رسمت دراسة أكاديمية أعدت في جامعة الخليج العربي مؤخراً إطاراً لمشاريع التنمية المستدامة ينسجم مع الرؤى والقيم الاسلامية.
أعد الدراسة كل من أستاذ التخطيط الحضري بقسم الموارد الطبيعية والبيئة أحمد الخولي، ورئيس قسم الابتكار وإدارة التقنية ومنسق برنامج الدكتوراه في إدارة الابتكار عودة الجيوسي، وذلك ضمن استعدادهما للمشاركة في مؤتمر الجمعية الدولية لدراسة البيئات التقليدية السادس عشر المقرر أقامته شهر ديسمبر/ كانون الأول في دولة الكويت بتنظيم من جامعة الكويت وجامعة كاليفورنيا – بيركلي.
وقال أحمد الخولي إن العديد من الدراسات تشير إلى أن نمط التنمية في العديد من المدن العربية ليس مستداماً، حيث تضخمت في الحجم ديموغرافياً وتوسعت مكانيا حتى أمست تعاني من مشاكل بيئية عديدة منها تفاقم إنتاج المخلفات الصلبة والاختناقات المرورية التي تسبب إهداراً للطاقة وتلوث الهواء، مما أدى إلى تدني مستوى الخدمات العامة وخسائر مالية واقتصادية كبيرة ويعزز ذلك على سبيل المثال دراسة البنك الدولي للعام 2014 التي قدرت الكلفة الاقتصادية للاختناقات المرورية بالقاهرة بحوالي 2 مليار دولار اميركي، مما تسبب في تردي نوعية الحياة.
تسعى الدراسة إلى إثبات أن إهمال تضمين التقاليد والمعرفة المحلية وفقدان الهوية الثقافية قد أفرز مجالاً عاماً - يتم فيه اتخاذ القرارات وإعداد المخططات العمرانية - ليس متسقاً مع أولويات الرأي العام "وهذا يمثل احد أهم الأسباب التي أدت للوضع الراهن غير المستدام لبعض المدن العربية".
إلى ذلك أشار عودة الجيوسي إلى ضرورة تطوير إطار مفاهيميّ يعتمد على التنمية المرتكزة على الإنسان والثقافة المحلية، ويتضمن هذا الإطار اربعة أبعاد هي: الحكمة، الاجتهاد، الابتكار، الصالح العام، والعدل والإحسان، كمنظومة للتخطيط وادارة المدن العربية لتعزيز حماية البيئة وحفظها من التلوث والاستنزاف، وتجذير مبادئ الادارة الحصيفة والعادلة للموارد من خلال إحياء القيم الثقافية والمعارف والممارسات المحلية.
واضاف أن التنمية المستدامة في تعريفها العالمي لا تتضمن الأعراف والتقاليد المحلية بشكل متكامل، ولهذا تركز هذه الدراسة على الناحية القيمية لتأصيل العلاقة بين التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة. موضحاً أن مراعاة الجوانب القيمية للمجتمع تتطلب فهماً لثقافته لتأصيل التنمية المستدامة.
هذا ويتضمن فهم الثقافة المحلية عدة عناصر منها: البنية الاجتماعية، ومعرفة القادة المؤثرين داخل كل مجتمع والقادرين على التوصل للتفاهم مع المخططين للتنمية لإيجاد صيغ التنمية المتوافقة مع متطلبات المجتمع، ومعرفة الخطاب المحلي وهو طريقة التواصل اللفظي المتوافقة مع ثقافة المجتمع والمراعية لخصوصيته، كما تشتمل الثقافة على التواصل غير اللفظي، والقيم والسلوك المجتمعي - أي المعايير التي تحدد السلوك المقبول وغير المقبول في كل مجتمع -، والدين - أي التعاليم التي ينص عليها دين كل مجتمع من المجتمعات.
وفي جانب متصل بين أحمد الخولي أن الدين الإسلامي ذو صلة وثيقة بالاستدامة، حيث تأسس الإسلام على التقوى والإحسان والبر والانفاق في المجالات المشروعة وهي قيم تدعو في محصلتها إلى استدامة الموارد وتوزيعها بشكل عادل.
وأكد أن المدينة العربية ممكن ان تخطط وتنمى وفقاً لتعاليم الإسلام التي تدعو لاحترام ملكيات الأراضي، واستثمار الأوقاف كمصادر تمويل، والاستفادة من أموال الزكاة عبر تسييل المال وضمان ديمومته بين أفراد المجتمع، والاستفادة من مكامن القوى في المجتمعات العربية والإسلامية في تعزيز قيم التضامن والعمران الاجتماعي.