العدد 16 - السبت 21 سبتمبر 2002م الموافق 14 رجب 1423هـ

«تخته سياه» لسميرة مخملباف... أيقونة أخرى لسينما مدهشة

جاء في فيلمها الثاني «تخته سياه» او السبورة، اختارت سميرة مخملباف ثيمة الرحلة بوصفها مجازاً بليغاً عن رحلة الحياة والمصير الانساني، وهي ثيمة غدت من الثيمات الاساسية المميزة في السينما الايرانية في السنوات الاخيرة. لقد شاهدنا هذه الثيمة في أفلام ايرانية متميزة عديدة مثل «طعم جيلاس - طعم الكرز» لعباس كياروستامي الحائز على ذهبية كان في ،1997و«كيسه برنج - كيس أرز» لمحمد علي طالبي، والى حد ما في رائعة مجيد مجيدي «رنغ خدا- لون الجنة» الذي رشح لجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي قبل عامين. في كل هذه الافلام واخرى عديدة، يواجه الابطال مصيرهم في رحلة تقودهم للالتقاء ببشر آخرين وتجارب اخرى تواجه دوما بالسؤال والدهشة، مثل رحلة بطل فيلم «طعم الكرز» الذي قرر الانتحار، ويجوب القرى والبلدات بسيارته بحثا عن مكان مناسب لتنفيذ ما عزم عليه. في «كيس أرز»، كان الفيلم عبارة عن جولة لفتاة صغيرة مع احدى الجارات بحثا عن كيس أرز. أما فيلم «رنغ خدا»، فإنه يقترب من هذه الثيمة من زاوية الطفل الاعمى بطل الفيلم. فمن المدرسة الخاصة بالمكفوفين في المدينة الى قريته في الجبال مرة اخرى، رحلة تستعرض لنا علاقته بوالده واختيه وجدته، وأزمة الاب في اختيار زوجة جديدة، وصراع مشاعره المتقلبة بين رغبته هذه ورعاية طفل كفيف. التقلب الذي اختزله ببراعة مشهد سقوط الطفل من الجسر الخشبي على النهر. في «تخته سياه»، اختارت سميرة مخملباف ثيمة الرحلة ايضا، من خلال مدرسين جوالين يجوبون القرى والبلدات الكردية القابعة في اعلى الجبال الوعرة على الحدود بين ايران والعراق. لكن الرحلة تنتهي باندماج مصير اثنين من المدرسين في معاناة جماعية اشمل، حيث يلتئم «ريبور» مع مجموعة من الصبية الصغار الذين يعملون لصالح المهربين، فيما تنتهي رحلة صديقه «سعيد» مع جماعة من القرويين الاكراد المهاجرين من جديد الى قريتهم على الجانب الآخر من الحدود. رحلة البحث عن التلاميذ تثمر لدى ريبور صداقة مع المهربين الصغار ومشاركتهم رحلتهم لعبور الحدود، لكنها تنتهي بمقتل الاطفال وريبور على يد حرس الحدود. أما سعيد الذي وافق على ان يصبح دليلا للقرويين الاكراد في مسيرة منهكة مشيا على الاقدام، يجد نفسه وقد تورط اكثر واندمج الى الحد الذي اقترن فيه بأرملة «بهناز جعفري»، تهاجر مع ابيها الذي يعاني عجزا عن التبول وطفلها الصغير. ومن القصص الصغيرة لبعض الاطفال المهربين في مجموعة ريبور والقرويين، وقصة الارملة وعجز ابيها عن التبول في مجموعة سعيد، تصل الرحلة الى منتهاها عندما تحصد بنادق الجنود الاطفال المهربين والقرويين الذين يحلمون في الوصول الى موطنهم الاصلي في بلدة حلبجة. يفترق سعيد عن زوجته في الرحلة وعن باقي المجموعة مفضلا البقاء في الوطن. كلتا المسيرتين، مسيرة الاطفال المهربين والقرويون العائدين إلى موطنهم، مجاز بليغ عن رحلة حياة ومصير الفرد. والموت الذي يترصد المهربين الصغار مثلما يترصد القرويين على يد الجنود، ليس سوى ذروة هذه الرحلة المليئة بالبؤس والامل اللذين يراودان ابطال المسيرتين وهو، اجتياز الحدود بحثا عن وطن ضائع او بحثا عن حياة افضل، يبدو ضربا من اللاجدوى. ومثل فيلمها الاول «التفاحة»، لم تعمد سميرة مخملباف الى تقنيات مركبة، بل تركت الكاميرا تسجل مشاهد طبيعية واداء يقترب من التلقائية لممثلين غالبيتهم غير محترفين، وهي السمة الاخرى التي باتت تميز السينما الايرانية وهي تشد انتباه العالم في السنوات الاخيرة. وتبدو ادوات سميرة ورؤاها الفنية وقد نضجت في فيلمها الثاني، حيث بدا الحرص على زوايا التصوير وتصميم المشاهد متقنا، عدا بعض التطويل في المشاهد الاولى للفيلم جعلها تبدو اقرب للتوثيق. اما الخط الدرامي للفيلم وبنائه، فإنه يقترب من تقنيات السرد الحكائي، وبدت سميرة مخلصة - مثل الكثير من المخرجين الايرانيين - لتقاليد السرد المتوارثة في الثقافة الايرانية خصوصاً، والثقافة الشرقية عموما. أما الحكايات الصغيرة وبعض جرعات الكوميديا غير المفتعلة، فقد زادت من رهافة الفيلم. انه فيلم جميل لمخرجة تبرهن من جديد على رؤية ناضجة لشابة لم تتعد العشرين بكثير، وايقونة اخرى من ايقونات السينما الايرانية التي باتت تدهش العالم في السنوات الاخيرة بأفلام وحكايات بسيطة، تختزل رؤى فلسفية تطرح أسئلة عن المصير الانساني، بلغة سينمائية راقية وحس انساني بالغ الحساسية. ٭ ناقد سينمائي بحريني

بطاقة الفيلم

انتاج: إيران - ايطاليا، ساعة و25 دقيقة - انتاج العام 2000 بطولة: سعيد محمدي، بهناز جعفري، بهمن خبادي، محمد كريم رحمة سيناريو وحوار: محسن مخملباف، سميرة مخملباف

العدد 16 - السبت 21 سبتمبر 2002م الموافق 14 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً