تأمّلت وجهها، تراءت لها صورة وجه شاب، تنهدت بعمق وهي ترنو بألم إلى صورته الشاخصة أمامها في المرآة. تحسّست بطنها، خفق قلبها، واسترقت أذنها السمع إلى نبضات قلبها باستمتاع.
صرير الباب بدّد الصمت الفائح في غرفتها، حاملاً معه صوت قهقهات؛ أبقاه خارجاً، صريرٌ آخر للباب.
آه؛ أطلقتها الأم من أعماقها، قاطعة على ابنتها حبل الذكريات. مسحت دموع ابنتها، تستعجلها القرار؛ التخلص من حملها والبقاء، أو الخروج إلى من سيقدم لها كل ما تحتاج.
كانت تستمع إلى كلمات أمها برأس مثقلٍ بالأوجاع. تتذكّر حلماً، حطّمه مكر شاب، تسلل إلى تفاصيل حياتها، أحتل دقائقها وساعاتها، وأغتصب ما بقي لديها من براءة؛ باتت بعدها كجثة غريق، تتقاذفها الأمواج.
تأمّلت ألعاب طفولتها وجدران غرفتها المثقلة بالذكريات، تحاول استعادة صوتها المبحوح من كثرة البكاء.
قطعت الأم حديثها مع ابنتها على صوت طرقات الباب، يستعجلها زوجها الذي فقد رشده لتأخرهم بالخروج إلى من كان بالانتظار.
قبّلت يد أمها، استجمعت رباطة جأشها، اعتدلت في وقفتها، وبغضب شديد هشّمت المرآة؛ تناثرت صورة وجه الشاب تحت قدميها، تتناثر معها الأحلام. تحسّست بطنها، رافضة التخلّص مما فيه، وسلبه الحياة التي سلبت منها بالخداع. قبّلت الأم جبين ابنتها، وضمّتها بين يديها كطفل مشتاق.
كان الترقّب في الخارج سائداً. يتمعن الجميع بها، كطفلة تمسك بيد أمها خوفاً من الضياع، بخطوات يجرجرها ثقل الأحزان.
وبروح تنزف، قشعريرة خفيفة تسري في جسدها، هزت رأسها بالإيجاب. ارتفعت الزغاريد في المكان وغادرت منزلها مع عجوز عقيم، سيفتخر لاحقاً بطفل، أعاد رجولته التي عيَّروه بها لسنوات.
جميل
الى الأمام ..