العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ

مازن شيراباياني: ابهرتني قوة أطفال اليزيدين فأوصلت قضيتهم للعالم في فيلم "ذياب"

فاز الفيلم بجائزة أفضل وثائقي قصير بمهرجان الشارقة للطفل

لا تقرر الكوارث مستقبل البشر، أي مصير أسود يحيق بالفرد يمكن أن يفتح أفقا جديدا على مستقبل أفضل. ما يقرر ذلك هو الزاوية التي يقف منها الأفراد من مصائرهم. الصبي الكردي اليزيدي ذياب، البالغ من العمر 12 عاماً، يقدم دليلا حيا على صحة ذلك. هذا الفتى الذي يعيش في مخيم "أرباط" للاجئين بعد هجمات تنظيم داعش على قريته في جبال "سنجار"، يحلم بأن يصبح مخرجاً وراوي قصص يحكي للعالم معاناة شعبه.

ولا يتوقف ذياب عند فكرة الحلم تلك، لكنه يحولها لواقع مسرحي ودرامي أو ربما لعب هادف مع أقرانه في المخيم. وفي الذكرى الأولى للإبادة الجماعية لقريته والقرى المحيطة، يخطط ذياب أن يترجم الحلم واقعاً حين يقرر تقديم عرض مسرحي ينقل الفاجعة التي حلت بقريته، على أمل أن يشاهدها العالم بأسره.

يتحول حلمه حقيقة، ويصل فيلمه إلى رواد كثير من المهرجانات في جميع أنحاء العالم، يأتي ذلك على يد مخرج بريطاني (من أصل كردي) هومازن شيراباياني، ليأخذه إلى العالم بأسره، عارضا إياه في مهرجانات سينمائية مختلفة حاصدا به الجوائز والتكريمات، والأهم ناقلا عبره قصة ذياب، قريته، اليزيديين، والإرهاب وضحاياه.

شيراباياني جاء بالفيلم أخيرا ليعرضه من خلال مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل الذي أقيمت دورته الرابعة في الفترة 23-28 اكتوبر/ تشرين الأول 2016، لينال ذلك الفيلم اعجاب جميع زوار المهرجان ولينال جائزة المهرجان لأفضل فيلم وثائقي قصير.

"الوسط" التقت شيراباياني على هامش فوزه الأخير، ليدور الحوار التالي:

 

  • كيف وصلت إلى قصة ذيابالذي يريد أن يقدم مسرحية ينقل من خلالها واقع اليزيدين إلى العالم. هل هي قصة حقيقية أم تم الترتيب لها بغرض تقديمها في فيلم وثائقي؟

كلا، لم يتم الترتيب لتقديم القصة، فأنا أعيش في لندن، وأردت أن أقدم فيلم وثائقي عن معاناة الأطفال في الشرق الأوسط خصوصا في المناطق التي وصل إليها تنظيم داعش، وذلك بمناسبة مرور الذكرى السنوية الأولى لحملات داعش الإرهابية على قرى اليزيديين. كنت أسعى لتقديم صورة ايجابية عن هؤلاء الأطفال ولعرض المحن التي مروا بها. بحثت طويلا عن فكرة جيدة لفعل ذلك، لكن الأمر كان صعبا جداً، حتى انتهى بي المطاف يوماً إلى مخيمات اللاجئين. وجدت المئات من المخيمات وكان علي ان اختار من بينها، بالصدفة كان مخيم "أرباط" من بينها، وهناك وحين استقصيت احوال الأطفال، أخبرني أحدهم عن صبي اسمه ذياب يقوم بتأليف الأفلام والمسرحيات. حين التقيت ذياب، وسمعت بقصته، وكيف يكتب ويخرج المسرحيات ويدير الممثلين وعن رغبته في ايصال صوته للعالم، قررت مساعدة هذا الطفل وتصوير ما يفعله واصدقائه في المخيم وايصاله للعالم. استغرقت عملية التجهيز والاعداد للتصوير ووضع فكرة الفيلم الوثائقي وكذلك الحصول على التراخيص، فترة تصل الى الستة شهور.  الفكرة كانت تتغير باستمرار، كان الأمر صعباً بالنسبة لي، لأنني أريد أن قادم صورة ايجابية لتجربة هذا الطفل وهي تجربة قاسية، كما إن هناك الكثير من الأمور غير المتوقعة فنحن لا نعرف إن كنا سنتمكن من العودة للمخيم في اليوم التالي أم لا، إذ قد يتم إزالته ويمكن للأمور أن تتغير في أي لحظة، ولكننا اصررنا على اتمام الأمر بأسرع ما يمكن.

بعدها قررت أن أصور ما يفعله ذياب وألا أتدخل في الأمر. شغلت الكاميرا واختفيت لأترك ذياب وأصدقائه يفعلون ما يريدون. لم أتحكم فيهم، على العكس كان ذياب هو من يتحكم بي في هذه المرحلة إذ كنت اتحرك معه هو وأصدقائه. تدخلي لم يأتي إلا في مرحلة ما بعد التصوير حين بدأت في السيطرة على العمل وبناء الفيلم وتطوير القصة وتقديم الفيلم الوثائقي بالشكل الذي أريده.

 

 

  • فهل كان ذياب قادراًحقاً على التحكم بكل العناصر الموجودة من ممثلين وهم أصدقائه في المخيم، وحتى مسيطرا على التفاصيل التي يريد نقلها للعالم؟

نعم، أولا هؤلاء الأطفال معتادون على هذا الأمر فهم يلعبون معا ويرتبون المسرح والمكان والأغاني والقصائد التي يكتبونها بأنفسهم. أعمارهم لا تتجاوز الأثني عشر عاما ولكنهم رتبوا كل شيء بطريقة مذهلة. أما ذياب فأعتقد أنهعبقري فهو يتحكم بكل شيء ويسيطر على الوضع بأكمله ويساعد باقي الأطفال،وهم جميعا يتصرفون على أساس أن هذا الأمر هو علاج نفسي لهم وأظن أنه علاج ناجع. عند ما التقيتهم وشاهدت ما لديهم وجدت أنني محظوظ جداً فلدي مادة خام لفيلم وثائقي، وكل ما علي فعله كمخرج هو أن أحضر الكاميرا ثم اختفي. اختفيت في البداية ولكن حين ظهرت لم يكترث الأطفال لوجودي، فهم معتادون على الكاميرا وعلى وجود الآخرين، ولذا فإن أداءهم كان عفويا جدا. لقد أصبح لديهم خبرة.

 

  • هل مرت بك لحظات مؤلمة أثناء التصوير مع هؤلاء الأطفال، وكيف أثر موقفك المتعاطف ذاك على عملية التوثيق؟

كل اللحظات كانت مؤلمة، كنت أبكي أثناء التصوير حين أسمعهم يتحدثون عن ضياع مستقبلهم وحين أرى أنهم لا يملكون أي شيئ في ذلك المخيم. الأمر مؤثر جدا فأنت تتحدث عن أطفال فقدوا عوائلهم، وبعضهم شاهدوا كيف تسبي امهاتهم و اخواتهم ويؤخذوا كعبيد. هؤلاء الأطفال مروا بمصاعب كثيرة ظلوا لأسابيع طويلة على الجبال في البرد القارس وليس لديهم شيئا ليأكلوه.

هذه المجموعة التي يقودها ذياب وعددهم 15-20 طفل، لا يتجاوز عمر اكبرهم 12 عاماً، وتسمعهم يتحدثون عن ضياع مستقبلهم وعن ضرورة اعتنائهم بالأجيال القادمة. لذلك أردت تقديم الدعم لهم بتحقيق رغبتهم في رواية قصتهم وتقديمها في فيلم. وفي الحقيقة لم ألتق مسبقاً بأطفال على هذه الدرجة من القوة رغم كل ما مروا به من أمور تراجيدية. كنت أرى في أعينهم الكثير من الحزن لكنهم لا يستسلمون ويريدون أن يرووا قصتهم. أنا الآن اشعر بالمسئولية لفعل شيئ أكبر لهم. ما يعنيني الآن هو مستقبلهم إذا بقوا في هذه المخيمات. أعرف أنهم أقوياء لكن إلى متى سيظلون قادرين على الصمود. هل لا يزال ذياب يزال راغبا في صنع الأفلام، وهل لا يزال هؤلاء الأطفال في المخيم، وما الذي حدث للمخيم. عاطفيا... الأمر متعب، ولكنه في نفس الوقت جعلني قويا وراغبا في أن أفعل شيئا لهم.

 

  • كيف تعتقد أنه يمكن للأفلام الوثائقية أن تقدم دعما لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين مع معرفة حقيقة ظروف المعيشة فيها؟

السبب الرئيسي الذيجعلني راغبا في صنع هذا الفيلم هو وجود هذا السؤال في ذهني، كيف يمكنني تقديم صورة أفضل للأطفال اللاجئين. هؤلاء كانت لديهم حياتهم، وفجأة جاءت الحروب وجاء الدمار وفقدوا كل شيء، وأصبحوا ينعتون باللاجئين أو المهاجرين أو أي أوصاف سلبية. هؤلاء يستحقون ان يتم الإعتراف بهم كبشر قبل اي شيء اخر. يستحقون أن يحصلوا على مستقبل أفضل وعلى طفولة أكثر سعادة. هذه مسئوليتنا جميعا، لذا وجدت أن أفضل ما يمكنني فعله هو أن أقدمهم بشكل ايجابي، وليس أفضل من الفن في عمل ذلك. هؤلاء الاطفال لا يعرف عنهم احد، والعالم بحاجة لأن يحمل وعيا كافيا بقضاياهم، وتتكفل  هذه الأفلام الوثائقية بعمل ذلك. ذياب الذي كان يعيش حياة ميسورة قبل أن يتم الهجوم على قريته، يستحق أن يكون قادرا في يوم ما على صنع افلامه ورواية قصصه للعالم. لم لا؟!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:36 م

      معاناة الأطفال وصراخهم جراء الجوع والعطش تملأ الجبال بلا حولٍ ولا قوة..
      ذياب حالة من بين آلاف الحالات..
      أتمنى أن تصل رسالتهم إلى العالم كله..

اقرأ ايضاً