النظافة العامة من القضايا الأكثر حضوراً في الحوار الاجتماعي ضمن المناسبات التي لها بعد مجتمعي، كما هو عليه الواقع في مناسبة عاشوراء التي شهدنا وقائع حوادثها وهي متطابقة في المضمون والمظهر مع ثقافة السلوك الاجتماعي في رمضان، وكان لهذه القضية حضورها في المجالس الرمضانية التي قمنا بزيارتها في أيام الشهر الفضيل، وخصوصا في قرية باربار التي شهدت حواراً نقدياً للممارسات الخاطئة في العلاقة مع نظافة المكان، إذ اعتبره الكثير من المتحاورين «بيتنا المشترك» ينبغي الالتزام في الحفاظ على نظافته والامتناع عن ممارسة السلوك الخاطئ الذي يتسبب في تلويثه، وتكوين بيئة غير صالحة لمعيشة المجتمع، والإضرار بمصالح السكان النفسية والصحية والبيئية، ورافق ذلك الحوار جدلاً متداخلاً في جوهر مضامينه في شأن الطرق المنهجية لمعالجة قضايا السلوك البشري، وكان لوجودنا في المجالس الرمضانية فرصة مهمة لمعالجة هذه القضايا، وتشخيص محددات الممارسات الخاطئة التي هي موجودة في الأصل في الانشطة الاجتماعية، وتتصاعد وتائرها في أيام شهر رمضان، إذ وجِهت إلينا أسئلة متنوعة ركزت بشكل مباشر بشأن معالجات مقالاتنا لقضايا السلوك البشري والتنمية المستدامة، وتساءل رواد هذه المجالس في مدى جدوى المعالجات التي نتناولها وفوائدها، والتشكيك في إمكانية إحداث أثر ايجابي في تحسين السلوك البيئي للمجتمع، وتعزيز ثقافة الالتزام بقواعد النظافة العامة.
الجار قبل الدار، مقولة قالها في سياق الحوار أحد الحضور في مجلس رمضاني، أثارت نقاشاً بين الحضور بشأن سلوك بعض الجيران في تفريغ مياه الغسيل في الطرقات العامة وإلقاء أحد الجيران مخلفات الأطعمة، وتنظيف مركباتهم ورمي ما بها من مخلفات بجوار منزلهم، بتحد وعناد دون اكتراث للتوجيهات والملاحظات والنصائح التي لم تجد نفعاً، مبيناً ان ممارسات الجيران غير القويمة، لم تكن معروفة للجيران، وصارت عادة مؤذية لجميع الجيران في الحي، إذ يمارسون هذا السلوك دون اكتراث لحقوق الجار المؤكدة في مبادئ ديننا الاسلامي الحنيف، وفي تجاوز صريح لقواعد القانون والنظام والالتزامات القانونية بشأن الحفاظ على نظافة المحيط البيئي للانسان.
القيم الرمضانية مادة مهمة للحوار في المجلس الرمضاني، واعتبر البعض أن من أولويات تلك القيم التي هي ظاهرة متأصلة في الثقافة المجتمعية، بناء علاقة متينة مع الجار والحرص في عدم القيام بالممارسات الخاطئة والضارة بحقوق الجار، كما هو واقع الحال في شأن الأنشطة التي تتسبب في الإضرار بالاستقرار النفسي والصحي، كالضوضاء ورمي المخلفات في الممرات المشتركة للجيران، وفي سياق ذلك وجه سؤال: هل العبادة تقتصر على الصيام والقيام وأداء الفرائض، أم أن الابتعاد عن الممارسات التي تتسب في إيذاء الإنسان والحرص في الحفاظ على محيط بيئي سليم صالح للمعيشة هي أيضاً تدخل ضمن الواجبات الضرورية للقيم الرمضانية؟
قضايا النظافة العامة كانت محط حوار مع أحد الناشطين البيئيين، إذ أبدى انزعاجه في ما يشهده من عدم الالتزام بقواعد النظافة، وتتمثل في ظاهرة رمي المخلفات المنزلية بطريقة عشوائية في الطرقات، وإلقاء بقايا الأطعمة ومخلفات المطاعم ونفايات الحظائر في الأماكن البعيدة عن أعين الرقابة بالقرب من المواقع السكنية والمزارع، عندما يحل الظلام مبيناً الجهد المتواصل لجهة الاختصاص في إزالة المخلفات التي سرعان ما تعود الحالة السيئة في المكان ذاته إلى سابق عهدها.
البعض يرى أن إلقاء المخلفات المنزلية في الطرقات والأزقة، ورمي بقايا الأطعمة والعلب الفارغة وأوراق المحارم من المركبات في الشوارع، وبالقرب من المنازل لايشكل تعدياً على الحق الفردي واﻻجتماعي، بيد أننا نرى أن التسبب في التأثير السلبي على صحة الإنسان ومحيطه البيئي، والتعدي على الحق الفردي والاجتماعي، تقرره المصلحة المجتمعية قبل أن تقره قواعد القانون.
الثابت أن الممارسات التي تتسبب في تلويث بيئة المكان، وإحداث الضوضاء المؤذية للإنسان في تعارض فعلي مع القيم الاسلامية، التي تشدد على الالتزام بقواعد الحفاظ على نظافة المحيط البيئي للإنسان، وعدم الإضرار بالمصالح المجتمعية والعيش في بيئة سليمة خالية من المخاطر، كما أنها تتعارض شكلاً ومضموناً مع محددات مفاصل قواعد التشريع الوطني في الشأن البيئي المحددة فيقواعد المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 1996 بشأن البيئة، إذ يؤكد في المادة «17» على أن «يلتزم جميع الأشخاص والمشروعات، عند مباشرة الأنشطة الإنتاجية أو الخدمية أو غيرها، وخاصة عند تشغيل الآلات والمعدات والمرآبات واستخدام آلات التنبيه ومكبرات الصوت، بعدم تجاوز الحدود المسموح بها لشدة الصوت وفق ما يقرره جهاز البيئة» كما أن المــادة (18) تشدد على أنه «يحظر على الأشخاص والمشروعات المختلفة، حفظ المخلفات أو التخلص منها، بأية طريقة لا تتماشى مع النظم والمعايير والأساليب التي يضعها جهاز البيئة».
المشرع البحريني تعزيزاً للإجراءات القانونية الموجهة لصون الحق الاجتماعي العيش في بيئة آمنة، ضَمن قانون المرور رقم (23) لسنة 2014 بالقواعد القانونية التي تحقق ذلك الغرض وشدد في المادة (39) على أنه؛ يجوز للإدارة سحب رخصة القيادة إدارياً لمدة لا تقل عن 30 يوماً ولا تزيد على 60 يوماً إذا ارتكب قائد المركبة فعلاً من الأفعال وفق ما هو محدد في الفقرة (17) من المادة في حالة «تسيير مركبة في الطريق العام تصدر منها أصوات مزعجة، أو ينبعث منها دخان كثيف، أو رائحة كريهة، أو يتطاير من حمولتها أو تسيل منها مواد قابلة للاشتعال أو مضرة بالصحة أو مؤثرة على صلاحية الطريق للمرور، أو يتساقط من حمولتها أشياء تشكل خطراً على مستعملي الطريق العام أو تؤذيهم». وفرض في الفقرة «7» من المادة «45» على المخالف لهذه الأحكام غرامة مالية من 20 الى 100 دينار، ومن الملاحظ على رغم وجود القانون، كثيراً ما نشاهد سائقي المركبات يرمون مخلفاتهم من المركبات والبصق في الطريق العام دون اعتبار للقيم الأخلاقية ومراعاة لحقوق الأفراد.
القانون صريح في ما يحدده من قواعد المنع والزجر، بيد أن تلك القواعد في حاجة إلى تعميم، وتكوين ثقافة مجتمعية بشأنها، وتشديد الرقابة على الالتزام بمحدداتها ويتحمل المسئولية في إنجاز أهداف ذلك، القطاعات الرقابية والمؤسسية والاجتماعية بمختلف أطيافها ووظائفها المهنية.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5172 - الخميس 03 نوفمبر 2016م الموافق 03 صفر 1438هـ