منذ عدة أيام أضعت طريق عودتي من جزيرة أمواج بعد حضوري مؤتمراً هناك، حيث الإشارات لم تكن واضحة حين خروجي منها للتوجه إلى طريق المطار، ووجدتني أضيع في مساحاتٍ شاسعة من الشوارع الفارهة، وبين عماراتٍ وأرصفةٍ تحاذي البحر الجميل، وشعرت بعد عدة كيلومترات من السياقة، وكأنني قد سافرت إلى بلادٍ أخرى جميلة مُبهرة ونظيفة؛ ولكنها خالية من السكان والبشر!
إلى أن وصلت إلى نقطة حاجز وأبواب كبيرة، وفرحت حينها بأنني وجدت من أسأله سبيلي للعودة إلى المطار على الأقل كي أتعرف الطريق لعودتي إلى منزلي!
وبعدما أرشدني لطريق العودة، وحينها مازال لدي شوط كبير من الكيلومترات لأقطعه بعد «اليوتيرن»، سألته ما هذا الصرح الجميل، وأجاب بأنها ديار المحرق الجديدة، ومازالت تحت الإنشاء، فرحت لأن بلادي تتوسع بهذا الجمال، وتساءلت حينها هل نحن مستعدون لكل هذه التوسعة؟! وهل تتواكب أجهزتنا من المرورية أو المسئولة عن المواد الاستهلاكية والصحية والثقافية والتعليمية والكهربائية والبلديات... الخ من الوزارات المعنية في شئون المواطنين؟ وهل التوسعة تزيد من أعداد الموظفين المُشرفين في الأماكن الخاصة للرقابة على ما يدور من فتح المحلات والمتاجر والمستشفيات والمطاعم... الخ وتُعدهم إعداداً جيداً (up graded) كي يمكنهم من التواكب مع التوسعة في مساحة البحرين، والتي ازدادت بما يقارب الـ 30 في المئة، وملأنا البلاد بالأجانب ومن دون الانتباه لخطورة ذلك على المدى البعيد على أرزاقنا وبيوتنا، ولكنني ما أره أننا مازلنا في معظم قنواتنا الرقابية، كما هي قبل التوسعة، مما يُعرض بلادنا إلى أزماتٍ للإشراف والمتابعة في معظم ما ذكرت.
وأبسط مثالٍ على ذلك هو كثرة المطاعم والمقاهي التي بالكاد تقدم طعاماً يؤكل، وتعتمد على الأرخص من مواد غذائية ربحية وأصنافٍ ليست جيدة، وبأسعارٍ ليست رخيصة، كما وانقلب الطب والأطباء مع المستشفيات السياحية إلى إعلانات عن كل قطع الغيار للجسد، من كشوفات وتحليلات ومنافسة شديدة من الوافدين للربح السريع، ولم نعد نعرف أين ذهب الأطباء العصاميون من أهل البلاد والذين دخلوا الطب كشرفٍ للمهنة وخدمةٍ للإنسانية، وليس للتجارة وجمع الأموال!
لأن جمع الأموال، لم يكن في قائمة دارسي الطب، وأن من يريد المال عليه أن يدرس التجارة، ويكون «بيزنس مان»؛ ولكنه لن يحظى أبداً بشرف اسم الطبيب الطاهر لخدمة الإنسان والبشرية؛ ولكن كل شيء قد تغير، وأصبح المال هو الحلقة التي تُجمع عليه البشر بغض النظر عما يمارسون أو درسوه، وأصبح بعض المحامين يأخذون نسبة على القضايا المرفوعة بغض النظر عن الغلط أو الصح كي تمشي مصالحهم المادية، وأصبح جلب عاملات المنازل صفقة تجارية تزيد عن الألف دينار، وأضحكني أحدهم حينما قال هذا مهر عروسٍ وليس عاملة منزل!، والحكومة ساكتة وراضية والكل يعبث بمقدراتنا ويضع القوانين التي تناسبه وأشياء أخرى كثيرة!
أين هي الجهات الرسمية كي تُنِقب وترصد ما يحدث، وهل هنالك قنوات للشكوى للمتضررين وأين جمعية حماية المستهلك؟! أم أن التوسعة قد التهمت كل الأوقات، ولم نتمكن من أن نرتفع بخدماتنا، ونتواصل مع التشديد على مراقبة ما يحدث، وعمت الفوضى والتهم الأجانب معظم النواحي العملية والفاعلة في البلاد وحرَّفوا فيها كما يشاءون ونحن نساهم في إهمالنا للأعصاب الأساسية في مداخل حياتنا بالتوسعة العمرانية، ومن دون أن يواكبها الضبط والربط في التفاصيل الدقيقة، والتي قد تضر البلاد وتُدخلنا في نفقٍ خطير من معظم ما نتعامل معه، حيث نسقط رويداً في قاع المدنية الحديثة مع تقدم عمراني، ولكن مع سقوط إنساني ومجتمعي واستهلاكي! علنا نتدارك أمورنا قبل فوات الأوان، وأن ننتبه لكل التفاصيل التي قد تبدو صغيرة؛ ولكنها في غاية الأهمية على المدى الطويل.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 5174 - السبت 05 نوفمبر 2016م الموافق 05 صفر 1438هـ
تمام والله
كلام شيق وجميل وموجع ببراءة وقوه في الكلام الله يسمع منج وينتبه الغافلون
لو نظرنا للتوسع و المشاريع الجديدة كثيرا مما يعطي وجة حضاري للبحرين ولكن كم نسبة البحرنة في هدا التوسع والنمو الاقتصادي؟ شكرا استاذتي علي هذا المقال وحفظ اللة البحرين لاهلها
السلام عليكم أستاذة سهيلة آل صقر
نشكر لك هذا الموضوع المهم و لكنك لو عنّيت نفسكِ مشقة البجث عن تاريخ المنطقة لرأيتِ إن الساحل الجميل قتل الساحل الأجمل و إن المشكلة التي تحدثتي عنها هي مشكلة مزمنة لو ساقتك الأقدار لداخل الدير و سماهيج. نشكر لك هذا الموضوع الشيّق و نشكر الوسط، و أرجو أن تبحثي في تاريخ و تاريخ جغرافيا المكان الذي قادتك الأقدار إليه، لتتحفينا بموضوع يتحدث عن أصل المشكلة و عن قتل الساحل الخرافي و تاريخه العريق