العدد 5162 - الإثنين 24 أكتوبر 2016م الموافق 23 محرم 1438هـ

تصويرٌ لملامحها والمهن والمنتجات بيْعاً في السوق والبيوت

«الأسواق الشعبية القديمة في الإمارات»...

سوق مدينة أبوظبي العام 1962
سوق مدينة أبوظبي العام 1962

يرسم لنا الإماراتي الباحث في التراث والتاريخ، علي محمد راشد، في ورقته «الأسواق الشعبية القديمة في الإمارات»، التي تم نشرها في مجلة «الثقافة الشعبية» في عددها الخامس والثلاثين لخريف العام 2016، صورة من خلال تقديم ملامح لها، وبعض المهن التي تُباع منتجاتها في البيوت كما الأسواق.

تشكِّل السوق فضاء لعلاقات الناس الحياتية، كما تشكِّل قدرتهم على تصريف معاشهم، وتدبير شئونهم وأمورهم، كما مجهراً لمعرفة طبقات المجتمعات، من خلال عمليات التبادل التي تتم. علاوة على أن الأسواق تشكِّل مرافق مهمة وحيوية لأي مجتمع من المجتمعات، ويمكن من خلالها أيضاً كشف أحوالها، صعوداً وهبوطاً، رواجاً أو كساداً، لأن الأسواق تلك تظل في نهاية المطاف مرتبطة بمرافق حيوية أخرى تعمل على تغذيتها، أو الاستفادة منها، في دورة اقتصادية ترتبط بها شرائح المجتمع كافة، صعوداً أو هبوطاً، إقبالاً أو إعراضاً.

في النمط الأوَّلي الذي سارت عليه وتيرة الحياة في الإمارات، وضمن إمكانات ووسائل ومصادر محدودة، انطلق الإنسان الإماراتي ليصنع ما يشبه المعجزة بعد عقود قليلة، تسيُّداً للمشاريع المبتكرة، واستقطاباً وجذباً لأسواق ظلت رئيسة ومُبتكِرة ومتحكِّمة في مفاصل أسواق العالم، مضيفاً قيماً في الابتكار والإبداع والمبادرات الجريئة، وما يبدو أنه العمق من المخاطرة.

سينتبه العالم بعد عقود قليلة إلى نماذج من الريادة، ونماذج من الجذب، ونماذج من التسهيلات، ونماذج من تجاوز البيروقراطية القاتلة لكثير من طموح المبادرات والأهداف. كل ذلك وسط منافسة شرسة وغير بريئة؛ علاوة على أزمات مالية تجتاح العالم بين عقد وآخر، ليثبت ذلك النموذج قدرته على تجاوز الطارئ من الأزمات، وأحياناً تجاوز محاولات النيْل من عزيمة الذين يقفون وراء تلك المشاريع المبتكرة كي تعود إلى نقطة الصفر.

يشير الباحث علي محمد راشد في ورقته إلى أن الأسواق بدأت أول أمرها في الساحات العامة «حيث يفد البائعون ويفترشون الأرض ويعرضون بضائعهم للمشترين حتى ينفد ما لديهم من البضائع، أو حتى المساء؛ حيث يغادرون الساحات إلى بيوتهم؛ سواء أكانت في المدينة أو خارجها».

يتناول راشد بعض ملامح الأسواق الشعبية في عدد من إمارات ومدن الدولة، وكذلك العملات والأوزان، ومن بين ما يتناوله الأسواق الشعبية في إمارة أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة، وأم القيوين وعجمان والفجيرة.

الأسواق القديمة والعملات والأوزان

يسلِّط راشد الضوء على النقود التي تم استخدامها قديماً في مدن الخليج، ومنها الإمارات، ومن بين تلك النقود: الريال الفضي النمساوي (ريال ماريا تريزا)، الجنيه الذهبي الإنجليزي الأصل، النيرة - عملة ذهبية تركية، الروبية الفضية الهندية الإنجليزية، بيزة برغش - عمانية الأصل، بيزة مومباي - هندية الأصل وكانت 64 بيزة منها تساوي روبية واحدة، الآردي - هندي الأصل، والبيزة تساوي 3 آردي - والقروني، الآنة - النصف - الآنتين - وفي البداية كانت 8 آنات تساوي روبية ثم أصبحت 16 آنة تساوي روبية هندية، ريال قطر ودبي، والدينار البحريني.

تتناول الورقة الأوزان المستخدمة في البيع بالسوق، مثل ميزان القبّان والميزان ذي الكفتين. أما بالنسبة إلى الأوزان فكان الباعة يستخدمون الكيلو، ربع الكيلو، والمن (4 كيلوات)، والجاس (نصف كيلو)، والربْعة، وتعني ربع الجاس، جاس الصير، ويعادل ثلث الجاس، وجاس الشارقة.

ولم يُهمل الباحث الإماراتي العروج إلى الأقفال والخزائن وأنواعها، وكذلك المهن التي تباع منتجاتها في البيوت والأسواق، من بينها: الأواني التي تصنع من الفخَّار، وصناعة وتنجيد المفارش والمخدَّات، وجلي القدور النحاسية، وسن السكاكين، وهنالك أيضاً الحدادة التي تتولى صناعة السكاكين والمسامير ودلال القهوة، وصناعة البادلة والتلِّي والبراقع، والتي تستخدمها النساء في الملابس، أو يلبسنها على الوجه مثل البرقع؛ حيث تتم صناعتها من قبل بعض النساء في المنازل ثم تباع مباشرة للنساء أو في السوق.

وتقوم بعض النساء ومن المنازل بتجميل النساء مثل «تكحيل العين، وتجديل الشعر، وتجميل العروس، ووضع الحناء للسيدات».

كما توجد محلات للخياطة الرجالية في السوق، أما النساء فيقمن بذلك في المنازل، علاوة على صناعة بعض الأطعمة والبهارات المخلوطة والمخللات وبيعها في المنازل.

وفيما يتعلق بالبخور والعود ودهن العود فإنه يُجلب وقتها من الهند، حيث تتولى النساء إعداد كل ذلك وبيعه إما في المنازل أو في السوق.

وتحوي السوق منتجات الألبان، ومصدره أولئك الذين يملكون أبقاراً، حيث يقومون باستخراج اللبن والجامي والجبن، ويتم بيع تلك المنتجات مباشرة إلى الناس أو للدكاكين، وتتم حركة البيع يوماً بيوم، نظراً إلى عدم وجود ثلاجات أو حافظات لمثل تلك الأطعمة سريعة التلف. يضاف إلى ذلك صناعة الخبز، وتتم في البيوت، نظراً إلى أن البلاد في تلك الفترة لم تكن تعرف الخبازين كما عليه الحال اليوم، حيث تتولى النساء صناعة الكثير من أنواعه مثل خبز الرقاق والجباب والمحلى والخمير.

الدكاكين... الأسواق وخدماتها

يُعدِّد الباحث راشد طبيعة عمل الدكاكين والبضائع التي تسوِّقها والخدمات التي تقدِّمها في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الأسواق في دولة الإمارات العربية المتحدة، من بينها: الدكاكين التي تبيع المواد الغذائية، والتي تتكون من المواد الأساسية كالرز والسكَّر والقهوة والتمور الطحين والدبس والعسل والبهارات، والمعلبات. وهنالك الدكاكين التي تبيع أدوات صيد الأسماك، ودكان الطوَّاش، وهو مخصص لتجَّار اللؤلؤ، حيث تتم فيه عمليات البيع والشراء. ودكان بيع السلاح، وتمارس بيع البنادق والرصاص والسيوف والخناجر، إلى جانب دكان تصليح السلاح، أو تعديل أنواع من الأسلحة بحسب الطلب. إلى جانب دكاكين لتنجيد الأثاث وحوش المخدات وفرش الأسرَّة بالقطن، ودكان صانع الحلوى، ويسمَّى «المحلْوي»، وأشهر ما يباع فيه الحلوى العمانية. إلى جانب دكاكين: الخياطة، بيع الفحم والحطب والكاز (الكيروسين)، الحدادة، الصفارة، الخباز، محل تصليح الراديو، الحلاق، العطَّار، الأقمشة، النجارة، بيع المواد المصنوعة من سعف النخيل، ومنها، السرود والمهاف والحصير، والجندل الذي يدخل في صناعة المنازل والغرف والعرشان، ودكاكين بيع الخردوات والأدوات الصغيرة، ودكاكين تبيع الذهب والفضة والخواتم والأحجار الكريمة.

كل تلك الدكاكين بحسب ورقة الباحث الإماراتي علي محمد راشد، تُبنى إما من حجارة البحر المرجانية أو من الجص «وبعضها يُبنى من سعف النخيل، وكان لبعض الأسواق سقف يغطيها ويمنع عنها المطر وأشعة الشمس المحرقة، وكانت بعض الدكاكين مُلكاً للحكومة التي تؤجِّرها إلى التجَّار، وبعضها للتجَّار أنفسهم».

ثمة تقديم يسبق استعراض الباحث راشد للأسواق الشعبية، يتعلق بما امتهنه أولاً سكَّان أبوظبي في الفترة التي سبقت اكتشاف النفط وما بعده قليلاً؛ إذ من الطبيعة الجغرافية للإمارة المفتوحة على الخليج العربي وبقية العالم، ظل جزء من السكان مولعين بركوب البحر، اعتماداً على صيد اللؤلؤ والأسماك باعتبارهما مصدراً من مصادر معيشتهم.

مشيراً إلى بناء الأساطيل التجارية الشراعية التي نقلوا عليها البضائع المحلية مثل اللؤلؤ والأسماك المُجفَّفة والتمور والجلود إلى البلدان المجاورة، لتعود السفن بما تنتجه تلك البلدان من منسوجات ومواد غذائية. وامتدَّت علاقات تجَّار أبوظبي في تلك الفترة مع الهند وإندونيسيا وسواحل إفريقيا الشرقية؛ ما وطّد لعلاقات بين الإمارة وتلك الأقطار.

يشير راشد إلى أنه بعد ازدهار تجارة اللؤلؤ في أبوظبي، حيث كانت في مقدمة دول الخليج بتصديره إلى الهند ومنها إلى أوروبا، شكَّل ذلك المصدر العمود الفقري لتجارة الإمارة الخارجية، وخصوصاً في القرنين الماضيين، مُشكِّلاً ما يزيد على 90 في المئة من الدخل القومي للإمارة.

وضمن تقسيمات ثلاثة للسكَّان يبدأ الباحث بالسكَّان الذين يقطنون المناطق القريبة من البحر، وفيما يتعلق بالذين يقطنون المناطق الداخلية، تظل الزراعة هي مهنتهم الرئيسة والأصل، في كل من منطقتي ليوا والعين؛ حيث الاتجار بما تنتجه الأرض من ثمار، مع سكان الشواطئ والبلدان المجاورة لإمارة أبوظبي كعُمان وبقية إمارات الخليج العربي. «أما السكَّان الرحَّل فقد كانوا يهتمون بالرعي، ولذلك تاجروا بالإبل والأغنام والماعز والجلود والوَبر والصوف.

وكانت أغلب المنتجات محلية الصنع تجمع في سوقين رئيسيتين هما سوق مدينة أبوظبي وسوق مدينة العين. مشيراً إلى أنه كانت تُفرض في الماضي بعض الرسوم الجمركية التي لا تتجاوز 2.5 في المئة على البضائع المستوردة، فيما البضائع المصدَّرة كانت مُعفاة من الضرائب.

سوق العين العام 1958

تقدم الورقة في تناولها لأسواق العين الشعبية، لمحة تاريخية لما قبل الأربعينيات من القرن الماضي؛ حيث لم تكن في العين أو القرى الأخرى التابعة إلى إمارة أبوظبي أي سوق؛ إذ كانت أسواق البريمي المحاذية للعين، والقريبة من منطقة الهيلي التابعة للمدينة، وكذلك سوق حماسة، هما الوحيدتان وقتها. ويستند راشد في هذا الباب إلى ما ذكره أحمد بن محمود، من أن أولى المحاولات لفتح سوق في العين تمَّت من محمد بن مراد، الذي قدِم من الشارقة وبنى ثمانية دكاكين في الأربعينيات في قرية القطَّارة. إلا أن أحد التقارير البريطانية يشير إلى ما يمكن أن يطلق عليه اسم سوق، بإشارة بكماستر في العام 1958، إلى أن افتتاح السوق الجديدة في العين في العام نفسه «كان الحدث الأكبر أهمية، ويقول إن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله - موَّل المشروع بالكامل، ومع أنه كلَّف أكثر من مئة ألف روبية، إلا أنه لم يتقاضَ أي إيجار عن الدكاكين التي يصل عددها إلى خمسة وعشرين دكاناً في السوق الذي بني في صفين متقابلين على شكل شارع مُغطَّى لا يسمح بمرور السيارات».

أما عن سوق الإبل في العين، فيشير تقرير الباحث علي محمد راشد إلى أنه من أقدم الأسواق في الإمارات، وحدِّد له يومان في الأسبوع: الخميس والجمعة، كما كان السوق ساحة لممارسة الهوايات والرياضات التراثية الأصيلة، موضحاً أن ازدهار السوق كان أكثر وضوحاً في مواسم الأعراس والأعياد.

أسواق بقية الإمارات

تورد ورقة الباحث الإماراتي أن من أهم الأسواق التقليدية التجارية المعروفة في منطقتي بر ديرة وبر دبي، السوق الكبير في بر دبي الذي بني على مراحل، واستكمل بإنشاء خمسين محلاً تجارياً، ويتكون السوق من جزأين: الأمامي لغرض العرض واستقبال الزبائن، أما الثاني فخصص للتخزين. وهنالك عدد من الأسواق من بينها، سوق البهارات والتوابل، وسوق المناظر، وسوق الملابس، وسوق التمر، وسوق العطارين وسوق الحبال والدعون، وسوق المعدن، والذهب، والمطارح، والسمك. ومن بين أسواق دبي سوق مرشد.

وبالنسبة إلى الأسواق الشعبية في الشارقة، فإن سوق الشارقة القديم كان يضم العرصات، ويقع في فريج أبوكندر، ويحتوي على بضائع متنوعة. أما في ايام العيد فكان الناس يجتمعون عند شجرة الرولة. إضافة إلى سوق الشيويهين القديم (سوق صقر).

وبالنسبة إلى الأسواق الشعبية في رأس الخيمة، يذكر منها: سوق محمد بن سالم، وتباع فيه المواد الغذائية والأقمشة والذهب والغليون، وسوق سلطان بن سالم، فعلاوة على بيع المواد الغذائية فيه، يتم فيه أيضاً بيع الأدوات المنزلية والأسلحة، وسوق السمك، وسوق العرصة، وسوق الحريم، حيث يتميز بأن كافة الباعة فيه من النساء، وسوق البيادر، وهو سوق للمزارعين تعرض فيه منتجاتهم، وسوق الصفافير، وسوق مدينة معيريض، وسوق مدينة الرمس. أما في الجزيرة الحمراء، فكانت بضع دكاكين لبيع المواد الغذائية ومعدات الصيد وغيرها، وسوق في شعم والجير وغليلة، وفيها دكاكين لبيع المواد الغذائية وأدوات الصيد ودكان خباز.

أما في إمارة عجمان فيوجد السوق الرئيس (العرصة)، والسوق الغربي، والسوق الشرقي. وفي أم القيوين، توجد سوق العرصة، سوق السمك، سوق التمر، سوق البانيان (الهنود). وفي الفجيرة يظل سوق مسافي أهمها، حيث يتم عرض العديد من المنتجات الزراعية والصناعات اليدوية والبيئية «التي لازال أبناء الجبال والقرى النائية يحافظون على صناعتها».

إحدى أسواق دبي في العام 1960
إحدى أسواق دبي في العام 1960
إحدى أسواق دبي القديمة
إحدى أسواق دبي القديمة




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً