تعد منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، حيث تقع معظم البلدان العربية، المنطقة الوحيدة في العالم التي تشهد حالياً زيادة في نسبة سكانها الذين يواجهون الجوع. هذا ليس مستغرباً؛ لأنها المنطقة التي تعاني أكبر عجز غذائي في العالم؛ ولأن البلدان العربية تتأثر أكثر من بلدان أخرى بصدمات أسعار المواد الغذائية، التي تجلت تأثيراتها بشكل ملحوظ عام 2008 أثناء الأزمة الغذائية العالمية.
ومن الواضح أيضاً أن تداعيات تغير المناخ، وخصوصاً موجات الجفاف المتتالية منذ العام 2007، ساهمت في الانخفاض الكبير في الإنتاج الزراعي وزادت انعدام الأمن الغذائي. وتعاني المنطقة أيضاً من ارتفاع البطالة، وخصوصاً في صفوف الشباب، فضلاً عن ازدياد النزوح من الأرياف إلى المدن والهجرة إلى الخارج. ويرى بعض المحللين أن هذه العوامل، جنباً إلى جنب مع عوامل أخرى، ساهمت في الاضطرابات المدنية وبروز التطرُّف وأزمة النزوح الحالية في بعض هذه البلدان.
هناك إمكانية كبيرة لسد الفجوة بين استهلاك الغذاء وإنتاج الغذاء. وقد تجلّى ذلك عملياً باستخدام العلم والتكنولوجيا لتعزيز الإنتاج الغذائي المحلي، من خلال تكثيف نظم الإنتاج الزراعية بزيادة الإنتاجية وسد الثغرات المحصولية في الأراضي القائمة. وقد نجحت مشاريع عدة في زيادة الكثافة المحصولية، وخفض خسائر الغذاء وهدره على طول سلسلة الإنتاج والإمداد، ودعم الإدارة المستدامة لموارد المياه من خلال تحسين كفاءة الري، واعتماد تكنولوجيات الاقتصاد بالمياه، واستعمال المياه الهامشية، سواء المياه المالحة أو مياه الصرف المعالجة، لزراعة المزيد من الغذاء.
من الواضح أن البلدان العربية قادرة على التحرك بفاعلية نحو «صفر جوع»، وهو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لسنة 2030. وذلك من خلال زيادة استثماراتها في إنتاج زراعي كفوء، مثل الممارسات الزراعية الذكية مناخياً، والاستخدام المستدام والكفوء للمياه، والإدارة المتكاملة للمياه والأراضي، والزراعة الحافظة، والزراعة من دون حراثة أو بحد أدنى من الحراثة، ونظم الإنتاج المتكاملة التي تجمع بين المحاصيل والمواشي والمراعي، وتنوع نظم إنتاج المحاصيل وتناوب المحاصيل، والإدارة المتكاملة للآفات، والنظم المتكاملة للمغذيات النباتية، والزراعة الترابية والمائية المحمية، والزراعة داخل المدن وعلى أطرافها.
تختلف البلدان العربية في ما يتوافر لها من موارد طبيعية وبشرية ومالية، وفي قدرتها على تعزيز الأمن الغذائي من خلال الإنتاج المحلي. ولتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق هدف «صفر جوع»، يحتاج العالم العربي إلى سياسات تضع الزراعة في رأس أولويات الاستثمار في مجالي البحوث الزراعية والتنمية المستدامة، وتقوية التعاون العربي على المستويين الإقليمي ودون الإقليمي، فضلاً عن تعزيز التعاون والشراكات الإقليمية والدولية على أساس التكامل والفوائد المقارنة.