في بعض الأحيان يكون الأصدقاء الإخوة في العالم أكثر قرباً والتصاقاً واهتماماً وقضاء وقت فيما بينهم، مقارنة بقرب والتصاق واهتمام وقضاء الإخوة الأصدقاء، والأخوات الصديقات أوقاتهم معاً. وقيمة ذلك الوقت الذي يتم قضاؤه.
في ما هو أعلاه ما يشير أيضاً إلى قدرة أحدنا على إحداث توازن في تلك العلاقات. أن لا تخسر أخاً بسبب صديق وأن لا تخسر صديقاً بسبب أخ. يبدو الأمر مربكاً بالنسبة إلى بعضهم. كيف يمكن أن توازن في علاقاتك وبوعي وانتباه لأهمية صديق وعدم قدرتك على التبرؤ من أخ والعكس. تلك معادلة غائبة، ويكاد التعامل معها يتم بشيء من السذاجة والعصبية حيناً آخر، وقليل من التروّي في الأمر.
لا تتعلق المسألة بأحقية وأولوية أي طرف في الاهتمام والمراعاة وتعميق العلاقة. الأخ يظل في لب الاهتمام والمركز بالفطرة. لكن تلك الفطرة يمكن لها أن تنفرط وتنحرف، والشواهد في دنيانا لا تعدّ ولا تحصى، وليس آخرها ما حدث من جريمة بشعة في بلادنا قبل أيام، حين أقْدم أخ على قتل أخيه. وهنا لابد أن يصاب الإنسان بجنون التساؤل: ما الذي دفع أخاً لقتل أخيه؟ بغضّ النظر عن الخلاف مهما كانت درجته وأسبابه. نتحدث هنا عن أخ وليس شخصاً تطفل أو طارئاً على حياتك وعمد إلى إهانتك او استفزازك. ومهما كانت الأسباب، من المفترض أن الانسان السويّ تتوالد لديه مراجعات وحسابات قبل الإقدام على عمل أقل شناعة وليس عملاً هو الأصل من الشناعة والقبح والجريمة. نتكلم هنا عن الدم وحرمته بغضّ النظر عن قرب أو بعد الشخص عن موضوع الخلاف.
قتل الأخ لأخيه تاريخ قديم قِدَم ما بعد هبوط أبينا آدم من الجنة. والشيطان يظل دائماً كامناً في التفاصيل.
هو الشيطان نفسه الذي لا يأتيك وأنت مُحاط بالنور، بقدر ما يأتيك وأنت محاصر بالظُلْمة. والغضب يتجاوز الظُلْمة في درجات سوادها. قد لا تصل الأمور الى قتل أخ لأخيه، إذ تمر الخلافات في بمراحل من النكد والبغضاء والحقد والحسد والجهل أحياناً، يتمنى فيها أحدهما لو أنه كان خارج سياق هذه الحياة لفرط تعقيدها وتأزمها.
تظل الخلافات قائمة وسوء الفهم قائماً والنفور ملازماً في بعض العلاقات بين الإخوة . كل ذلك يسهم إسهاماً مباشراً في التعويض والحرص على علاقات تنشأ بين الأصدقاء، والعمل على تعميقها وإطالة أمدها.
ليس ذلك اكتشافاً، فالنفوذ من الشاذ في الأخلاق والأمزجة والسلوكيات أمر طبيعي، ولا يقتصر مثل ذلك الشذوذ على الغرباء بل هو في البيئة الواحدة والبيت الواحد.
كتابة مثل هذه لا تستفز أحداً ولا تسعى إلى نقض جراح، ولا تفكر في إشارتها إلى غلبة أي من العلاقتين بقدر ما تتلمس علاقات طبيعية وعميقة في الوقت نفسه بين البشر جميعاً. لا تحرّض على الإخوة انحيازاً إلى الأصدقاء ولا تحرّض على الأصدقاء انحيازاً الى الإخوة. هي كتابة منحازة لاستواء حياة الإنسان عموماً في علاقاته مع محيطه، وتعميق تلك العلاقة دون تمييز في القرابة والصلة والأرحام بقدر ما هو انفتاح على الجنس البشري وما يرتبط به أيضاً، وإن كانت الأولوية للأخ الذي يتحول إلى صديق، وذلك هو الذي يكاد يكون مُفتقداً في كثير من بيوتنا، ما يدفع الى حضور الصديق الأخ بإلحاح كي يُحدث توازناً في الكثير من تفاصيل حياتنا.
التحدي الأكبر بين البشر: أن يحققوا معادلة الأخ الصديق والصديق الأخ.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 5171 - الأربعاء 02 نوفمبر 2016م الموافق 02 صفر 1438هـ