احتاج الأمر إلى 50 عاماً، بحسب قانون الأكاديمية السويدية، مانحة جائزة نوبل، كي يتم الاطلاع على أرشيف ما تم من مداولات وقرارات بين أعضاء لجنة التحكيم. في مطلع العام الجاري (2016)، تم الكشف عن الأرشيف الخاص بمداولات العام 1965. ذلك يعني علينا أن ننتظر حتى العام 2066 كي نعرف ما حدث من مداولات للأسماء التي ضمَّتها قائمة العام 2016. أسماء كثيرة لم نكن نتوقع أنها دخلت قائمة الترشيح منذ منتصف ستينيات القرن الماضي ولم تفز بالجائزة، بعضها انتقل إلى العالم الآخر، ومن أشهرهم الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس الذي لم يتردد في القول: «هي لم تُمنح لي منذ أن جئت إلى الدنيا»؛ حيث غادر العالم في 14 يونيو/ حزيران 1986، من دون أن يحظى بها. في الأرشيف الذي كشف النقاب عن تفاصيله، نقف تحديداً عند 30 أكتوبر/ تشرين الأول 1958؛ حيث رفض الكاتب والشاعر الروسي بوريس ليونيدوفيتش باسترناك الجائزة بعد أن قررت اللجنة منحها إياه.
الأرشيف تضمَّن تفاصيل عن حال الخلافات، فيما يتعلق بالمشاركة في الجائزة، مناصفة أو بين أكثر من اسم، كذلك تضمَّن التصويت بالإجماع على أسماء دون غيرها. تفاصيل نقف عليها في تقرير أليسون فلود الذي كتبه لصحيفة «الغارديان» مطلع يناير/ كانون الثاني من العام الجاري، قبل شهور عديدة من ذهاب الجائزة إلى المغني وكاتب كلمات الأغاني الأميركي بوب ديلان. كان مقرراً لهذا التقرير أن يكون مرافقاً لما أعددناه من تقرير عن حصول ديلان على الجائزة، إلا أن ظروفاً تتعلق بالمساحة حال دون نشره، نبرزه هنا مع هوامش ترتبط بالأسماء التي وردت في أرشيف لجنة تحكيم الجائزة.
جدل اختيار شولوخوف
كان كل من: فلاديمير نابوكوف (1)، بابلو نيرودا (2) وخورخي لويس بورخيس (3)، على قائمة المرشحين للفوز بجائزة نوبل للأدب العام 1965؛ حيث كشف الأرشيف الذي أميط اللثام عن أسراره مؤخراً، عن أن محكِّمي الجائزة في ذلك العام ذهبوا إلى خيار مثير للجدل بترجيح اسم الروائي والأديب الروسي ميخائيل شولوخوف للفوز بالجائزة (4).
أعضاء الأكاديمية السويدية الذين يقرِّرون سنوياً أحقيَّة الكاتب العالمي الذي يحقق أفضل المعايير التي وضعها مؤسِّس الجائزة العالم والمخترع السويدي ألفريد نوبل من بين «العمل الأكثر تميُّزا في اتجاه مثالي»، أبقوا على القائمة المُقترحة التي تتضمن الأسماء الأقرب لنيل الجائزة سرية لخمسين عاماً. ومن بين من تضمَّنتهم القائمة، الكاتب والروائي والأستاذ الجامعي الروسي الأصل، الأميركي الجنسية فلاديمير نابوكوف، الذي كان ضمن الأسماء المتنافسة على الجائزة في العام 1965، جنباً إلى جنب خورخي بورخيس؛ حيث لم يفز أي منهما بالجائزة حتى وفاتهما، فضلاً عن بابلو نيرودا، الذي سيظفر بها بعد ست سنوات؛ أي في العام 1971.
ومن بين الأسماء التي ضمَّتها القائمة من المملكة المتحدة، الشاعر والكاتب الإنجليزي الأميركي ويستن هيو أودن (5)، لورنس دوريل (6)، ليزلي بولز هارتلي (7)، وسومرست موم (8)؛ حيث كانوا من الكتَّاب المُحتملين للفوز بالجائزة في ذلك العام، وكذلك الحال مع آلان سيليتو (9)؛ إلا أنه لم يحظَ بها أي منهم. كما كان صموئيل بيكيت (10)، من بين قائمة الأسماء المرشحة للجائزة في العام 1965، لينالها في 1969.
ومن بين ما ورد في الأرشيف، وتحديداً بتاريخ 30 أكتوبر 1958، منح باسترناك (11) الجائزة ولكنه رفضها.
الذين يقومون بعملية الترشيح لجائزة نوبل هم خليط من الفائزين السابقين، وأساتذة الأدب وخبراء في المجال نفسه. وأثبت الخيار الذي وقع على شولوخوف في العام 1965 حال الانقسام بين أعضاء اللجنة، فالكاتب السوفييتي هو واحد ممن تحدَّثوا علناً ضد منح الجائزة لبوريس باسترناك في العام 1958؛ ما تسبَّب في رفض باسترناك للجائزة، لتُمنح بعد سبع سنوات إلى شولوخوف التي رأت في روايته «الدون الهادئ» بأنها «بمثابة تعبير عن مرحلة تاريخية لحياة الشعب الروسي»، وبسبب «قوتها الفنية».
جدل الجائزة مناصفة
تأخذنا الصحافية السويدية سفنسكا، وهي واحدة ممن اضطلعوا على وثائق الأكاديمية السويدية في العام 1965، مبيِّنة أن اختيار شولوخوف وقتها للفوز بالجائزة قد تم بإجماع الأعضاء، موردة ما قاله رئيس اللجنة وقتها أندرس أوسترلنغ: «هذه الملحمة الشعبية لا تزال تستحق بشكل لا جدال فيه الجائزة، وإن جاء هذا الفوز متأخراً جداً»، في إشارة إلى تاريخ صدور الرواية في الفترة ما بين 1928 و 1940.
نقف في الوثائق نفسها على فوز الكاتب ألكسندر سولجنيتسين (12) الذي سيفوز بالجائزة في العام 1970، وهو واحد ضمن مجموعة من الكتَّاب الذين اتهموا شولوخوف علناً بسرقته الرواية التي منحته الجائزة من الكاتب فيودور كريوكوف، وهو اتهام نفاه المؤلف.
الصحافية في «Svenska Dagbladet» كاج شيلر بدورها كشفت أن اللجنة ناقشت تقاسم الجائزة في العام 1965 بين الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا (13)، التي تميزت بعلاقتها المضطربة مع النظام السوفييتي، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي؛ شولوخوف إلا أن الفكرة تم رفضها من قبل رئيس لجنة الجائزة أوسترلنغ بحسب الصحيفة السويدية، والتي لاحظت بأن الكاتبين لا شيء يجمع بينهما سوى استخدام اللغة الروسية في الكتابة.
كما تم رفض إمكانية تقاسم الجائزة في العام نفسه بين ميغل أنخل أستورياس وبورخيس، وبين شموئيل يوسف عجنون ونيلي زاكس؛ لتذهب الجائزة مشاركة بين عجنون وزاكس في العام الذي يليه (1966).
ليأتي الدور على الغواتيمالي أستورياس للفوز بالجائزة في العام 1967؛ بحسب قرار الأكاديمية السويدية «لإنجازاته الأدبية الحيّة، وتعمُّقه في الكتابة التي تحمل صفات وتقاليد الشعوب الهندية في أميركا اللاتينية». أما بالنسبة إلى الأرجنتيني بورخيس فإنه لم يفز بها أبداً. وعلَّق على ذلك قائلاً: «أصبح من التقليد الإسكندنافي عدم منحي جائزة نوبل». «هي لم تُمنح لي منذ أن جئت إلى الدنيا».
هوامش لابد منها
1 - فلاديمير نابوكوف، كاتب روسي أميركي، ولد في 23 أبريل/ نيسان 1899 في سانت بطرسبرغ بروسيا، لعائلة ثرية. تلقى مع إخوته تعليماً ثلاثي اللغات بالروسية والإنجليزية والفرنسية. مع قيام ثورة أكتوبر 1917، التحق بكلية تيرنتي بجامعة كامبريدج؛ حيث درس العلوم واللغات والأدب الوسيط. لم يعرف الشهرة العالمية إلا حين بدأ كتابة رواياته وأعماله باللغة الإنجليزية.
ظهرت أولى رواياته العام 1925 تحت عنوان «ماشينكا»، وفي العام 1926، ظهرت مسرحيته المعادية للسوفيات «رجل سوفياتي» لتليها رواية «الملك - السيدة - الخادم» في العام 1931، وكانت هذه الفترة أخصب فترات عطاء نابوكوف الإبداعي؛ حيث نشر عمله «الغلطة» في العام 1932، ثم عاد في العام 1934 ونشر أعمالاً مهمة مثل «سباق مجنون» و «دعوة للعذاب». وفي العام 1938، كتب وللمرة الأولى رواية باللغة الإنجليزية هي «سيرة سباستيان نايت الحقيقية».
في العام 1955 نشر روايته «لوليتا» التي مُنعت أول الأمر في أميركا، وفي العام 1957، نشر رواية «بنين». كما أنجز «النار الخافتة»، وفي العام 1969م كتب أطول رواياته (آدا). توفي يوم 2 يوليو/ تموز 1977م، في مونترو بسويسرا.
2 - بابلو نيرود، شاعر تشيلي الجنسية، ويعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيراً في عصره، ولد في قرية بارال بوسط تشيلي في 12 يوليو 1904. ووفقاً للكاتب الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز: «بابلو نيرودا من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم». نال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل في الآداب العام 1971. توفي في 23 من سبتمبر/ أيلول 1973.
3 - خورخي لويس بورخيس كاتب وشاعر وناقد أرجنتيني. ولد في 24 أغسطس/ آب 1899، وتوفي في 14 يونيو 1986. يجيد خمس لغات وكان يترجم عنها إلى الإسبانية. بدأت شهرته الدولية في مطلع ستينيات القرن الماضي. حصل في العام 1961 م على جائزة فورمنتر مشاركة مع صاموئيل بكيت. ظهرت أولى الترجمات الإنجليزية لأعماله في 1962م.
4 - ميخائيل شولوخوف، أديب روسي ولد في 24 مايو/ أيار 1905، وتوفي في 21 فبراير/ شباط 1984. حصل على جائزة نوبل في الأدب العام 1965، عن روايته «الدون الهادئ». بدأ الكتابة وعمره 17 عاماً. «حكايات الدون» هو أوّل كتبه ونشره في العام 1926، يتضمَّن مجموعة قصص قصيرة.
5 - ويستن هيو أودن، شاعر إنجليزي أميركي. ولد في يورك في إنجلترا واكتسب الجنسية الأميركية في العام 1946. يعتبره الكثيرون من بين أعظم أدباء اللغة الإنجليزية في القرن العشرين. وقد وصفه الحاصل على جائزة نوبل في الأدب العام 1987، الشاعر الروسي جوزيف ألكسندروفيتش برودسكي بأنه «أعظم عقول القرن العشرين».
6 - لورنس جورج دوريل، روائي وكاتب رحلات وشاعر إنجليزي. ولد في 27 فبراير 1912، وتوفي في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1990. اكتسب شهرته بفضل الروايات الأربع المتعاقبة التي تعرف باسم رباعية الإسكندرية، وتتكون من: جزء «جوستين» الذي صدر العام 1957م، و «بالثازار» وصدر العام 1958م، و «مونتوليف» وصدر العام 1959م، وجزء «كلي» وصدر العام (1960م.
7 - ليزلي بول هارتلي، كاتب بريطاني، ولد العام 1895، وتوفي العام 1972، اشتهر بروايته «الوسيط» التي نشرت العام 1953، وترجمت إلى معظم لغات العالم، وتحولت إلى مسرحية وفيلم.
8 - وليام سومرست موم، روائي وكاتب مسرحي إنجليزي. ولد في 25 يناير 1874، وتوفي في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1965. اشتهر بكثرة كتاباته المتنوعة ما بين روايات مسرحية وقصص وكتب سياسية.
9 - آلان سيليتو، روائي بريطاني، ولد في مدينة نوتينجهام في مارس/ آذار 1928، لعائلة فقيرة. وتوفي في مايو 2010. من أشهر رواياته «ليلة السبت صباح الأحد» و «عزلة عداء المسافات الطويلة»، وقد تحولت كلتاهما إلى فيلم.
10 - صامويل بيكيت، كاتب مسرحي وناقد أدبي وشاعر أيرلندي. ولد في فوكس روك, بدبلن في 13 أبريل 1906، وتوفي في باريس في 22 ديسمبر 1989.
11 - بوريس ليونيدوفيتش باسترناك، كاتب وشاعر روسي. ولد في 10 فبراير 1890، وتوفي في 30 مايو 1960. عرف في الغرب بروايته «الدكتور جيفاغو»، لكنه اشتهر في بلاده كشاعر مرموق. مجموعته «حياتي الشقيقة» تعد من بين أهم المجموعات الشعرية التي كتبت بالروسية.
12 - ألكسندر سولجنيتسين، روائي وأديب وكاتب مسرحي ومؤرخ روسي معارض. ولد في 11 ديسمبر 1918، وتوفي في 3 أغسطس 2008. اشتهر بروايته «أرخبيل غولاغ» و «يوم في حياة إيفان دينيسوفيتش». مُنح جائزة نوبل في الأدب العام 1970. وكان قد طرد من الاتحاد السوفيتي في العام 1974، وعاد إلى روسيا في العام 1994.
13 - آنا أخماتوفا، شاعرة روسية. ولدت في 23 يونيو 1889، وتوفيت في 5 مارس/ آذار 1966. تعتبر من أبرز شاعرات روسيا في العهد السوفيتي، وتعتبر من أشهر المؤثرين فيه. تُرجمت أعمالها إلى العديد من اللغات، وتم اعتبارها من أشهر شعراء الروس في القرن العشرين.