إدارة الناس هي توفير حلول لهم لتمكينهم من القيام بعملهم. تقوم الشركات بتوفير السلع والخدمات لعملائها كحلول لتلبية احتياجاتهم. ولذلك حتى تكون الإدارة ذات فائدة ومغزى يجب أن تواجه المشكلات التي تعترض الموظف بشكل يومي. إنها ليست مبالغة أن نقول إنه يجب أن يكون المديرون شغوفين بالمشكلات، حيث إنهم يتعلمون من المشكلات أكثر من أي شيء آخر. كم ستكون الحياة مملة بدون مشاكل؟
وعلاوة على ذلك، يجب على الإدارة أن تشجع الموظفين على التعبير عن مشاكلهم ومناقشتها وحلها. لا يمكنك أن تقدم حلولاً إذا لم تكن هناك مشكلات. فالمشكلات تحفزّ العقل على العمل وتحفزّ الذهن على التفكير وإيجاد حلول لها.
الرسالة التي أوّد أن أؤكدها هنا، هي أنه يجب أن لا يخاف أي مدير من وجود مشاكل لديه، لأن المشاكل مهمة لإيجاد حلول لها. بالإضافة إلى ذلك فإن علاقة المدير بموظفيه تزداد قوة مع حل كل مشكلة. إن حل مشاكل موظفيك تجعلك أكثر التصاقاً بهم وانخراطاً معهم وأكثر تواصلاً، وهذه أدوات مهمة في أية بيئة عمل.
لقد كنت دائماً أستمتع بالطلب من الناس من حولي بأن يقوموا بالتعبير عن مشاكلهم ومناقشتها معي. لقد كنت أشجعهم على أن يكونوا منفتحين وصريحين بشأن قضاياهم، ذلك أنه لن يكون باستطاعة أحد حل مشكلة دون معرفة ما هي المشكلة. ومعرفة ماهية المشكلة تنبع من الحصول على التفاصيل، بل كل التفاصيل المتعلقة بها.
في الواقع ستكون قادراً في معظم الحالات على بناء المزيد من الثقة مع الأشخاص الذين يأتون لك بمشكلة وتقوم بحلها معهم. شيء آخر يجب أن يؤخذ في الاعتبار، وهو أنه إذا جعلت من حل مشاكل موظفيك عادة يومية، فإن الموظفين سيقدّرون ذلك، وسيشعرون بالراحة في مناقشة أية مشكلة قد تكون لديهم في أي وقت معك، لأنهم سيعلمون جيداً بأنك ستكون مستعداً للاستماع لهم. ستكون معروفاً بذلك وسيصبح مكان العمل أكثر انفتاحاً. إني أعتقد اعتقاداً راسخاً، بأن الثقة بينك وبين الموظفين تعطيك الكثير من الفوائد كمدير. إن المشاكل وحلها هي في الدرجة الأولى، أداة تعليمية مهمة جداً.
خلق المشكلات
قد يبدو من السخف أو البلاهة أن يقوم المدير بالتشجيع على خلق المشاكل لتحفيز الانفتاح في مكان العمل وخلق بيئة عمل إيجابية ومنفتحة، لا إنه ليس كذلك إذا قدرنا إنها أداة إدارة قوية جداً، ليس فيها من السخف أو البلاهة من شيء.
دعونا نأخذ كمثال طرق التدريس التي يتم اتباعها في المدارس الثانوية والجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة، ألا وهي «الحالات الدراسية» Case Studies . إن هذه الأمثلة (دراسة الحالات) تطبق أيضاً بقوة في الدورات التدريبية والحلقات الدراسية عالية المستوى. إن أمثلة «الحالات الدراسية» ليست سوى حالات مشاكل تعرّض لها ناس أو شركات أو منظمات وتم حلها، ومن ثم أرادت الشركات أن يتعلم الآخرون من تجربتها في التعامل مع تلك المشاكل والحالات، وطرق حلها. إنها أمثلة تكون في أغلب الحالات واقعية حدثت فعلاً، وطرق حلها قد تكون أموراً حدثت فعلاً.
هذا وقد ذهبت أساليب التدريس إلى أبعد من ذلك حيث يتم ابتكار حالات مشاكل متخيلة وافتراضية لتشجيع طلبة الجامعات والمشاركين في الدورات التدريبية على التفكير بشكل خلاّق والتوصل إلى حلول لها. في البلدان المتقدمة اقتصادياً، تتم الاستفادة بشكل جيّد من التوصيات التي يقدمها الطلاب لاستخدامها في المستقبل كإجراءات تصحيحية للمشاكل التي يتم التعرّض لها. وبالتأكيد فإن الطلاب والمشاركين في الدورات التدريبية يتعلمون من عمليات مناقشة «الحالات الدراسية» أكثر من أي شكل آخر من أشكال التعلم. لماذا؟. لأنها مشاكل حصلت فعلاً.
تذكّر أن المشاكل تحتاج إلى حلول، وعمل الشركات والمؤسسات هو تقديم حلول للمشاكل. إذاً وبموجب هذا التعريف يجب أن تكون لدينا مشاكل، وأن تكون هناك حلول لها. إذن وجود وتشخيص المشاكل هو شيء إيجابي لأنه يساعد على تقديم الحلول.
وعليه، لا يجب أبداً أن نتوقع أي موقع عمل خالياً من المشاكل، فخلوه منها معناها لا وجود للعمل، ولا حاجة لتقديم الخدمات والسلع ولا حاجة لتطوير بيئة عمل، أو تطوير منتجات أو خدمات. المشاكل هي التي تحددّ الحاجة للخدمات والمنتجات التجارية، حيث إن الشركات تقدم الحلول طبقاً لنوعية المشاكل والقصور التي تكتشف من قبل العملاء والمستخدمين لتلك المنتجات والخدمات وتطوّرها للأحسن.
ونختم هذا المقال، بالتأكيد على أن المشاكل هي جزء من الحياة وأن بيئة العمل لا تخلو منها، والحلول التي تقدم للتعامل مع المشاكل يلزم لها دراسة وابداع وتفكير خارج الصندوق. وما يحصل في مجال العمل يحصل أيضاً في مختلف الصناعات والابتكارات. فهناك من يدرس الحالات المسببة للمشاكل وهناك من يفكر ويبدع لتقديم اختراعات جديدة لحل مشاكل قد تأتي مستقبلاً. فالشكر كل الشكر موصول للمشاكل... فهي الحافز الأكبر للاداري الناجح والمبدعين.
إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"العدد 5169 - الإثنين 31 أكتوبر 2016م الموافق 30 محرم 1438هـ
مقال رائع جدا استفدت منه كثيرا
بالفعل صاحب العمود استطاع ان يجمع كل من كان تحت ادارته في مجال عمله سابقا ان يكون بينهم كالأخ والصديق.هذا كان ديدنه حتي في المجالات الأجتماعية الأخري..كان نعم الرجل