العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ

الصحف العربية ترجح الضربة المقبلة للعراق

إنها رائحة النفط

على رغم إجماع المراقبين أن قبول العراق فرق التفتيش بلا شروط ضيّق من حيز المناورة الأميركية، وإذ برز خلاف علني بين وزير الخارجية الأميركي كولن باول ونظيره الروسي ايغور ايفانوف في نيويورك على إصدار قرار جديد يعزز نظام العقوبات على العراق. ونأت فرنسا بنفسها أيضا عن واشنطن، فيما اعتبرت الصين الرسالة العراقية «ايجابية»، بقيت التحذيرات الأميركية مصدر قلق للكتّاب العرب، وإذ تنوعت التحليلات واختلفت المقاربات والتوجهات عند الكتّاب العرب، رجح الجميع أن الضربة مقبلة لا محالة... وذلك بالاستناد إلى الصوت العالي الذي مازال يخرج من البيت الأبيض بعد أن حذر الرئيس الأميركي جورج بوش، مجددا مما وصفه بـ «لعبة التضليل والخداع» التي قال إن الرئيس العراقي صدام حسين يمارسها بقبوله عودة مفتشي الأسلحة من دون شروط إلى العراق.

وقد جاءت التحليلات العربية، لتدرس توقعات ما بعد قبول العراق لعودة المفتشين، وفي هذا الشأن كتب جوزف سماحة في «السفير» معتبرا أنه «في الأصل كانت الحرب» ورأى أنه في خلفية هذه المشاهد كلها، يكمن قرار بالحرب عند الإدارة الأميركية الحالية. لافتا إلى أن هذا القرار متخذ منذ سنوات من جانب حزب الحرب، عندما كان هؤلاء في المعارضة. وخلص سماحة إلى أن هؤلاء وصلوا إلى السلطة مع جورج بوش وسمحت لهم التفجيرات قبل عام بتوليد المناخ المناسب للانتقال إلى التطبيق. فيما حمّل شقيق ناظم الغبرا (أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت) في «النهار»، مسئولية التدخل الأجنبي، العرب الذين يقفون مكتوفي الأيدي أمام ما حصل على رغم أن هناك حوادث تاريخية تؤكد مقدرة العرب على التدخل لحلّ القضايا وتغيير الأبعاد السياسية التي تتحكم بها. مشيرا إلى التدخل العربي والسوري في لبنان، الذي أدى في نهاية المطاف إلى وقف الحرب الأهلية والوصول إلى تسوية. كما أدى التدخل المصري والعربي في مواجهة تهديدات العراق للكويت العام 1961 إلى تأمين حلّ للأزمة مدعوم بالقوة العسكرية... ورأى الغبرا، أن هذا التفتيش قد يكون ممهدا لانفجار كبير، فمن خلاله قد تقع الأزمات التي تفتح المجال لأوسع الاحتمالات. وخلص الغبرا، إلى أن الحال العربية تمر بمنعطف صعب وهي في الأساس لم تنجح حتى الآن في حماية الإقليم العربي من ويلات الحرب كما لم تنجح في تأمين حلّ سياسي لمشكلات كتلك المعلقة في العراق، لهذا تبقى الاحتمالات مفتوحة على كل صعيد. فهل ينجح العرب في إيجاد مخرج للأزمة؟

فيما جاء متفائلا مقال منير شفيق في «الحياة» إذ اعتبر أن لجوء الرئيس بوش، إلى هيئة الأمم المتحدة لطرح قضية العراق والبدء بالتحضير لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن، يشكلان تراجعا في الموقف الأميركي الذي دأب منذ بضعة أشهر على الإعداد لشن عدوان على العراق بقرار منفرد. كما رأى شفيق، انه لا بد أن يتحقق تقاطع عالمي واسع ضد الانفراد الأميركي ليس في موضوع العراق فحسب، وإنما أيضا، بالنسبة إلى سائر القضايا الكبرى التي تهم العالم من البيئة إلى العولمة إلى إشكالات الفقر والمرض والعنصرية، وإلى نظام العلاقات الدولية، وأخيرا وليس آخرا قضية فلسطين. واعتبر أن الوضع أصبح مؤاتيا لمواصلة فرض التراجعات على الإدارة الأميركية من أجل إبطال المكر البريطاني الذي ذهب ببوش إلى مجلس الأمن وإن كانت عزلته الدولية ومعارضته داخليا أجبرتاه على ذلك.

ورأى عبدالوهاب بدرخان في «الحياة»، أن مهمة مجلس الأمن، بعد قبول العراق عودة المفتشين، أصبحت أكثر تعقيدا، فالولايات المتحدة قننت مداولاته في إطار ضيق يخدم «مشروعية» حرب بدأتها فعلا على العراق. لذلك فإنه سيكون على مجلس الأمن أن يجد الحجج الكافية لإقناع الولايات المتحدة بتعديل برامجها، أي بتأجيل الحرب. أما واشنطن فسيكون عليها أن تمارس كل الضغوط التي تجيدها لإقناع مجلس الأمن بأن عودة المفتشين لا تمثل تغييرا يستحق مثل هذا التأجيل.

ويرى الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سليم الحص في مقال نشرته «السفير»، ان لا غلو في القول إن مستقبل المنطقة العربية بأسرها سيكون في ميزان أمام احتمال الحرب على العراق. فقد تفرض الحرب تحولا جذريا تتبدل معه الخريطة الجغراسية للمنطقة. ولا عجب والحال هذه إن وقفت كل الدول العربية مبدئيا موقف الرفض لعملية عسكرية تشن على العراق، كما فعلت أخيرا في مجلس جامعة الدول العربية. هذا مع وجود تصدع في الموقف العربي يتجلى في استعداد بعض الدول العربية لفتح مجالاتها الأرضية والجوية والبحرية لانطلاق العملية العسكرية الأميركية المرتقبة، ملاحظا أن قطر تتقدم هذه الدول، فالدول العربية بعضها مرهبة وبعضها الآخر من التي تعتمد على أميركا في ضمان أمنها الخارجي.

أما مصطفى الفقي (كاتب ودبلوماسي سعودي) في «الحياة»، فرأى أن الترتيبات الأميركية لعراق جديد، لا تبدو بعيدة عما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الصراع العربي الإسرائيلي ذاته. ونبه الفقي، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية، و«إسرائيل»، وأطرافا دولية أخرى يتناولون الشرق الأوسط من خلال نظرة شاملة لا تفصل بين الملفات الثلاث الرئيسية: الحملة على الإرهاب والمسألة العراقية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بينما الحرب النفسية تمارس تأثيرها الملحوظ بمحاولة الضغط على مصر أحيانا، والإساءة للسعودية أحيانا أخرى، وتخويف سورية أحيانا ثالثة. فلكل قطر عربي أساليب يجري التعامل بها معه والضغط عليه عند اللزوم، بل إن الأمر لم يقف عند ذلك الحد فقد كان اتهام النظام العراقي بدعم العمليات الاستشهادية الفلسطينية هو محاولة إسرائيلية لا تخرج عن السياق ذاته والقائم على تداخل الملفات وترابط السياسات في ظل ظروف لا تبشر بخير قريب ولكنها تنذر بخطر بعيد.

في اي حال، الاكثر تشاؤما، كان رئيس تحرير «القدس العربي» اللندنية عبدالباري عطوان، اذ اكد ان عودة المفتشين الدوليين، حتى لو جاءت من دون شروط، لن تمنع العدوان، ولن تؤجله. ولذلك فإن اي ضغوط عربية ودولية على العراق لعودة هؤلاء ستكون من دون اي معنى، طالما ان هدف اسقاط النظام هو الاولوية المطلقة وليس فقط تدمير اسلحة الدمار الشامل. لافتا إلى ان دور الامم المتحدة سيكون هامشيا، ولن يخرج عن المصادقة على المخططات الاميركية، لأن الادارة الحالية هي ادارة حرب، ولا تعير اهتماما للمنظمة الدولية. ولأنه لا توجد اي مرجعية، غير واشنطن، للحكم على تنفيذ العراق لهذه القرارات. أما قدرية الحرب المطلقة، في ظل حسابات الربح والخسارة اقتصاديا عند الاميركيين، فجاءت لتؤكد ان قبول العراق التفتيش أو رفضة سواء، خصوصا ان رئيس المجلس الاقتصادي القومي في البيت الابيض لورنس لينزي، قال في تصريح إلى «واشنطن تايمز» ان الحرب على العراق ستدر ارباحا على الولايات المتحدة نظرا إلى ان تغيير النظام في بغداد «سيفسح المجال في زيادة انتاج النفط في الاسواق العالمية».

اذا هي رائحة النفط... كتبت سحر بعاصيري في «النهار»، التي رأت ان بازار الحرب الاميركية على العراق انفتح ورائحة النفط تفوح هذه الايام من التحالف الآتي لاطاحة نظام الرئيس صدام حسين اكثر مما تفوح من حقول هذه الثروة المشتهاة. في اشارة منها إلى الاصطفاف الدولي، اذ يصعب ألا يكون النفط عاملا اساسيا في تغيير مواقف الدول التي لاتزال تسمى دولا كبرى وكذلك دول نفطية عربية اولاها السعودية

العدد 19 - الثلثاء 24 سبتمبر 2002م الموافق 17 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً