في قضية الباحث الكيميائي اللبناني نبيل حبيب تتكرر محنة غاليليو، مع فارق جوهري هو ان غاليليو وجد نفسه في مواجهة جهلة، وان الدكتور حبيب يواجه علماء!. والقضية لا تزال تتفاعل منذ اكثر من سنة، وآخر فصولها قرار من مجلس شورى الدولة يمنع على الدكتور حبيب ان يقدم لمرضى السرطان دواء اخترعه وأثبتت التجربة فاعليته، قبل ان يتراجع مجلس الشورى فيصدر قراراً يلغي به القرار السابق. وبين تاريخ القرار الاول وتاريخ القرار الثاني اسبوعان امضاهما حبيب في حزم امتعته استعداداً للرحيل، وفي ترحيل بعض اجهزة مختبره إلى الولايات المتحدة. عقل عربي آخر كاد يهاجر، فيترك وراءه حديثا فقد معناه عن هجرة الأدمغة!. ولكن المرضى سدوا عليه طريق الهجرة، وأعاد إليه قرار - من وزير الصحة يجيز له تقديم الدواء للمرضى - اعتباره، وأظهرت المعطيات التي قدمها المخترع لمجلس الشورى ان المسألة جدية لا شعوذة، وانها نبتت في ميدان البحث العلمي، ونمت في تربة التجربة، ومنحت كثيراً من مرضى السرطان اللبنانيين والعرب املا، وخرجت على العالم اجمع - ربما - بإنجاز القرن الحادي والعشرين على مستوى البحث العلمي والطب. ولا مبالغة في عرض القضية. وإنما هو رجل عربي اخترع دواء شفى عدة انواع من السرطان، ويعد - بثقة - بإنجاز طبي يفوقه فعالية، سيتم انجازه بعد عام. ولو كان الرجل غربياً لبعث على الثقة عند من ناصبوا حبيب العداء، وحاصروه من كل جانب، اعلامياً وقضائيا، وحاولوا اجباره على افشاء «سر» دوائه. والمضحك المبكي ان الفترة الزمنية التي شهدت اماطة اللثام عن اختراع الباحث الكيميائي اللبناني شهدت ايضا خبراً نشرته الصحف اللبنانية من دون ان تعلق عليه أو تناقشه، عن نظرية لا سند علمياً لها قال بها اسرائيلي، وهي ان «انجع» دواء للسرطان هو تجويع المريض حتى الانهاك، وبذلك تموت الخلايا السرطانية!. آنذاك سألنا العارفين فقالوا ان النظرية باطلة لاسباب ابرزها ان التجويع حتى الانهاك يدمر الخلايا السليمة ايضا، وينهك المريض عموماً ويفقده المناعة والقدرة على المقاومة. واما حبيب فلم يطلع علينا بنظرية في فراغ... طلع علينا بدواء كيماوي ركبه في مختبره ، واطلق عليه اسم «Libanias CEDRA» (ارزة لبنان)، ومن خصائصه انه لا يسقط شعر المريض، خلافا للأدوية الكيماوية المتداولة، ولا يسبب وهناً، ويشفي. وعلى رغم ان المرضى المستفيدين من علاج حبيب رفعوا اصواتهم عبر فضائيات عربية وصحف ومجلات، ظل حبيب على موضوعيته، وردد طويلا ان «لا شيء نهائيا بعد». ولكن الهيئات الطبية في لبنان لم تمهله حتى يؤكد تأكيدا قاطعاً صحة اختراعه، ولم تقف إلى جانبه او تشجعه، بل شنت عليه حملة منظمة استندت إلى امور، اولها: ان حبيب ليس طبيبا بل كيماوي، ولذلك فليس من حقه «ان يعالج»، وثانيها ان تداول الدواء غير جائز قبل تسجيله لدى الهيئات المعنية محليا وعالمياً، وثالثها ان الدواء لا يوثق به قبل الكشف عن عناصره. في حينه رد الرجل، ومعه فريق قانوني وطبي يساعده، فقال: اولاً انا لا اتولّى معالجة المرضى بل يعالجهم اطباء سرطان متخصصون يصفون دوائي، ثم إن الادوية لا يخترعها الاطباء بل الكيميائيون، ثانياً اعددت ملفا بالانجاز لتقديمه إلى وزارة الصحة، وأدرس مع الفريق كيفية تسجيله عالمياً مع ضمان حق ملكيته وضمان هويته العربية، ثالثاً لا شيء يكفل حماية الدواء من السرقة، مادامت الحماية القائمة اليوم لا تتعدى الثمانية عشر شهراً، بعدها يجوز لاي كان ان يركب دواء شبيها به، والشواهد في هذا الميدان كثيرة. فدعونا اولا نحمي تركيبة الدواء. الاعتراض الذي كان علنيا في الصحف والمحاكم جاء من هيئات طبية: ٭ نقيب الاطباء السابق النائب غطاس خوري قال: لا يحق لاحد «معالجة مرضى السرطان بأدوية مجهولة»، و«كل علاج طبي يجب ان يأخذ ترخيصاً من وزارة الصحة أو يعطى معرفة السلطات الصحية المعنية»، ولذلك ومادامت تركيبة دواء حبيب تركيبة سرية، على وزارة الصحة «التحقيق في الأمر، خصوصاً انه ليس طبيباً» (صحيفة «السفير»: 27/6/2001). ٭ نقيب الاطباء محمود شقير تشدد في وجوب «معرفة تركيبة الدواء الذي يعطى للمريض»، ولذلك فالامر «من مسئولية الوزارة، خصوصا ان حبيب ليس طبيباً بل كيميائي» (المصدر نفسه). ٭ نقيب الصيادلة غسان الامين نفض يده من الدواء وحذر: «لا يمكننا القول إنه صالح للاستعمال، فقد يكون له آثار جانبية» (المصدر نفسه). ٭ الطبيب الجراح المتخصص بمعالجة مرضى السرطان كمال بخعازي استبعد «أن يجمع شخص واحد هذه المقدرة على الشفاء في حين تعمل المؤسسات الضخمة على معالجة الامراض السرطانية وفيها ألوف الاخصائيين والموظفين للقيام بما يقوم به وحده»، وطالب بأن يقدم حبيب ما يثبت صحة كلامه وإلا «فنحن نعتبره شعوذة من الدرجة الاولى» (المصدر نفسه). ٭ بعد ثلاثة ايام على هذه المواقف يصدر ستة رؤساء جمعيات طبية بياناً يشترطون فيه معرفة تركيبة الدواء، وهم: دعد غلمية (رئيسة الجمعية اللبنانية لاطباء التورم الخبيث)، ونزار بيطار (رئيس الجمعية اللبنانية لامراض الدم)، وفادي جعارة (رئيس الجمعية اللبنانية لطب الاورام الشعاعي)، وجورج افثيموس (رئيس الاتحاد اللبناني ضد السرطان)، ونجيب جهشان (رئيس الجمعية اللبنانية للجراحة العامة)، وناجي الصغير (رئيس الجمعية اللبنانية للطب الداخلي) (صحيفة «النهار»: 30/6/2001). وردّ حبيب على كل ذلك، واستغرب هذا الاصرار على كشف تركيبة الدواء، ودعا الجميع إلى دعمه واعداً بوضع الامور في نصابها، ولكن «دعونا أولا نحمي الاختراع، ونثبت هويته العربية». وتابع حبيب بحوثه العلمية، واعتمد في معالجة المرضى على اطباء سرطان معروفين، وركز على معالجة الحالات الميئوس منها، ولكن لجأ اليه المشرفون على الموت كما لجأ اليه المصابون بالسرطان في مراحله الاولى. واكتظت اروقة مختبره في ضاحية بيروت الشمالية بالمرضى وذويهم، يأتون اليه من مختلف المناطق اللبنانية ومن اقطار عربية عدة». وشهد مرضى تمّ لهم الشفاء، وأدلوا بشهاداتهم للصحافة، واكدوا انهم لم يصابوا بأعراض جانبية كالتي تصيب من يتعالجون بالطرق التقليدية. وكان على حبيب ان يقدم للصحافة «كشف حساب» بين وقت وآخر، فهو ليس طارئا على البحث العلمي :« انا مهندس كيميائي من خريجي المعهد العالي للهندسة الكيميائية في مدينة ليون الفرنسية»، قال لنا آنذاك. واضاف:«انا استاذ الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، استاذ مادة علم الاسلحة الخاصة في الكلية الحربية اللبنانية، ومنذ تخرجي في العام 1979 سجلت الكثير من الاكتشافات في حقل الكيمياء، ونشرت الكثير من البحوث العلمية». ويقول ان بدايات بحثه عن دواء للسرطان كانت في فرنسا «ثم انتقلت للعمل مع فريق سويسري. وفي العام 1989 رجعت إلى لبنان وعملت وحدي في مختبري». ويؤكد انه ليس وحده: «الجانب الكيماوي اتولاه وحدي، والجانب التطبيقي يعاونني فيه فريق من لبنانيين وعرب وأوروبيين». ولم يقتنع المعترضون، وتابعوا حملتهم، فيما كانت وزارة الصحة تدرس الملف... وفي 30/10/2001، وقع وزير الصحة اللبناني قرارين برقم 1147/1و1148/1، مبنيين على المراسيم المختصة، وعلى «الطلب المقدم من د. نبيل حبيب (رقم 1420) المتضمن طريقة علاجية من ابتكاره لعلاج بعض حالات السرطان»؛ لذلك «يسمح للدكتور نبيل حبيب بتطبيق طريقته العلاجية على مرضى السرطان ضمنا الشروط الآتية: أن تتم المعالجة على مسئولية صاحب الطريقة وتحت إشراف طبيب متخصص وموافقة الطبيب المعالج؛ أن يوقع المريض أو وليّ أمره تعهدا صريحاً بإجراء العلاج على مسئوليته الخاصة والكاملة؛ أن تجري جميع الأعمال العلاجية والأبحاث وفقاً لأحكام القوانين المرعية الإجراء لا سيما قانون الآداب الطبية؛ أن يزود د. نبيل حبيب وزارة الصحة العامة - مديرية العناية الطبية - بالنتائج العلمية والإحصائية للحالات المعالجة». وثارت ثائرة المعترضين، وصرَّح بعضهم في نصوص الدعوى القضائية بأن نبيل حبيب «يُلحق بهم أضراراً مالية»!. هنا بيت القصيد إذاً فالدكتور حبيب لا يتقاضى مالاً لقاء معالجة المرضى، وإن كان يناشد الميسورين والحكومات العربية أن يدعموا أبحاثه العلمية. ونتابع فصول القضية. ترفع «جمعية الاتحاد اللبناني لمكافحة السرطان» طعناً إلى مجلس شورى الدولة، تطالب فيه بإبطال قراري وزير الصحة، فكان ذلك؛ إذ صدور عن مجلس الشورى، برئاسة القاضي غالب غانم عضوية المستشارين ميريه عماطوري وألبرت سرحان قرار بتاريخ 11/7/2002، يقضي بـ «وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما» أي قراري وزير الصحية. عندئذ شرع حبيب بحزم حقائب السفر إلى الولايات المتحدة!.. ولكنه يلقى الدعم على مستويين: علميٍّ وشعبي: * في 26/8/2002، تعقد الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية اجتماعاً تتدارس فيه قرار مجلس الشورى، وتصدر بياناً تقول فيه إن نبيل حبيب «أستاذ من ألمع أساتذة الكيمياء في الجامعة اللبنانية، وهو، إلى ذلك، باحث في مجال اختصاصه تفخر الجامعة اللبنانية بانتمائه إليها»، ثم يناقش البيان حيثيات القضية من زاوية البحث العلمي وزاوية مصالح المرضى المهددين بالموت بسبب وقف دواء حبيب عنهم، وحذر من الضرر الذي ينتج عن إعاقة البحث العلمي وعن إجبار حبيب على الهجرة. شعبياً، اعتصم أمام مركز حبيب، في 6/8/2002، عدد من المرضى المستفيدين من علاجه، وأطلقوا لاءين: لا لوقف قراري وزير الصحة، ولا لهجرة حبيب!. إجرائياً، واستجابة لهذا الضغط العلمي والشعبي، تقدم حبيب إلى مجلس شورى الدولة بمعطيات علمية لم تكن موضوعة بين يديه، شكلت أساساً لتراجع المجلس عن قراره، وإصداره قراراً ثانياً يبطله ويعيد الاعتبار لقراري وزير الصحة. ففي 30 /8 / 2002 طلعت الصحف اللبنانية على الرأي العام بإعلان مجلس شورى الدولة برئاسة القاضي غالب غانم نفسه، وعضوية المستشارين شوكت معكرون وسميح مداح، رجوعه عن «قراره السابق بوقف تنفيذ قرار وزير الصحة (...) وذلك بعدما توافرت للمجلس معطيات جديدة، وبذلك يعود قرار وزير الصحة الى السريان. هكذا انتصر العلم أخيراً، نقول للدكتور نبيل حبيب... يهز رأسه ويضيف: «لقد انتصر مجلس شورى الدولة... انتصر الرجل الذي صحح خطأه قبل ان يجف حبر قراره السابق... انتصر الرجل العظيم القاضي غالب غانم، وأنا ومعي مرضاي، لن أنسى فضله هذا». إذاً، فلست مهاجراً؟. نسأله يقول: «لست مهاجراً طبعاً... لقد اتخذت قراري بشأن الهجرة الى الولايات المتحدة عندما اصبح وضعي في لبنان غير مشروع. وأما وقد انصفني مجلس الشورى وأنصفني وزير الصحة، فما من قوة تقدر على تهجيري من البلد... هذا انجاز لبناني عربي، وهو ملك للشعوب العربية». - فماذا عن ضغوط الضاغطين للكشف عن عناصر الدواء؟. * لقد استغربت هذا الطلب، واستغربه فريق القانونيين الذي يعاونني... بصراحة استغبينا الطلب وكيفية التعاطي بهذه السطحية مع انجاز بهذه الأهمية... وانا أؤكد أننا سنسجل الاختراع بالشروط التي تحميه وتحمي هويته العربية. غير ذلك يعني أن نسجله ونحميه ثمانية عشر شهراً ثم تسرقه الشركات قانونياً. - أما زلت تتابع بحوثك؟. * قولوا للناس إن المفاجأة ستكون بعد سنة من الآن... سأضع بين أيدي مرضى السرطان دواء يفوق في إمكاناته بكثير إمكانات هذا الدواء. - المعروف أنك لا تتقاضي أجوراً، وتعمل وحدك. ٭ ماذا على الأشقاء العرب الذين يستثمرون أموالهم في الغرب ويهددون الغرب بمصادرتها، لو استثمروها في البحث العلمي العربي؟.
العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ