابد للحديث حول "أبحاث الجينوم والأمراض السرطانية والوراثية" وذلك مساء الثلثاء (25 أكتوبر/ تشرين الأول 2016).
وضمن الفعاليات المصاحبة للندوة شاركت الفنانة ليلى الهاشم بإقامة معرض فني لأعمالها حيث تحدثت عن تجربتها الفنية، كما عرف المهندس عبد الحميد الحاجي بمركز جينوم للتقنية الحيوية والهندسة الوراثية.
أدارت الندوة رائدة السبع التي تحدثت عن تطور قراءة الجينات البشرية باعتباره أحد طموحات الإنسانية في القرن العشرين، حيث أن ذلك سيمكن من التنبؤ بمعدلات الإصابة بأمراض بعينها. ووصفت المحاضرة بأنها طبيبة وعالمة وباحثة ورائدة أعمال وأنها قصة نجاح الفتاة السعودية. تخرجت من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ودرست وعملت في أبرز الجامعات الأمريكية في تخصصات علم الأمراض الاكلينيكية والتشريحية والعصبية، وحاليا تعمل كعضو هيئة تدريس محاضر في كلية الطب بجامعة هارفرد، وطبيبة استشارية في مدينة الملك فهد الطبية، واستاذ بحث مساعد في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية.
وقبل بدء المحاضرة حديثها، ألقت عضو اللجنة المنظمة بالمنتدى هدى القصاب كلمة ترحيبية حيث فيها المحاضرة وجهودها وانجازاتها العلمية، مشيرة الى اهتمام المنتدى بتناول المواضيع العلمية في ندواته المختلفة. وبدأت ملاك عابد محاضرتها باستعراض تاريخي للأبحاث العلمية المتعلقة بتطور علم الجينات منذ اكتشاف الحمض النووي الحلزوني في منتصف القرن الماضي تبلور مشروع الجينوم البشري عام 2003م، مرورا بطرق قراءة الحمض النووي واكتشاف الجينات المثبطة للأورام.
وواصلت حديثها العلمي بأن العلماء استطاعوا منذ سنوات فحص بعض الجينات واكتشاف الطفرات فيها المرتبطة بالأمراض مثل الأنيميا المنجلية الذي يصيب نخاع الدم أو مرض التكيس الحويصلي الذي يصيب الرئة والبنكرياس، وأوضحت أنه خلال السنتين الماضيتين أصبح بإمكان العلماء فحص كامل الشفرة الجينية للشخص – تعرف بالجينوم وهي كامل المادة الوراثية في الخلية – عن طريق قراءة تسلسل الحمض النووي لجميع الجينات (عشرون ألف جين) دفعة واحدة. وأضافت أن قراءة تسلسل الحمض النووي هي مثل قراءة كتاب حرفا حرفا لاكتشاف أي خطأ إملائي، وأن عملية التدقيق الإملائي للشفرة الجينية للإنسان تشمل قراءة الكروموسومات وهي قطع وعصيات صغيرة داخل نواة الخلية وعددها 46 كروموسوم تكون على شكل أزواج.
وبينت عابد أن الحمض النووي (DNA) يشبه السلم الحلزوني وأنه يتكون من شريطين متوازيين من المادة الوراثية، وكل درجة من درجات هذا السلم مرتبطة من الجهتين بأحد الأحماض النووية الأربعة المشهورة (A,T,C,G)، كما أن ترابط هذه الأحماض النووية وترتيبها بشكل تسلسلي ثابت يعرف بتسلسل الحمض النووي، وحسب هذا الترتيب الثابت والتغيرات التي فيه بين فرد وآخر هي التي تعطي التميز بين البشر. وقالت إن ما يزيد على 99% من المادة النووية بين البشر متطابقة والفروق البسيطة فقط هي التي تعطي هذا التميز فيعض هذه الفروق قد تسبب مرضا ما أو قابلية للإصابة بمرض.
وأضافت الباحثة ملاك عابد أن الكروموسومات تحتوي على أنواع مختلفة من الجينات، وأن العلماء يعلمون مثلا أن الكروموسوم رقم واحد يحتوي الجين الذي يعطي قابلية وراثية للإصابة بالملاريا، بينما الكروموسوم رقم 16 يحتوي على الجين الذي يؤثر على لون الشعر.
وشرحت المحاضرة طريقة قراءة تسلس الحمض النووي لأي شخص من خلال أخذ عينة من الدم بحجم ملعقة شاي أو عينة من اللعاب ثم يضاف عليها مواد كيميائية لتكسير جدار الخلية وعزل المادة الوراثية، وبعد معالجتها عبر إذابة البروتينات من حولها عن طريق بعض الانزيمات يتم ادخال هذه العينة الصغيرة في جهاز معقد لقراءة 3 بلايين حرف من حروف الشفرة الوراثية داخل الحمض النووي.
انتقلت ملاك للحديث عن مشروع الجينوم السعودي، حيث أوضحت أن هدفه تحقيق طفرة في نستقبل الرعاية الصحية بالمملكة من خلال العمل على رسم خرائط الجينوم البشري وتكوين قاعدة بيانات للحمض النووي ليستخدمها العلماء في مختلف الأغراض. وأوضحت أن المشروع أطلق عام 2013م ويستمر لمدة خمس سنوات في مرحلته الأولى بهدف رسم خرائط الرموز الوراثية لآلاف السعوديين لتحديد التغيرات الجينية الطبيعية والتغيرات التي تسبب الأمراض ومحاولة تطوير وسائل الوقاية منها وعلاجها، وكذلك زيادة المعرفة بأسباب الأمراض الوراثية، مثل أمراض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان.
وتناولت المحاضرة في حديثها موضوع الفحص الوراثي معتبرة إياه خطوة مهمة في تشخيص الأمراض الوراثية حيث تبنى برنامج الجينوم السعودي فكرة "المندليوم السعودي" وتقوم على فحص الموروثات الخاصة بأعراض مرضية معينة في خطوة واحدة، وقد وثقت النتائج المنشورة أن هناك 400 طفرة وراثية جديدة في الأمراض الوراثية المختلفة ستضاف للاختبارات التشخيصية الروتينية وهذا فيه اثراء لقاعدة المعلومات الطبية محليا وعالميا. واكتشف الأطباء بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض أن واحدا من كل ألف طفل حديث الولادة بالسعودية مصاب بمرض وراثي مقابل واحد من كل ثمانية آلاف طفل في اليابان، وتعتبر السعودية من أكثر دول العالم في الأمراض الوراثية والسبب هو زواج الأقارب حيث أظهرت آخر الإحصائيات أم زواج الأقارب مثل 63% من مجمل أعداد الزواج.
طرح الحضور العديد من الأسئلة والمداخلات التي أجابت عليها الباحثة ملاك عابد بالتفصيل، فتساءل علي الحرز عن إمكانية القضاء على الأمراض مستقبلا عند اكمال العلماء معرفتهم بالخريطة الجينية، كما طرح الدكتور محمد رضا بوحليقة تساؤلات حول مشروع الجينوم السعودي ومدى شموليته وتغطيته مختلف مناطق المملكة. وناقش فاضل العماني موضوع الموقف الذكوري السلبي من إنجازات المرأة العالمة في السعودية، وعن إمكانية التعديل في السلوكيات والأخلاقيات من خلال علوم الجينوم، وأثار المحامي جاسم العطية البعد القانوني في إجراء الاختبارات الجينية على الأشخاص لأسباب مختلفة حيث أوضحت المحاضرة أن موافقة الأفراد تعتبر حقا مشروعا عند القيام بإجراء أي فحص مهما كان نوعه.
وطرح أحمد الخميس تساؤلاً عن إمكانية تسبب بعض الفيروسات في نشوء السرطان لدى الإنسان، كما ناقش فؤاد الجشي إمكانية تعديل القدرات البشرية ونتائجها، وعلق الأستاذ محمد اليوسف على العلاج الموجه ومدى فاعليته في علاج السرطان مؤكدا على ضرورة عمل الفحص الطبي الشامل قبل الزواج لتقليل الإصابة بالأمراض الوراثية. وتناولت الأستاذة منى نور الدين موضوع التحليل الوراثي على الجنين وخطوات العلاج في حال اكتشاف مرض وراثي ما، وتساءلت عن تطبيقات النانو في علاج أمراض السرطان في المملكة.
وأكد محمد الشيوخ في مداخلته على أهمية فرض فحوصات جديدة وشاملة للأمراض الوراثية قبل الزواج للحد من أمراض زواج الأقارب، كما أوضح الأستاذ محمد المسكين على محاولته للتنسيق مع جامعة هارفارد لفتح مراكز لها في المملكة بالتعاون مع شركة أرامكو السعودية.