من الأعمال التوثيقية التي تم إنجازها محلياً، في السنوات الأخيرة، كتاب «عاشوراء الحسين في 7 سنوات»، في مجلدين من إعداد الباحث الأكاديمي محمد حميد السلمان، وضمّ الأبحاث والأوراق المقدمة لـ «مؤتمر عاشوراء السنوي»، من إصدار «مركز الإمام الحسين للدراسات والبحوث».
المركز نفسه كان فكرةً طُرحت في أحد المؤتمرات السابقة، وتبنّى تطبيقها «المجلس الإسلامي العلمائي». الذي تم حله إلى جانب «جمعية التوعية الإسلامية»، وعددٍ من الجمعيات السياسية مثل «الوفاق» و«أمل»، وتكملة القصة معروفة للجميع.
الجزء الأول من الكتاب، تضمن بحثاً تاريخياً مهماً للأستاذ سالم النويدري، بعنوان «التحقيق التاريخي والخطيب الحسيني المعاصر»، قُدّم للمؤتمر الثاني، (نوفمبر 2007/ ذو القعدة 1428 هـ)، وأهميته أنه يجيب عن الكثير من الأسئلة التاريخية التي تشغل بال الكثيرين، عن مسار عملية كتابة تأريخ كربلاء، حيث تتكشف الكثير من المفارقات والمعلومات التي تضيء الطريق.
الباحث النويدري قسّم عملية تدوين السيرة الحسينية، إلى ثلاث مراحل: التاريخ الروائي، المنحى العاطفي، والنهج التوثيقي. المرحلة الأولى امتدت عبر القرون الهجرية السبعة الأولى؛ وكانت بدايتها مع أحد أصحاب الإمام علي (ع)، وهو الأصبغ بن نباتة، الذي توفي العام 64 هـ، (بعد أربعة أعوام من واقعة كربلاء). ويليه جابر الجعفي، من أصحاب الإمام الصادق (ع)، وتوفي 128 هـ؛ ثم هشام الكلبي (ت 202 هـ)، إلا أن هذه الكتب الأولى مفقودة. أما أشهرها فكتاب «مقتل الإمام الحسين» لأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي، (ت 157 هـ)، وهو من رواة السير والمغازي، وكتابه «بحاجةٍ إلى إعادة نظر وتأمل» كما يقول بعض المؤرّخين.
اللافت في هذا المجال، أن التأليف عن فاجعة كربلاء لم يقتصر على الشيعة، وإنّما هناك كتب سردية أخرى ألّفها المؤرخون السنّة أيضاً، مثل «نور العين في مشهد الحسين» للأسفرائيني الشافعي، و «مقتل الخوارزمي» الحنفي، فهول الفاجعة كان كبيراً على العالم الإسلامي. وكانت كتب هذه المرحلة تهتم بالسرد والإسناد، إلا أن بعض التهويلات والزيادات بدأ بالتسرّب إليها.
المرحلة الثانية تمتد من القرن 10 - 13 الهجري؛ حيث ظهر «اتجاهٌ جديدٌ في كتابة السيرة الحسينية في الحواضر الشيعية»، وهنا أنقل عبارات النويدري لدقتها، «ركّز على ظاهرة الانفعال غير المحدود بفاجعة كربلاء بإيراد روايات غير مسندة في الغالب، أو هي موضع جَرْحٍ لدى محققينا من العلماء، تذرعاً بربط الأمة ولائياً بأهل البيت». وهي الثغرة التي سمحت بانفلات السرد العاطفي من عقاله، فدخلت الكثير من الإضافات على ما وقع حقيقةً في كربلاء. وبدأ ذلك مع ظهور كتاب «روضة الشهداء»، باللغة الفارسية، للملا حسين الكاشفي، (ت 910 هـ)، حيث حظي بإقبال منقطع النظير من العامّة، وبدعمٍ من السلطات القائمة آنذاك (الدولة الصفوية). أما العلماء حينها فانتقدوا هذا الكتاب، وأشاروا إلى ضعفه، «حيث كان يحتوي على قصصٍ أقرب إلى الأساطير». وهذا الكتاب أصبح مضرب مثلٍ عند الإيرانيين في العصر الحديث، حيث يستخدم كلمة «روضة خون» (أي قارئ - كتاب - الروضة) للإشارة إلى الخطيب الذي لا يعتمد عليه، لسرده الخرافات والمبالغات.
في منطقتنا العربية، انتشر كتاب «المنتخب في المراثي والخطب» للشيخ الطريحي النجفي، وهو مجموعة نثرية شعرية، يُقرأ كمقدمةٍ للمجالس بعنوان «الحديث»، قبل صعود الخطيب المنبر. «وهو يصب في المجرى نفسه الذي يصب فيه الكتاب السابق، وعنهما صدر الكثير من مؤلفي السيرة الحسينية».
وتعطي بعض أسماء الكتب في هذه الفترة، إشارةً على هذا الاتجاه الفجائعي: «محرق القلوب» للنراقي؛ «تظلم الزهراء من إهراق دماء آل العباء» للقزويني، «الدمعة الساكبة في المصيبة الراتبة» للبهبهاني. بل إن كتاب «أسرار الشهادة» الذي ألفه الخطيب الدربندي، (ت 1286 هـ) باسم الشاه ناصر الدين القاجاري، «أتخم بفنون الأساليب التي تستدر الدمع وتدمي الفؤاد، لكن العلماء المحققين لم يرتضوه مصدراً يعتد به في السيرة لبعده عن الالتزام بضوابط التحقيق العلمي في كتابة التاريخ». وينقل النويدري عن الشيخ آغا بزرك الطهراني، وهو أحد كبار المؤرخين، قوله: «في هذا الكتاب الكثير من الأخبار غير المعتبرة والضعيفة، بل أخبار مظنونة الكذب، وبعضها مقطوع الكذب، ما أوجب انكسار قيمة الكتاب».
السيرة الحسينية قبل أن تصلنا في صيغتها الحالية، مرّت بمرحلتين سابقتين، التاريخ الروائي، المنحى العاطفي، أما النهج التوثيقي المعاصر فهو يحتاج إلى مقالٍ آخر لتتضح معالم الطريق، في هذه المرحلة التي تتعرّض فيها المدارس الإسلامية السنية والشيعية، إلى هزات عنيفة تستوجب المراجعة والتصحيح ونقد الذات.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 5160 - السبت 22 أكتوبر 2016م الموافق 21 محرم 1438هـ
الحسين عبرة وعبرة والان نحن مع العبرة فقط وذرف الدموع وكلنا بعيدين كل البعد عن نهج الحسين (ع), خطباء المنبر الحسيني يحملون مسؤلية كبيرة في اعناقهم للاجيال القادمة. لذالك يجب عليهم الاخذ بالروايات الصحيحة فقط وتجنب الخرفات والدراما المستخدمة لدغدغة مشاعر الناس وذرف الدموع . مع الاسف نعرف الحسين في 3 ايام من عمره ولا احد يعرف شي من باقي حياته المتمثلة في 57 سنة.
مراجعة وتصحيح السيرة من الداخل ضرورة فعلاً. أبناؤنا سيضيعون ويتركون المنبر والمأتم. وهذه مسؤولية رجال الدين وخصصوا الخطباء، فهذه مسؤولية ورسالة.
سلام وتحية
استغرب من الهجوم غير المبرر على اصغر جانب في عصرنا هذا وهو التراث غير المحقق او الضعيف
في حين يسرح ويمرح قتلة قضية الحسين بالالسن
ان من العيب ان ينقطع الخطيب عن الدرس والتحقيق
ومن المعيب الأكبر ان يكون في المسلمين من يكون همه قتل الحسين وقضيته مرة أخرى بتوهين أهداف الدين الاسلامي وعمق المبادئ الحسينية المحمدية
سيدنا اني انكر عليك تسفيه كتب لم نسمع بها في عصرنا هذا وانكر عليك تجاهل الهجمة المضادة لأحياء مراسم تجديد الاسلام باحياء سيرة سيد الشهداء
الخطباء ممنوع عليهم ذكر الحسين!!
ما أعتقد كتابة السيد قاسم فيها هجوم أو تسفيه لأحد. الرجل أصلاً نقل عن الاستاذ سالم النويدري وهو باحث تاريخي مشهود له بالقدرة والموضوعية وحب اهل اببيت، فالمفروض يكون النقاش والرد موضوعي وليس انفعال. ومن ذا يقول ان ما ينقل على المنبر كله صحيح؟ حتى الخطباء نفسهم يتكلمون ويعترفون.
موضوع التنقيح مستمر وغير متوقف لكن هناك انصراف غريب له وكأننا لا نتطور في ظل وجود شراسة على الاسلام غير محتملة وسيرة الحسين فيها من المضامين ما هو قادر على قيادة سفينة الاسلام بوعي حاضر لهذا الزمان
وتوقفنا عند مرويات لا يمر عليها احد في عصرنا الحاصر مضيعة للجهود والوقت
ادعو الكاتب لفتح اليوتيوب والاستماع لبعض مراجعنا ليرى الطرح الرواءي الراقي في الثمانينات والتسعينات مذ اكثر من 10 الى 20 سنة الذي لم نصل له بعد في البحرين
لا ننكر ان للمنحنى العاطفي الفضل في حفظ القضية الحسينية اذ أن ما يعيش في وجدان البشر لا يمكن نسيانه لكن هناك حاجة بين فينة وأخرى لمراجعة فكرية وتنقيح لبعض الروايات الضعيفة والغير مثبتة والتي يعتمدها الخطباء فقط لإدرار الدمع دون النظر الى مدى صحتها من عدمه .
نعم هي حاجة ماسّة الى المراجعة فلا توجد امّة ترتقي دون ان تعمل العقل في تراثها وتراجعه بين فينة واخرى مع الابقاء على الثوابت وعدم المساس بها
وتبقى عاشوراء خالدة في الاذهان..وستبقى الطرق المتبعه باختلاف الزمان حيث كلٌ يثق بجانب معين يميل اليه دون آخر للسيّر ولا أمل بتوافق ببن المحبين فهذا يطمئن لهذا الجانب من السيّر ويتّبع الطريقه الكذائية تبعا لما اطمئن اليه من تاريخ وسيّر من هنا ندعو جميع المحبين لسيد الشهداء الانفتاح على الآخر وتقبل نظراتهم واقتناعاتهم برحابة صدر والنقذ بأدب واحترام لتبقى سفينة الحسين الواسعة تحملنا جميعا