العدد 5174 - السبت 05 نوفمبر 2016م الموافق 05 صفر 1438هـ

التغير المناخي يهدد نظام الواحات الطبيعية في المغرب

الريصاني (المغرب)- أ ف ب 

تحديث: 12 مايو 2017

يتحدث عبد الرحمن، ابن قرية الريصاني في جنوب شرق المغرب، بحسرة عن جفاف جزء كبير من الواحات المهددة بالاختفاء في منطقته بسبب التغيرات المناخية، ويقول "من حكم عليه بالبقاء هنا فهو يعيش ظروف الهشاشة والفقر".
على بعد أقل من كيلومتر من القرية الصغيرة التي تأسست فيها الدولة العلوية في 1631 وفيها ضريح المؤسس، جد الملك المغربي الحالي، تتراءى للوافد مئات من أعجاز نخل خاوية وقد نخرها الجفاف والمرض، بينما تشققت الأراضي وجفت مجاري المياه نتيجة تقدم رمال الصحراء في اتجاه القرية منذ 1980.
بالنسبة لعبد الرحمن أحميداني (37 سنة) الذي نشأ في هذه القرية ويعمل فيها موظفا، فقد "عرفت المنطقة بالفلاحة كنشاط أول عبر التاريخ، وتلاحقت عليها فترات طويلة من الجفاف أشدها تلك التي انطلقت في أواخر الثمانينات، شهدت المنطقة على إثرها هجرة ونزوحا كبيرين أفقداها القوة العاملة، فتحول النشاط الفلاحي تدريجيا إلى نشاط غير منتج".
ويضيف عبد الرحمن بأسف متأملا مساحات شاسعة صارت جرداء بعدما كانت تكسوها أشجار النخيل والخضرة في صباه "أصبح النشاط الاقتصادي جد متقلص"، مشيرا الى ان المساحة المزروعة "لم تعد تكفي إلا للزراعة المعيشية التي أصبحت لا تلبي الحاجات المتزايدة للمواطن".
ويصف الموقع الرسمي للاتفاقية الدولية للمناطق الرطبة الموقعة في رامسار (إيران) سنة 1971 والخاصة بتشجيع المحافظة والاستغلال الرشيد للمناطق الرطبة في العالم، واحات تافيلات المغربية الممتدة على 65 ألف كيلومتر، بأنها محطة رئيسية للطيور المهاجرة ومنها نوعان مهددان بالانقراض.
وبحسب الموقع نفسه، شكلت هذه الواحات لقرون درعا منيعا أمام التصحر، لكنها عانت خلال العقود الأخيرة جفافا حادا وانخفاضا في منسوب المياه الجوفية، إضافة إلى سوء ادارة المياه السطحية وتزايد العمران وعدد السكان.
وساهمت التغيرات المناخية العالمية في تغير دورة تساقط الأمطار التي صارت في أغلبها رعدية في مناطق الواحات المغربية، ما أدى خلال الأعوام الماضية الى فيضانات خلفت ضحايا في الأرواح والمزروعات.

الاستثمار لإحياء الواحة

ولمجابهة هذه التغييرات في منطقة تافيلات، يعمل حسن صادوق منذ أكثر من 15 سنة، باستثمار شخصي، على استصلاح سبعة هكتارات اشتراها قرب مدينة أرفود (20 كيلومترا شمال الريصاني)، وصارت اليوم تنتج تمرا.
ويقول حسن لوكالة فرانس برس "حالة الأرض كانت تقريبا قاحلة والفلاحة فيها كانت صعبة"، مضيفا "الأراضي كانت بيضاء (اراض بور تزرع للمرة الاولى) والحراثة فيها صعبة، لكن نظرا لأهمية المشروع (...)، قررت خوض التحدي والاستثمار في منتج ذي مردود مادي قوي".
ويباع ما ينتجه من تمر بخمسة يورو للكيلوغرام الواحد، وقد تنتج الشجرة الواحدة قرابة مئة كيلوغرام حسب التساقطات، وقد يتضاعف الثمن في السوق.
واختار حسن الطريقة التقليدية للاعتناء بمزرعته المكونة من 1800 نخلة مثمرة، مع استعمال السماد الطبيعي والري التقليدي، بعيدا عن الاستهلاك غير الرشيد للمياه. وساهم هذا النهج الزراعي الى جانب عوامل اخرى، بجعل واحات تافيلات تقاوم لقرون في جو صحراوي حار.
وتشكل أشجار النخيل التي يفوق عدد أنواعها الـ450 في المنطقة، العمود الفقري للاقتصاد المحلي وتساهم في الدخل السنوي للمزارع بحوالى 20 إلى 60 في المئة حسب المواسم، إضافة الى توفير عدد لا يستهان به من فرص العمل.

إنقاذ إرث إنساني

لكن المبادرات المحدودة غير قادرة على إنقاذ واحات المغرب.
وصنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) تافيلات ضمن الشبكة العالمية لمحميات المحيط الحيوي.
وتعمل الرباط مع اليونيسكو منذ أكثر من سنة لإدراج الواحات المغربية ضمن لائحة التراث الإنساني نظرا لغناها البشري والتاريخي والجيولوجي والثقافي الذي يحتضنه النظام البيئي الطبيعي المهدد مستقبلا بالاختفاء.
ويحذر مدير التطوير في "الوكالة الوطنية لتنمية المناطق الواحية وشجر الأركان" التابعة لوزارة الزراعة المغربية علي أوبرهو من "احتمال اختفاء الواحات إن لم نتدخل".
وبحسب دراسة صادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، ستشهد الواحات المغربية بحلول 2050 ارتفاعا في درجات الحرارة ما بين 1 و3 و2 درجات. ومع نهاية القرن، قد تؤدي التغيرات المناخية إلى اختفاء هذه الواحات نهائيا.
ووفق أرقام الوكالة المغربية الخاصة بتنمية الواحات، فإن عدد أشجار النخيل المثمرة في المغرب تراجع خلال 100 عام من 15 مليونا إلى 4.8 ملايين نخلة (حوالى الثلثين)، ولم تعد الواحات تشكل سوى 30 في المئة من مساحة المغرب ويقطنها 15 في المئة من المغاربة (34 مليونا).
وأقر المغرب خلال السنوات الأخيرة، برامج وطنية واخرى بالتعاون منذ 2007 مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتأهيل الواحات ومحاربة الفقر، لكن هذه الجهودات تبقى غير كافية.
ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول 2016، اجتمع أكثر من 3000 شخص من دول العالم في الملتقى الدولي للواحات بتونس من أجل البحث عن سبل حماية الواحات وإنقاذها وإيجاد التمويل الكفيل بذلك. واعلن المغرب عقب الاجتماع مبادرة تحمل اسم "الواحة المستدامة"، سيتم طرحها في مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين المرتقب اطلاقه الاثنين المقبل في مراكش.
وتقوم هذه المبادرة على "الاعتراف بالطابع الفريد للواحات وهشاشتها" ثم "العمل على الحفاظ على إرث الواحات البيئي والإنساني" إضافة إلى "الاستثمار في أعمال التنمية الضامنة للاستمرار الاقتصادي للواحة".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً