منذ نَشر كتابه «نهاية الإيمان» في العام 2004 بدأ عالم الأعصاب الملحد سام هاريس بتوجيه انتقاداته للإسلام بشكل حاد جداً وتحميله وزر الأعمال الإرهابية، بل واعتبار أن «الغرب في حرب مع الإسلام». في هذا الكتاب الذي حمل عنوان «الإسلام ومستقبل التسامح: حوار» يدخل هاريس في حوار مع ماجد نوّاز وهو مسلم ليبرالي كان له تاريخ مع إحدى الجماعات الإسلامية المتطرفة. يتراجع هاريس خلال هذا الحوار عن بعض آرائه التي طرحها خلال السنوات العشر السابقة ويهيمن صوت نوّاز الذي يروي قصته، وأسباب التطرّف ويطرح حلوله لهذه المشكلة. إنه حوار عقلاني هادئ، وفي الوقت نفسه فإن كلا الطرفين صريحان لا يخفيان آراءهما ولا يتجهان للوضع الدفاعي الذي يغلب على كثير من مثل هذه الحوارات ويسد أفقها.
في البداية يتذكّر كل من هاريس ونوّاز قصّة لقائهما الأول قبل عدّة سنوات حيث اختلفا بشدة. يرى نوّاز أن نصوص الدّين، بل وأي نصوص أخرى كمسرحيات شكسبير، لا تتحدث عن نفسها بنفسها، بل هي صامتة ويجب أن يقوم شخص ما بقراءتها وتأويلها. إن الحديث عن كون الإسلام دين سلم أو حرب يؤدي لحالة من الاستقطاب التي تجعل كل طرف يتخندق في وجهة نظره بدل الحديث عن الأمور المشتركة المهمة التي يجب أن يتم الدفع بها وهي عالمية القيم الإنسانية، الديمقراطية والعلمانية. معظم المسلمين مسالمون، إلا أن الإحصاءات تظهر وجود ما يقارب العشرة في المئة منهم يرون أن عمليات التفجير الانتحارية مبررة «أحياناً» أو «غالباً»، وعلى رغم أن هذه النسبة صغيرة، فهي تمثل 160 مليون شخص وهو أمر مقلق بلا شك.
مؤدَّيات التطرُّف
بعد ذلك ينتقل الحديث إلى قصة نوّاز الذي يتحرّى من خلالها الأسباب والعوامل التي تؤدي للتطرّف. يذكر نوّاز المظالم التي تعرّض لها عندما كان شاباً صغيراً في بريطانيا حيث ولد. لقد تعرض للتمييز العنصري وتأثر بحرب البوسنة وكان يمر بأزمة هوية، ولكن هذه العوامل لوحدها - سواء كانت حقيقة أم مجرّد إحساس- ليست كافية للتطرف. إن الانتقال للتطرف لا يتم إلا مع وجود مجنّد ذي شخصية كاريزمية وأيديولوجية متطرفة. لذلك فإن إلقاء كل اللوم على السياسات الخارجية للغرب غير صحيح ولا يمثّل إلا نصف القصة. انضم نوّاز، الذي كان يبلغ من العمر 16 سنة إلى «حزب التحرير» وهي منظمة إسلامية تسعى لتأسيس دولة الخلافة عن طريق القيام بانقلابات عسكرية. أثناء عمله مع هذه المنظمة، تم اعتقاله في مصر وخلال تجربة السجن تعرف بشكل أكبر على الأيديولوجية الإسلامية، وفي الوقت نفسه دافعت عنه منظمة العفو الدولية كسجين رأي وضمير. ومن خلال التعرّف على مبادئ حقوق الإنسان بدأ نوّاز رحلة الابتعاد عن الأيديولوجية الإسلامية وتبني المنظور العلماني الليبرالي.
يتم الانتقال بعد هذا للتعريفات وتوضيحها منعاً للالتباس. يشبّه هاريس الميول لدى المسلمين بثلاث دوائر متحدة المركز، حيث يمثل المركز، وهو أصغر الدوائر الجماعات الإرهابية، والدائرة التي خارجه مباشرة الإسلاميين، والدائرة في الخارج المسلمين المعتدلين وهي الدائرة الأكبر، إلا أن الدائرتين الداخليتين تمثلان ما يقارب العشرين في المئة من المسلمين. لا يرى نوّاز أن هذه المصطلحات دقيقة ويقوم بتعريفها بوضوح، فهناك الإسلاميون وهم الذين يسعون لفرض تفسير معيّن للإسلام على المجتمع، وهم إسلاميون سياسيون يعملون من داخل مؤسسات الدولة للوصول للتغيير، وإسلاميون ثوريون يسعون للتغيير من خارج مؤسسات الدولة. وهناك الجهاديون وهم يشتركون مع الإسلاميين في الهدف - فرض تفسير معيّن للإسلام على المجتمع - ولكن يختلفون في الوسائل، فهم يستخدمون العنف لتحقيق أهدافهم. وتقدّر نسبة هؤلاء جميعاً بعشرين في المئة. وهناك المسلمون المحافظون وهم غالبية المسلمين وهناك المسلمون الليبراليون المجددون الذي يرى كل من نوّاز وهاريس أنهم الأمل للخروج من حالة الفوضى.
الفهم الحرْفي للنصوص
نصل بعد هذا إلى إحدى أهم نقاط الكتاب عندما يطرح هاريس موضوع الفهم الحرفي للنصوص الإسلامية المقدسّة وكيف تؤدي هذه القراءة إلى الكراهية والعنف وعدم تقبّل الآخر. يرى نوّاز أن ما يطلق عليه الفهم الحرفي هو في الحقيقة فهم فارغ للنصوص الدينية. ويؤكد أنه لا يوجد هناك فهم واحد صحيح للنصوص الدينية ويطرح عدّة أمثلة على تأويلات تاريخية متسامحة للنصوص الدينية كتلك التي جاء بها المعتزلة حول مسألة خلق القرآن والحنفيون الأوائل حول معنى الخمر، وكذلك عن موضوع حد الردة والكفر، وهناك مثال معاصر هو المفكّر الإيراني عبدالكريم سروش. إن الحل بحسب رؤية نوّاز هو في تعميم هذه الفكرة، بأن هناك تأويلات كثيرة لكل نص ديني ولا يوجد تأويل صحيح مئة في المئة، وهذا الأمر سيؤدي إلى احترام الاختلافات، ثم التسامح، ثم التعددية وصولاً إلى العلمانية، حقوق الإنسان والديمقراطية. إن وجود شك صغير جداً داخل عقل أي إنسان كفيل بأن يمنعه من القيام بتفجير نفسه وقتل الآخرين، فهذه الأمور تتطلب يقيناً تاماً بالعقيدة، ووجود تفسيرات أخرى تنسف هذا اليقين.
في هذا الكتاب القصير يتم طرح هذه المواضيع والتي يتم السكوت عنها في العادة ووضعها تحت السجادة، فكثيراً ما نرى ونسمع شعارات مثل «الإرهاب لا دين له»، وفي المقابل نرى الإرهابيين يلتزمون بأحكام الدين كالصلاة ويستشهدون بالآيات والأحاديث لدعم أفعالهم العنيفة. إن عبارات مثل «داعش لا تمثل الإسلام» و «الخطأ في التطبيق وليس في الفكرة» هي ردود فعل دفاعية بحتة تتجاهل المشكلة بدل مواجهتها. يرى الكاتبان أن المشكلة الأساسية ليست في الإرهاب وحده، بل في البيئة الفكرية التي تنتجه وهي بحسب رؤيتهما الأيديولوجية الإسلامية «Islamism» (وليس الإسلام كدين) والتي يتم تعريفها بالرغبة في فرض فهم معيّن للإسلام على المجتمع. في المقابل هناك كتاب «الاستثناء الإسلامي» الذي يرى أن «علمنة الإسلام» عملية شبه مستحيلة وأن الإصلاح الديني المنشود قد لا يحدث أبداً، ويدعو إلى تقبّل وجود الإسلاميين واحتمالية وصولهم للسلطة. لا شك أن الفرق بين الكتابين كبير، بل هو واضح من خلال اختلاف التعريفات كذلك.
اعشق كتب سام هاريس، سأقرأ هذا الكتاب بالتأكيد
اقرا كتاب من الشك الي اليقين للدكتور مصطفي محمود
زائر 3، لقد قرأته و لم أجد فيه أي فائدة تذكر
شكرًا لاعطاءنا المعلومه بوجود مثل هذا الكتاب