أخيرا، تجرأت الممرضات في التعبير عن مطالبهن التي يخشين البوح بها حماية لمصادر أرزاقهن، وذلك بشأن الظروف السيئة للعمل في مستشفى السلمانية. وقد تبلور التعبير من قبلهن حاملا صبغة سلمية، كان الإضراب وسيلة لها، إذ أضربت خمسون ممرضة في أحد أجنحة المستشفى الاثنين الماضي.
بناء على لقاءات مع عدد كبير من الممرضات العاملات في أجنحة مختلفة في المستشفى، يتضح أن هذه المعاناة ليست مقتصرة على الجناح الذي أضربت فيه ممرضاته بل هناك الكثير من الأجنحة التي تعاني فيها الممرضات «الويل» على حدقولهن.
إحدى الممرضات علقت على ضغط العمل الذي يعانين منه، قائلة «إن الإدارة تعاملنا كالإنسان الآلي... كالجماد». وأكدت قائلة: «الإدارة غير متعاونة معنا أبدا، مما يضيف إلى ضغط العمل ضغطا نفسيا شديدا قد يهلكنا يوما ما». وأشارت إحداهن إلى تفرقة المسئولين بين ممرضة وأخرى في طريقة التعامل اليومي، وأن الوضع بأكمله في هذا القطاع المهني يؤدي إلى الـ «الحَرّة» في عملهن اليومي.
بينما أكدت أخرى على انعدام التقدير للممرضة، واستمرار النظرة الدونية لها من قبل بعض الأطباء الذين يلقون بمسئولية أي خطأ عليها مباشرة، حتى لو كان هو من أمرها بإجراء معين ثبت فيما بعد عدم صحته.
الممرضات اللاتي أكدن على عدم نشر صورهن أو أسمائهن أكدن عددا من النقاط المهمة في عملهن والتي تشكل أساس ما يشعرن به من ضغط في مجال عملهن، وهي:
- عدم تخصيص علاوة مخاطر للممرضة في بعض الأجنحة (خصوصا الأجنحة من 51-56) التي تتعامل أحيانا مع مرضى السل والإيدز.
- أدوات الوقاية في تلك الأجنحة لا تتوافر باستمرار على رغم خطورة التعامل مع أولئك المرضى مما يعرض الممرضة لخطر قد لا تحمد عقباه.
- نقص الكادر الوظيفي، الأمر الذي يؤدي إلى أن يطلب من الممرضة الواحدة أحيانا متابعة سبعة مرضى، فيما أشار بعضهن إلى أن العدد يصل أحيانا إلى أحد عشر مريضا.
- انعدام الاحترام والتقدير بالنسبة للممرضة وذلك من قبل فئتين الأولى أهالي بعض المرضى الذين يلقون دائما بمسئولية أي تدهور في صحة قريبهم على الممرضة، والثانية الأطباء والمسئولون الذين يطالبون الممرضات بمراعاة الحالة النفسية للأهالي على حساب كرامتهن أحيانا وذلك حينما يستنجدن بهم، كما أشار بعضهن إلى تعرضهن للضرب من بعض الأهالي.
- نقص مساعدي التمريض في عدد كبير من الأجنحة، بل في المستشفى بأكمله، الأمر الذي يتطلب من الممرضة القيام بمهماتها مضافا إليها مهمات مساعدي التمريض كإطعام المرضى وتنظيفهم وغيرها.
- نقص الممرضين الذكور، إذ أشار عدد من الممرضات إلى حاجة طاقم العمل للممرضين خصوصا في أوقات الدوام الليلي (آخر الليل)، والهدف من ذلك هو تقديم العون والحماية للممرضات. وفي هذا الطلب عبرة سببها احتمال تعرض بعضهن لمهاجمة بعض المرضى أو أهاليهم في تلك الأوقات حيث سبق وأن حدث منذ فترة طويلة أن طارد أخ وأحد متعاطي المخدرات إحدى الممرضات - وكانت حاملا- محمّلا إياها مسئولية وفاة أخيه إلى أن جاء حارس الأمن لينقذ الموقف.
- لوم بعض الأطباء المستمر للممرضات عند حدوث أي خطأ حتى لو كان ما اتبعته الممرضة من إجراءات أمرا مكتوبا من قبل الطبيب ذاته.
- الواسطة عند بعض المسئولين في المستشفى والتي تلعب دورا كبيرا في قبول طلب بعض الممرضات الانتقال من جناح أو طابق إلى آخر.
كانت هذه أبرز الملاحظات التي أشار إليها عدد كبير من الممرضات في الأجنحة المختلفة للمستشفى، والجميع كان يعاني نفس المأساة، كلامهن وشكاواهن كانت مكررة حتى التطابق والتواتر.
أحد الموظفين في القسم المعني الذي قصدته «الوسط» للتحقق من الشكاوى الواردة إليها من قبل الممرضات، قال: «هناك خوف من الصحافة» وهذا ما برر المماطلة التي قوبلت بها محاولات الحصول على معلومات رسمية ودقيقة بشأن إحصاءات لعدد الممرضات في المستشفى مقارنة بعدد مساعدي التمريض والممرضين الذكور، وعدد المرضى المترددين على المستشفى ومطابقة هذه الأرقام بالأرقام العالمية، وبموازاة الأرقام، هناك أهمية كبرى لنقل الشكوى إلى الإدارة والحصول منها على ردود حول ما قيل.
ومن بعد تلك المماطلة كانت معاناة أخرى مع مماطلة إدارة التمريض في مستشفى السلمانية مما حال دون الحصول عليها على رغم تكرار الزيارات والاتصالات للمكانين فإن النتيجة واحدة.
ما توفر كان معلومات عامة في كتيب للعام 2001 بيّن أن عدد الممرضات في وزارة الصحة بلغ 1761 انثى في مقابل 164 ذكرا وذلك للبحرينيين وغيرهم، أما عدد الممرضين العمليين فقد بلغ 55 ذكرا و186 أنثى.
وربما تكون معلومات متناثرة حول عدد العاملين في خدمات التمريض وكونها تشمل إدارة مستشفى السلمانية بالاضافة الى ادارات أخرى، حيث كان عدد الذكور البحرينيين 201 مقابل 834 من الاناث. أما بالنسبة لغير البحرينيين فقد بلغ عدد الذكور 12 مقابل 381 أنثى، وهذا ما يبين الحاجة الكبيرة لزيادة عدد الممرضين الذكور لمتابعة بعض الأقسام.
الممرضات اللاتي دأبن على إسعاف المرضى يحتجن إلى شيء من «الإسعاف» حتى يمكنهن أداء رسالتهن في جو عملي أقل ضغطا... أقل خوفا... وأكثر شفافية
العدد 15 - الجمعة 20 سبتمبر 2002م الموافق 13 رجب 1423هـ