العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ

ملف حول البيئة في فلسطين «1»

تتميز فلسطين على صغر مساحتها بتنوع فريد في الطقس والتضاريس الطبيعية ففيها المناخ الساحلي بمناطق الساحل والمناخ شبه الاستوائي في غور الأردن والمناخ الجبلي في جبال وتلال الضفة الغربية والمناخ الصحراوي في صحراء النقب.

نتج عن ذلك تنوع حيوي غني جدا إذ بلغ عدد أنواع النباتات البرية في فلسطين نحو 2384 من بينها نحو 140 صنفا تعد فلسطين موطنها الوحيد على الكرة الارضية.

كما توجد 6 أنواع من البرمائيات و 93 نوعا من الزواحف و 95 نوعا من الثدييات و 470 نوعا من الطيور. وتمر بسماء فلسطين سنويا ملايين الطيور خلال هجرتها من الشمال إلى الجنوب. وقد فقدت فلسطين أنواعا وأعدادا كبيرة من حيواناتها وكائناتها الفطرية على مر السنين بسبب الأوضاع السياسية السيئة التي مرت بها ويمكن تلخيص الأسباب في أربعة بنود رئيسية:

1- آليات الاحتلال العسكرية الثقيلة منها خصوصا حيث تؤدي إلى تدهور التربة وتدمير الغطاء النباتي.

2- تدمير الغابات بهدف الإنشاءات العمرانية وخصوصا المستوطنات الصهيونية فضلا عن قطع أشجار الغابات بهدف التحول إلى زراعات أخرى يفرضها السوق الإسرائيلي.

3- استنزاف وتلويث مخزون المياه الجوفية وتناقص مساحة الأراضي المروية.

4- الرعي الجائر والذي قاد إلى تصحر الاراضي التي تمركز فيها الرعي نتيجة إغلاق مساحات رعوية كبيرة كمناطق عسكرية.

استعراض لبعض المناطق المهمة للتنوع الحيوي في فلسطين:

منطقة غابات وأحراش أم الريحان

هي محمية طبيعية تقع في منطقة شبه ساحلية بمحافظة جنين، مساحتها 25 كم مربعا، نظامها البيئي يمثل غابات البحر المتوسط.

موقع المحمية قريب من الخط الاخضر الفاصل بين الاراضي الفلسطينية المحتلة 1948، 1967. وكثافة الغابات الاصلية في المنطقة تصل إلى 3000 دونم. فيما تعتبر الثروة الحرجية بهذه المنطقة إحدى الركائز الاساسية للتنوع الحيوي في فلسطين كما انها تملك قيمة تراثية وتاريخية عالية. من أهم اشجار المنطقة: السنديان والكنيا والبطم الفلسطيني والقيقب والاجاص البري والزعرور والسويد والقندول والسريس والبرزة والنتش والبلان والوسج واللبيد. ومن أهم الطيور التي تعبر المنطقة طائر اللقلق الابيض والذي تم تسجيل 2000 منه في ربيع 1999، وصقر الحوام والرخمة المصرية. كما أن طائر حميق طويل الساق يقيم ويتكاثر في غابات وأحراش أم الريحان كم تم سابقا تسجيل وجود طائر العويسق في جنين ويحتمل وجوده في أم الريحان.

من المؤثرات السلبية على هذه المنطقة المميزة بيئيا وجود المستعمرات الاسرائيلية في منطقة قريبة منها بل إن بعض هذه المستعمرات بنيت على أرض المحمية نفسها. هذا بالاضافة إلى الرعي الجائر وقطع الاشجار والتلوث بالنفايات ما يهدد المحمية.

(هذه المعلومات مستقاة من دراسة انتهت في 1999)

منطقة وادي القلط

محمية طبيعية تقع ضمن محافظة القدس نظامها البيئي يمثل الاغوار والصحراء وهي منطقة رطبة وواحة خضراء واقعة على ارض تحف بها الجبال الشاهقة وتحتضنها عيون ماء على مدار العام وتعد من روائع الطبيعة في فلسطين.

تعيش في وادي القلط أنواع عديدة من الطيور المقيمة مثل العصفور الدوري البلدي والدوري الاسباني، والشحرور، والطائر الوطني عصفور الشمس الفلسطيني، والحجل الصحراوي، والبلبل أصفر العجز، والبومة النسرية، وعقاب بونيللي، والقبرة المتوجة، وأبو قردان. ومن الطيور المهددة عالميا الموجودة في وادي القلط النسر الاسمر حيث يعيش في مجموعات تقارب عشرة آلاف طائر، وطائر الزقزاق، وطائر اللقلق الابيض المهاجر والذي يعبر منه نحو خمسة آلاف طائر سنويا على وداي القلط وبصحبته صقر العسل والذي تصل أعداده إلى نحو ثلاثة آلاف طائر.

توجد كذلك غزلان جبلية وذئاب وحيوان الوبر الصخري في وادي القلط الذي تنتشر فيه عشرات النباتات البرية الدائمة كالاشجار الموسمية والاعشاب البرية الصغيرة وخصوصا في فصل الربيع ومنها نباتات القنفذية، بصل العفريت، الاقحوان، كزبرة البئر، الطحالب الخضراء، السدر، الثوم البري والسوسن شبه المنقرض ومن اشجار الوادي الحمضيات والنخيل والموز.

الأرض

سعى الاحتلال منذ اللحظات الاولى لوجوده للاستيلاء على اكبر مساحة من الاراضي واستمرت السياسة ذاتها التي لم تتوقف فتمت مصادرة الكثير من اراضي الضفة الغربية والقطاع بحجج من اهمها إقامة المستوطنات اليهودية، الطرق الالتفافية، المناطق المغلقة ونقاط الامن بل ان مصطلحات المحميات الطبيعية والمناطق الخضراء تعني مجرد مراحل انتقالية للاراضي التي يحولها المحتل إلى مستعمرات.

المستوطنات

لعل ما يلفت النظر أن المستوطنات الاسرائيلية غالبا ما تقام أعلى التلال والمرتفعات المشرفة على التجمعات البشرية للفلسطينيين. هذا الموقع يتيح للمستوطنين الصهاينة فرصة لسرقة المياه قبل وصولها للفلسطينيين او تلويثها، كما يتيح لهم الفرصة لكب نفاياتهم على القرى الفلسطينية.

في حين تقام المستوطنات على اخصب الاراضي الزراعية في المناطق الفلسطينية فمن مجموع المستوطنات في الضفة الغربية هناك 25 مستوطنة إسرائيلية تصنف على أنها مستوطنات زراعية، اما في غزة فهناك 12 من اصل 19، وفي حوض نهر الاردن هناك 40 مستوطنة 17 منها مستوطنات زراعية.

تقام المناطق العسكرية والمناطق المغلقة في المناطق الرعوية، ما يؤدي إلى حرمان الرعاة من مناطق شاسعة للرعي وحصر الرعي لديهم على مساحة صغيرة من الارض ما يسبب الرعي المتواصل فيها إلى تصحرها.

كما أقامت الدولة الغاصبة الكثير من الطرق لربط المستوطنات بعضها بعضا وبإسرائيل وبذلك قطعت اوصال الاراضي الفلسطينية ووحدتها الجغرافية، وبسبب هذه الطرق اقتلع العدو الغاصب الكثير من الاشجار ودمر الكثير من الاراضي الزراعية والحرجية. وبالتأكيد يحظر استخدام هذه الطرق على الفلسطينيين.

المياه

تتوافر في فلسطين من مصدرين اساسيين؛ المياه السطحية متمثلة في نهر الاردن والسيول، ومياه جوفية في قطاع غزة عبر الخزان الساحلي وفي الضفة الغربية خزان الجبل الذي ينقسم إلى الحوض الغربي والحوض الشمالي والحوض الشرقي. والمياه الجوفية بشكل عام متصلة ببعضها بعضا بصورة كبيرة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والكيان الصهيوني، فالحوض الرئيسي للمياه في الضفة الغربية هو خزان الجبل كما يوجد في الضفة الغربية 297 ينبوعا، يعتبر 114 منها ينابيع معقولة يزيد معدل تدفقها عن 0,1 لتر في الثانية في حين يقل الباقي عن ذلك، او تكون موسمية (تتدفق في فصل الشتاء). كما يوجد العديد من الآبار يتركز معظمها في شمال الضفة في مناطق طولكرم وجنين وقلقيلية تستخدم 328 من اصل 370 بئرا فيها لاغراض الزراعة.

يشكل خزان الجبل محور نظام المياه الجوفية فهو متصل بنهر الاردن عن طريق الحوض الشمالي الشرقي والحوض الشرقي بينما يتصل بخزان الساحل في قطاع غزة من ناحية الغرب. الا أن المياه الفلسطينية سواء كانت جوفية أو سطحية ينفرد الاسرائيليون بامتلاكها ما أدى إلى انتشار آبارهم في كل جانب وفي اعماق كبيرة لتضخ المياه الفلسطينية للاسرائيليين في المستوطنات أو داخل الكيان الغاصب. في المقابل يعاني الانسان الفلسطيني شتى أنواع العذاب والهوان فالوديان والعيون إما جففت أو سممت أو حولت مساراتها لتخدم الاسرائيلي وحده.

مع أن هذه المياه تصنف على انها مياه دولية (كل من المياه السطحية والجوفية) اي تخضع للسيادة المشتركة والاستخدام المتبادل. لكن اسرائيل التي تعترف بهذا المبدأ لا تطبقه فعلى سبيل المثال اسرائيل تستخدم ما نسبته 85 - 90 في المئة من المياه الجوفية في فلسطين، وهي تستخدم مياه نهر الاردن وتحرم الفلسطينيين من استخدام قطرة واحدة من مياهه فهي تسحب 643 مليون متر مكعب منه اي ما يساوي نصف تصريف النهر المقدر بحوالي 1287 مليون متر مكعب في السنة ويسحب الاردن 720 مليون متر مكعب في حين ان خطة جونسون اعطت للاسرائيليين 429 مليون متر مكعب في السنة، والفلسطينيين 215 مليون متر مكعب والاردن 720 مليون متر مكعب.

هي مسألة رباط ازلي لا جدال فيه ففقدان احدها يؤدي إلى فقدان الآخر واسرائيل تسعى للاحتفاظ بجزء مهم من اراضي الضفة الغربية الموازي للحدود الغربية للضفة الغربية من اجل استخراج المياه من الجزء السفلي لمجرى نهر الأردن كما ان هذه الأراضي الزراعية تصنف ضمن افضل اراضي الضفة الغربية ملاءمة للزراعة. فإذا كان توافر المياه هو القاعدة المحركة لجميع انواع التطور والنمو فقد عمل الاسرائيليون على حرمان الفلسطينيين من حقوقهم المائية بهدف طردهم من اراضيهم ولحصر تطورهم ونموهم وكان ذلك واضحا من تصريحات مسئوليهم «إن اسرائيل ستستمر في السيطرة على مصادر المياه في الضفة الغربية على اي كميات اضافية من المياه اكثر مما يحصلون عليه اليوم».

لذلك يقوم الكيان الصهيوني بصيد المياه عبر آبار على الحدود الشرقية لمحافظة غزة وبذلك يستنزف خزان الساحل، هذه الآبار تكون على اعماق كبيرة حتى تسهل عملية استنزاف المياه. كما قامت اسرائيل بعرقلة نشاط البلديات الفلسطينية فهناك 150 تجمعا فلسطينيا في الضفة الغربية غير مرتبط، وجعلت ملكية مصادر المياه إلى الحكم العسكري لتعقيد الامور فلم تجدِ اي من اتفاقات السلام في اعطاء الفلسطينيين حصتهم من المياه ما نتج عنه قيام سوق سوداء فشركة «ميكروت» تبيع 5 ملايين متر مكعب من مياه قطاع غزة إلى سكان غزة بأسعار مرتفعة ومتزايدة (10 -20 مليون شيكل). اما عن المياه السطحية الاخرى فبخلاف نهر الاردن يقوم الاسرائيليون ببناء السدود الصغيرة لمنع وصول مياه السيول إلى الفلسطينيين في حين يحظر على الفلسطينيين إقامة السدود.

النبات

حرصت السلطة الصهيونية على تدمير بيارات الحمضيات بطرق مباشرة تتمثل في القطع والتدمير والتجريف والاستيلاء على الاراضي، وبطرق غير مباشرة تمثلت في ضرب اسعار بيع المحاصيل عبر تضييق الخناق على الفلسطينيين فلا يستطيعون تصديرها للخارج وخفض أسعار بيعها في الداخل بحيث يرى المزارع الفلسطيني ان ما يجنيه لا يغطي كلفة الانتاج، وسنوات سُجّل فيها أن البرتقال لم يتم جمعه وبقي في الاشجار نتيجة هذا الحصار الارهابي المنظم.

في الوقت الذي شجع فيه الاحتلال التحول إلى زراعات أخرى في معظمها ملوثة ومدمرة للتربة كالقرنفل والتوت والطماطم والتي يستهلك الدونم الواحد المزروع منها نحو 7 كجم من المبيدات الحشرية و 50 كجم من بروميد الميثيل و 80 كجم بلاستيك زراعي و 1800 كوب من المياه العذبة.

ووفق الدراسات الفلسطينية التي استقينا منها هذه المعلومات فإن 50 في المئة من بيارات البرتقال تمت إزالتها وإقامة زراعات ملوثة بدلا منها. وفي قطاع غزة لم يبق من 900 الف دونم من بيارات البرتقال العام 1967 إلا 43 ألفا.

وفقا لوزارة الزراعة الفلسطينية (1999) فإن مساحة الاراضي الفلسطينية المعرفة كمحميات طبيعية او غابات تقلصت بين العامين 1971 و 1999 في قطاع غزة من 42000 دونم إلى 4000 دونم وفي الضفة الغربية من 300736 دونما إلى 231586 دونما. أي ان غزة فقدت 95 في المئة من غاباتها.

ويتم تدمير الغابات والمحاصيل الزراعية من قبل الاحتلال بعدة وسائل منها رش الاشجار بالطائرات كما حدث للمزروعات في اراضي قرية «تر مسعيا» في محافظة رام الله بتاريخ 4/9/1999 حيث قام مستوطنو (شيل) باستخدام الطائرات ورش الاشجار بمبيدات اعشاب مركزة ما ادى إلى تلف واحتراق مساحات واسعة من المزروعات والاراضي الفلسطينية الزراعية لتلك القرية. وهذا الارهاب ضد النبات تكرر في مناطق اخرى مثل اراضي وكروم العنب في محافظة الخليل، فضلا عن استخدام المياه العادمة من المستعمرات الصهيونية وتصريفها باتجاه المحاصيل الزراعية في القرى الفلسطينية مثل محاصيل قرية «بنت أمر» التي تقع بين جبلين وتحدها المستعمرات الصهيونية من الاتجاهين والتي كانت تشتهر بالعنب إلى جانب محاصيل الخليل المعروفة.

المياه العادمة

تنحصر المشكلة في جانبين؛ الاول افتقار القرى والمدن الفلسطينية إلى الطرق السليمة لتصريف مياه المجاري والمياه العادمة، والثاني استخدام الاحتلال الصهيوني القرى والمدن والاراضي الفلسطينية كوجهة لتصريف مياهه العادمة ومياه المجاري الناتجة من المستعمرات المحاذية للتجمعات الفلسطينية.

الجانب الاول تعود اسبابه بالدرجة الاولى إلى عدم وجود وحدة جغرافية تساعد على إقامة بنية تحتية سليمة لتصريف المجاري والمياه العادمة بسبب حرص الكيان الصهيوني على عزل وتقسيم الاراضي الفلسطينية، يضاف إلى ذلك وضع السلطات الصهيونية العراقيل امام الجهات الفلسطينية المختصة عندما تحاول نقل هذه المياه إلى اماكن بعيدة عن الاحياء السكانية وخزانات المياه الجوفية إذ كثيرا ما يتم امرها بالعودة بها إلى داخل القرى لذلك فلن يكون مستغربا أن نعلم بأن 61 في المئة من الأسر الفلسطينية لديها حفرة امتصاصية تستخدمها لتصريف هذه المياه (وفقا لإحصاءات دائرة الإحصاء المركزية - فلسطين).

الجانب الثاني يعكس بجلاء صورة العداء والهمجية الصهيونية تجاه الانسان الفلسطيني.

يلاحظ بجلاء انسياب المياه العادمة من الاحياء والتجمعات السكانية الفلسطينية والمستوطنات الاسرائيلية في الضفة والقطاع عبر الوديان في جداول ومجارٍ مكشوفة، ما يسيء إلى صحة الانسان والحيوان والمنظر العام وينتج روائح كريهة فضلا عن إمكانات تلويث التربة والمياه الجوفية.

ومن الامثلة على ذلك تلوث مياه منطقة دير البلح من المخلفات الناجمة عن مستعمرة كفار داروم، فقد ضخت سلطات الاحتلال كميات كبيرة من المياه تقدر بحوالي 3,5 مليون متر مكعب، ما ادى إلى تدمير الزراعة والمساكن ومزارع الدواجن والمواشي والصناعات وغرق جميع الاراضي الزراعية المحيطة، فضلا عن مخاوف من وصول الملوثات إلى المياه الجوفية.

النفايات الخطرة

تقوم إسرائيل بعمليات تهريب روتينية وعرضية للمواد الخطرة إلى الاراضي الفلسطينية فهي تستخدم اكثر من مليون طن من المواد الخطرة سنويا وبتركيزات عالية في المناطق الصناعية في خليج حيفا، رامات حوفاف، بيتاج، اسدود. كما تقيم المصانع الاكثر خطورة بمحاذاة الحدود مع الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد قامت اسرائيل باغلاق الكثير من المصانع داخل اسرائيل بسبب ما ينتج عنها من ملوثات ونفايات قامت بتحويلها إلى حدودها مع اراضي السلطة الفلسطينية. بعض هذه المصانع يتم تشغيلها وفقا لاتجاه الرياح. كما يتم دفن النفايات الصلبة الناتجة من المستوطنات الاسرائيلية في مكب نفايات قرية عزرن بالقرب من قلقيلية مشكلة بذلك مصدرا خطيرا لتلويث الهواء والارض والماء. وهذه ليست حالة استثنائية فالمستوطنات الصناعية التي تنتج نفايات خطرة تقوم بالعمل ذاته في المناطق الفلسطينية سواء كان في الوديان أو في الكثبان الرملية التي ادت بدورها إلى تلويث البيئة.

هذه المواد السامة جدا تكون عملية التخلص منها باهظة التكاليف، اما الاضرار التي تسببها للتربة أو حين تدخل إلى السلسلة الغذائية للانسان من خلال المحاصيل الزراعية فهي كبيرة جدا اذ من المتوقع ان تزداد نسبة حالات الاصابة بأمراض الكبد والكلى والسرطان. اما النفايات الطبية الخطرة فيتم التخلص منها في الضفة الغربية حرقا في الهواء الطلق ما يلوث الهواء بالعناصر الثقيلة كالزئبق والرصاص وبعض المخلفات الصلبة تنتهي إلى المكبات العامة على الاراضي الفلسطينية وحتى المحرقتان الحديثتان اللتان زودت بهما المناطق الفلسطينية (أريحا ونابلس) تفتقران إلى منقٍّ للهواء ما يضر بسكان المناطق المجاورة.

المصانع والتلويث الصناعي

يوجد في محافظات الضفة الغربية أكثر من 200 مصنع معظم صناعاتها ملوثة.

تتنوع خطوط عملها بين إنتاج المبيدات الحشرية وصناعة البطاريات والغاز والالمنيوم والجلود والمطاط والمنظفات الكيماوية والاسمنت فضلا عن المصانع التي تعمل بصورة سرية او جلية في مجالات الصناعات العسكرية. ينتج عن هذه المصانع نحو 18 إلى 40 ألف مترمكعب من المياه العادمة والتي تحوي الكثير من المواد السامة كالالمنيوم والزنك والرصاص والكرومسيوم والنيكل فضلا عن تلويث الارض ومصادر المياه الفلسطينية بشكل مباشر من جراء تصريف هذه المياه إلى الوديان والاراضي الزراعية الفلسطينية.

وتشير المصادر الفلسطينية إلى أن نفايات المصانع الخطرة كثيرا ما يتم التخلص منها عبر دفنها في الاراضي الفلسطينية. كذلك فإن المصانع التي ينتج عنها تلوث خطر للهواء تعمل حسب اتجاه الرياح نحو الاراضي الفلسطينية. ومن امثلة هذه الصناعات التي تمارس قريبا من التجمعات الفلسطينية وتؤثر سلبيا على البيئة صناعة المحاجر والكسارات التي تزود إسرائيل بنحو 80 في المئة من احتياجات قطاع البناء لديها لتسد حاجة البناء الاستيطاني بالدرجة الاولى على حساب الاراضي الفلسطينية المقامة عليها الكسارات والتي تتسبب في تدهور هذه الاراضي بيئيا بصورة خطيرة والقضاء على المناطق الزراعية والرعوية الطبيعية، ما يهدد الحياة الفطرية والتنوع الحيوي كذلك، فضلا عن تسبب الغبار الناتج من التكسير في مشكلات صحية للفلسطينيين من اهمها الازمات والالتهابات الشعبية الحادة والتلوث الضوضائي.

سرقة الرمال الفلسطينية

قام الاحتلال الصهيوني وبشكل متواصل بسرقة كميات كبيرة من الرمال الفلسطينية تقدر بـ 70000 كوب سنويا من الرمال النظيفة و 12000 كوب سنويا من الطين الاحمر وتستخدم هذه الرمال لاعمال البناء ورصف الطرق في كل من المستوطنات والاراضي الاسرائيلية كما يصدر جزء منه للخارج. ينتج عن هذه العملية تدمير كبير للبيئة ففي المناطق الحرشية شمال بيت لاهيا ادت سرقة الرمال إلى تدمير البيئة الحرشية التي كانت في شمال قطاع غزة، ما ادى إلى فقدان مصائد مياه الامطار التي تزود بها المخزون المائي الجوفي بالاضافة إلى تشويه المناظر الجمالية لتلك الكثبان الرملية، ما ساعد على تدمير عوامل التنوع البيولوجي لتلك الكثبان الرملية فانقرضت الاشجار والاعشاب والطيور والزواحف وما يزيد الامر سوءا ان الصهاينة يعمدون إلى إلقاء المخلفات والنفايات في المناطق المكشوفة بعد سرقة الرمال، ولا يتوقف الامر عند هذا الحد فهذه المناطق ونتيجة للتجريف وسرقة الرمال يكون خزان المياه الجوفي مكشوفا او شبه مكشوف مما يسهل عملية تلويثه.

تلوث الهواء

تتركز اسباب تلوث الهواء في فلسطين بشكل رئيسي على التلوث المترتب عن المصانع المقامة في المناطق الفلسطينية لا سيما التي اقامتها في «اسرائيل» فتم نقلها إلى محافظات الضفة الغربية وغزة، فعلى سبيل المثال يوجد دخان اسود كثيف وسحب حمضية فوق منطقة طولكرم مترتبة عن مصنع شاحف للفيبرجلاس في طولكرم.

وصناعة قلع الاحجار والكسارات ينتج عنها غبار متطاير، ويلاحظ معاناة فلسطينيي المناطق القريبة من الكسارات من الالتهابات الشعبية الحادة والازمات بمعدلات عالية.

فمثلا مقالع الحجارة في الخليل المقامة بجوار المناطق الفلسطينية المأهولة بالسكان ينتج عنها غبار على مدار الساعة. يضاف إلى ذلك ظاهرة تشغيل المصانع وفقا لاتجاه الرياح اذ تشغل فقط عندما يكون اتجاه الريح نحو المناطق الفلسطينية.

كما يقوم المحتل الغاصب بحرق النفايات الطبية في أماكن مكشوفة وفي محارق لا تحوي منقيا للهواء ما يطلق مواد ملوثة إلى الهواء مثل العناصر الثقيلة كالرصاص والزئبق.

وكما تتسبب الآلات العسكرية الاسرائيلية في تلويث الجو، تتسبب المركبات الفلسطينية من غير قصد في تلويثه، فالمعروف ان وسائل النقل تلوث الجو بدرجات تزداد مع طول فترة استعمال الناقلة، كما تساهم الطرق التي تنقل عليها في زيادة او نقصان الملوثات المنطلقة إلى الجو.

آليات التفجير والتدمير وما تلحقه من تلويث لم تترجم إلى ارقام ايضا، ونتذكر ان الغطاء النباتي الكثيف والذي يمثل في مثل هذه الاوضاع مخفضا للتلويث، تم العبث به وتدمير اجزاء كبيرة منه. كل ذلك مضاف اليه اخطار التلوث الاشعاعي من المفاعلات النووية الاسرائيلية او المصانع العاملة على الطاقة النووية او النفايات الخطرة.

التلوث الإشعاعي

تمت إثارة التلوث النووي في المنطقة المحيطة بمفاعل ديمونه النووي عن طريق تقارير لتلفزيون النهار الاسرائيلي والسفير في 27 مارس/آذار 1996. يفيد بحدوث تسرب في المستوعبات المستخدمة في المخلفات النووية المطمورة في المنطقة القريبة من المفاعل كما أثارت مخاوف من تلوث المياه الجوفية في المنطقة، كان رد الفعل العالمي متحفظا. اما الحكومة الاسرائيلية فقد نفت وجود أي تلوث او تسرب وانه لا يوجد أي خطر بسبب تدابير الوقاية والسلامة العالية.

بالتركيز قليلا على مفاعل ديمونه نعرف انه بني بين العامين 1957 - 1964 تحت صحراء النقب جنوبي فلسطين المحتلة. ما يعني ان عمره الافتراضي قارب على نهايته، ما يعرضه للانهيار خصوصا انه صمم بتقنية قديمة، اما الفضلات والمخلفات المشعة فإنها تغمس في القار وتعبأ في اسطوانات داخل مباني المفاعل ثم تؤخذ إلى اماكن غير معروفة.

ففي دراسة شركة كمكنترول الدنمركية والبنك الدولي تفيد ان هناك حوالي 52 ألف طن من نفايات المصانع السامة والبالغة 100 ألف طن العام 1990 لم يكن بإمكان «اسرائيل» تحديد مكان التخلص منها، بينما تخلصت فقط من 48 الف طن في الاماكن الرسمية المخصصة لذلك، هذا ربما يعطي فكرة بسيطة عمَّا يحدث في ديمونة ففي العام 1993 كانت هناك اخبار شبه مؤكدة عن تسرب اشعاعي إلى صحراء النقب.

وقد اكدت وزارة البيئة الفلسطينية في تقريرها ان شهادات اطباء واخصائيين عرب ومن دول اوروبية صديقة افادت ان الجرحى الفلسطينيين الذين نقلوا للعلاج في مستشفياتها كانت إصاباتهم عبارة عن تهشم في العظام او تمزق في مختلف انحاء الجسم وبرصاص غريب ذي قدرة على الاختراق والتفجير واضافت في تقريرها ان منظمة انترنشنول اكشن سنتر العاملة في اميركا اصدرت في 27 - 11 - 2000 وثيقة اكدت فيها ان «اسرائيل» تستخدم اليورانيوم ضد الانتفاضة الفلسطينية.

البيئة الصحية

وفي معرض حديثها اوضحت خولة المهندي ان وضع القطاع الصحي في الضفة الغربية وقطاع غزة يتسم بالكثير من الصعوبات والنواقص والتي من اهمها نقص عدد المراكز الصحية وضعف قدرة هذه المراكز على تلبية الاحتياجات الصحية المتنامية للسكان. مضيفة إن هذه الاوضاع مرشحة للازدياد بسبب عجز جهاز الصحة الحكومي عن تلبية الاحتياجات نظرا لقلة الموارد المادية والبشرية المتوافرة لديه، وخاصة في معظم المناطق الريفية التي تعاني من ارتفاع نسبة وفيات الاطفال حديثي الولادة، وارتفاع نسبة الامراض المعدية وخاصة الاسهال وامراض الجهاز التنفسي، واردفت المهندي قائلة: إن تدهور البيئة الصحية تدخل فيها الكثير من الاسباب منها الاوضاع البيئية السيئة، حيث لا تتوافر خدمات التخلص من النفايات الصلبة والسائلة، اذ تبين دائرة الاحصاء المركزية ان نسبة الأسر المخدومة بخدمة النفايات الصلبة في الضفة الغربية والقطاع تبلغ 69 في المئة وان نسبة الاسر التي تتخلص منها بنفسها تبلغ 26,7 في المئة والجزء الاكبر من هذه النسبة في الريف. كما ان الصناعات المتركزة عند التجمعات السكانية مثل المحاجر والكسارات تزيد من نسبة الاصابة بالامراض الصدرية مثل الازمات والالتهابات الشعبية الحادة. وكما لا يخفى مدى تأثير شح المياه وتدني جودتها إلى المتوسط او السيئ. وفوق كل هذه الامور يتطلب من الفلسطيني الذي لا يبعد المركز الصحي عن سكنه سوى 400 متر أن يقطع ما لا يقل عن 1800 متر حتى يصل إليه بسبب الطرق الالتفافية.

وفي استعراض سريع لبعض الحقائق والارقام ذكرت المهندي ان نسبة 49,1 في المئة من سكان في الضفة والقطاع تعيش على مسافة تبعد 5 كم عن اقرب مستشفى، وان نسبة 8,1 في المئة تعيش على مسافة ابعد من 5 كم عن اقرب طبيب. وان هناك 277 قرية فلسطينية في الضفة الغربية ليس لديها أية خدمات طبية.

اما عن مراكز الخدمات الصحية فتشكل المستشفيات الحكومية في الضفة تسعة منها بينما عددها في غزة خمسة مستشفيات، في حين ان عدد المستشفيات غير الحكومية في الضفة تسعة عشر مستشفى مقابل مستشفى واحد في غزة. اما العيادات التي تقدم العلاج الاولي فعددها في الضفة 384 وفي غزة سبعة اي كل مستوصف او عيادة منها يخدم في الضفة الغربية 3000 إنسان بينما تخدم 11000 انسان في غزة. اما بالنسبة إلى عدد الاسرة في المستشفيات بالنسبة إلى عدد السكان فهي 1,15 سرير لكل 1000 شخص أي أنه لكل 780 شخصا هناك سرير واحد في المستشفيات.

البيئة التعليمية

قبل الاحتلال في العام 1967 كان قطاع التعليم خاضعا للمناهج العربية فمناهج الضفة الغربية كانت تابعة للاردن بينما كانت تابعة لمصر في قطاع غزة. بعد الاحتلال اصبح جهاز التعليم خاضعا للادارة المدنية الاسرائيلية التي عملت على تفريغ المناهج الدراسية من مضمونها الوطني و طمس وإلغاء الهوية الوطنية الفلسطينية كما منعت اي تغيير او تطوير على المناهج طيلة فترة الاحتلال بل عملت جاهدة على اضعاف جميع مقومات التعليم في الضفة والقطاع من خلال اقصاء او توقيف درجات الكادر التدريسي والتربوي الوطني الجيد وفي المقابل ترقية مدرسين وكوادر غير اكفاء مهنيا على اساس اعتبارات موالاتهم. هذا بالاضافة إلى إغلاق المدارس لفترات طويلة ومتكررة، بهدف التجهيل والعقاب. هذه الممارسات اضعفت جهاز التربية والتعليم لدرجة كبيرة جدا خلال خمسة وثلاثين عاما. وحتى الآن مازال هناك تدنٍّ كبير لرواتب المعلمين في الضفة والقطاع مما يجعل النسبة العظمى من فئة المعلمين تعيش في بيئة الفقر الشديد والمتوسط.

لو تم غض الطرف عن مفاهيم العدالة الاجتماعية والاقتصادية فإن استمرار هذا الوضع على ما هو عليه سيترك آثارا سلبية مؤكدة على الحالة النوعية للبيئة التعليمية والتربوية للأجيال القادمة

العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً