العدد 5160 - السبت 22 أكتوبر 2016م الموافق 21 محرم 1438هـ

الشرق الأوسط في الحملة الانتخابية الأميركية

شفيق الغبرا comments [at] alwasatnews.com

يأخذ التناقض بين العالم العربي والولايات المتحدة أبعاداً مختلفة في كل مرحلة، فكلٌّ من دونالد ترامب وهيلاري كلينتون تحدّثا عن الشرق الأوسط، لكنهما بنفس الوقت يخشيان من التورط في رماله المتحركة.

دونالد ترامب أراد منع المسلمين من دخول أميركا، بينما كلينتون لا تذكر الشرق الأوسط في صفحتها الانتخابية، ومعظم مواقفها مرتبطة أولاً بالحفاظ على أمن إسرائيل وحل النزاع العربي الاسرائيلي وفق تصورات غير قابلة للتطبيق. كلينتون تتحدّث عن أمن منطقة الخليج ودعم الاتفاق النووي مع إيران، لكن تعاريف الأمن تتغيّر كل يوم.

فأمن الخليج الحقيقي وخاصة أمن شعوبه، يتناقض في الكثير من الأبعاد مع السياسات الأميركية تجاه العراق وسورية والقضية الفلسطينية. المصلحة الخليجية تتناقض مع الكثير من السياسات الأميركية كما حصل مع قانون الكونغرس الخاص برفع الدعاوى على دول يعتبرونها مسئولة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لكنها من جهة أخرى تعتمد منطقة الخليج على الولايات المتحدة في مجال الأمن، إضافةً إلى أن جزءًا كبيراً من أمنها الاقتصادي مرتبط بالدولار والاقتصاد الأميركي.

وبينما استقلت الولايات المتحدة عن النفط العربي، إلا أن المسألة أكثر تعقيداً، فالاقتصاد العالمي أكثر تداخلاً، وكل أزمة في عالم النفط وفي منطقة الخليج بالتحديد ستؤثر على اقتصاد الصين وآسيا وأوروبا، والذي يؤثر بدوره على الاقتصاد الأميركي المعولم.

لازالت الولايات المتحدة تستخدم الأعمدة السياسية التقليدية التي استخدمتها إدارات سابقة في تحديد سياساتها الاقليمية، وهذا بدوره يشوّه الواقع. فكل محاولة أميركية لبناء استقرار جديد في الاقليم العربي ستتطلب تعاملاً بناء مع العوامل التي فجّرت الاقليم بالأساس. لكن أحاديث القادة الأميركيين قلّما تتناول الحقوق والعدالة كأساس لأمن الشرق الأوسط واستقراره القادم، وقلّما يتحدث أي من المرشحَين عن الأمل وعن المستقبل، وكأن الشرق مكان للحرب وليس وطناً لشعوب لديها أحلام وأمان.

هذه السياسة الأميركية تختلف جذرياً عن السياسات الأميركية في أوروبا الشرقية في زمن التغير في أواخر ثمانينات ومطلع تسعينات القرن العشرين. في حينها تم استيعاب أوروبا الشرقية في أوروبا الغربية وتمت عملية إعادة تأهيلها اقتصادياً لضمان نجاح التحول الديمقراطي.

إن الانتصار على الدولة الإسلامية لن تقرّره الخنادق والجيوش إلا في حدود، فهزيمة الدولة الإسلامية القادمة وانهيارها الحتمي ستكون مقدمةً لدولة إسلامية أكثر تطرفاً، لهذا فالمسألة الأهم تبقى في التعامل مع العدالة والتوافق والحقوق والتمثيل والأفكار. إن غياب الحقوق وانتشار الفساد وضعف العدالة في العالم العربي تحرّك عدم الاستقرار والهجرة والغضب والعنف بين الشباب العربي. إن السلاح الأهم ضد الدولة الإسلامية هو حكم توافقي ونظام سياسي تشاركي.

ويعقد موقف الولايات المتحدة في الشرق أنها تمر بواحدة من أصعب المراحل الداخلية، فالحزب الجمهوري مفكّك، والانتخابات كشفت عن أزمةٍ تعاني منها النخب الأميركية بسبب الحال السلبي الذي وصلت إليه السياسة في الولايات المتحدة، كما أن الطبقة الوسطى الأميركية في حالة ضمور وتراجع كبيرين. لقد صعد ترامب كتعبير عن السخط الذي يعكس شعور الأميركيين من الفئات الشعبية البيضاء بالتحديد بالخسارة، كما يزيد من تعقيد الوضع ذلك السخط الكبير من جانب اليسار، حيث تشعر فئات واسعة من الأقليات بالتمييز والعنصرية. أميركا أمام تحديات ذاتية كبيرة ستؤثر في سياساتها الخارجية.

هذا كله سيتطلب من الرئيس القادم بناء الوسط السياسي العام مع الكونغرس الأميركي، إضافةً لبناء اقتصاد قادر على إعادة إحياء الطبقة الوسطى، كما سيتطلب من الحزب الجمهوري إعادة بناء نفسه. إن رفاهية التعامل الأميركي مع الخارج بلا محددات داخلية لم تعد متوافرة في النظام الأميركي.

وبسبب العامل السياسي الذاتي والداخلي، وبسبب العامل الإسرائيلي والجغرافي والحسابات الدولية والاقتصادية والروسية والإيرانية، ستتأخر الإدارة الأميركية عن التعامل مع التحديات القادمة في منطقة الشرق الأوسط. في السنوات الأربع القادمة ستتعقد أزمة الدولة الكبرى الأولى في إقليمنا، لكن كل الدول المؤثرة المتورطة في حروب الإقليم ستجد أنها دخلت في نزاعات وحروب مكلفة.

إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"

العدد 5160 - السبت 22 أكتوبر 2016م الموافق 21 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:54 ص

      يا أمّة العرب ما أهونك؟
      كيف ترتضون ان تصبحوا أدوات يتلاعب بها الأمريكان ويجعلونها أوراق لعب بيد المرشحين الامريكان والبريطانيين.
      ما أهونكم وانتم اصبحتم أدوات رهان الآخرين وكأنكم بعض الخيول التي تدخل السباق ويتم الرهان عليها

اقرأ ايضاً