العدد 15 - الجمعة 20 سبتمبر 2002م الموافق 13 رجب 1423هـ

أسرة تفترش الأرض وتتوسَّد الهواء!

دون مقدمات، قال «أنتم الأمل الأخير لي ولأولادي»، في عيونه كانت تقبع مأساة كسرت ملامحه، وأوهنت صوته، اعتصره الحزن فلم يجد سوى أبواب الصحافة ليطرقها مرة تلو الأخرى، فمن يدري فربما تفتح له الأبواب؟.

اسمه علي أحمد، عمره 46 عاما، كان يعمل في أحد محلات المفروشات، ولأن لعبة السوق لا تترك من يدخلها في حال سبيله، أفلس محل المفروشات وكان نصيب علي السير في طابور العاطلين.

حاصرته الديون، وصدر ضده حكم بالحبس ثلاثة أشهر، ولم تفكر زوجته الأسيوية في أولادها الثلاثة - رضا وتقي ومهدي - فرفعت عليه دعوى طلاق وحُكم لصالحها. باعت كل محتويات الشقة، ومعها باعت أولادها، وتجاهلت فطرتها، وذهبت لتبدأ حياة جديدة مع آخر، أرادت معه أن تنفض عنها غبار حياة زوجية لم تربح منها شيئا.

كانت الاسئلة تثور داخلها، لماذا تعيش مع رجل فقد مورد رزقه الوحيد؟، لماذا تحتمل حياة لم تحلم بها مع رجل كان أساس علاقتها به «المادة»؟ وكان لابد أن تنتهي العلاقة.

خرجت من بيته، ولم تشغل نفسها بالمصير الذي ينتظر أولادها ، ولماذا تشغل نفسها وهي مقبلة على حياة أخرى ولا بأس لو تنازلت من أجل حياتها الجديدة عن أولادها ، المهم هي، خرجت وهي تردد ' أنا ومن بعدي الطوفان'.

« اللي فينا كافينا»

وخرج علي من الحبس ليعيش أكثر من مأساة، أولاده بلا مأوى بعدما طردوا من بيتهم لتراكم الإيجار عليهم، أقاربه تنصلوا منهم، أغلقوا الباب على أنفسهم ورددوا «اللي فينا كافينا».

ولم يجد مكانا يحتويه، ويحتوي آلامه سوى جدران محطة مدينة عيسى للنقل العام، افترش الأرض، فكانت عليه أحنَّ من زوجته التي تقاسم معها كل الفرح، ولم تقاسمه لحظة مرة واحدة، وتوسّد البرد حينا، والحر أحيانا كثيرة، ومعه أبناؤه الثلاثة يتوسدون الحرمان، ويحتضنون الهموم قبل الأوان.

قال علي «فتحت المدارس وتفاقمت مشكلة أولادي، فكيف يلتحقون بالمدرسة ونحن نسكن محطة للنقل العام؟، لجأتُ للجمعيات فلم يساعدوني، أمّ أولادي تزوجت واحدا من بلدها ونسيت أولادها، وحاول الأولاد الاتصال بها، فما أن تسمع صوتهم إلاّ وتغلق الخط، اقتنع أولادي أن والدتهم سقطت من كشف حسابهم، وإنّ عليهم أن يضعوها في بند المصروفات المعدومة.

حاولت أن اعمل في أي عمل، غسيل السيارات، تحميل البضائع، وفي كل مرة أفقد رزقي لأسباب خارجة عن إرادتي، والمردود من هذه الأعمال لا يسد رمق جائع، فكيف يمكن أن انفق على أولادي؟.

أين هويتي؟

لا املك أي هوية سوى رخصة القيادة، فجواز سفري تم احتجازه على ذمة القضية، وبعد خروجي من السجن زعموا أنه ضاع، وعندما طالبتهم ببدل فاقد ضاع حقي في الطوشه، كما أن جوازي سفر ولديّ رضا ومهدي قام صاحب الشقة التي كنا نسكن فيها باحتجازهما، لأننا لم نسدد الإيجار... اشعر بالضياع، لا يهمني نفسي ولا مصيري، فلقد سأمت من هذه الحياة ولم اعد احلم لنفسي، المشكلة تكمن في أولادي إلى متى يمكن أن يتحملوا كل هذه المعاناة؟

أليس هذا الضياع يمكن أن يعرضهم للعيش في متاهات نحن في غنى عنها؟

كل ما نطلبه هو عيش حياة كريمة، اريد أن اعمل من أجل أولادي، ولأنني لا أقوى على حياة من دون عمل.

ماذا أفعل؟

ولدي الكبير كان متفوقا ، وكنت أدخر لهم أحلاما كبيرة ولكن الظروف التي نعيشها تحاول سرقة احلامي.

اعرف إن مليكنا المفدى لن يرضى أن نقاسي كل هذا الحرمان، لجأت إلى الصحافة من قبل، ،لم يساعدني أحد ولو كنت وجدت سبيلا آخر لما عدت أطرق أبوابكم ، كل يوم تتفاقم المشكلة ويجتاحني اليأس ولكن شيئا من الأمل يبقى داخلي.

ماذا أفعل؟ وكيف أعيش أنا وأولادي؟ هل نظل نفترش الأرض، ونتوسد الهواء؟ وهل اخسر أولادي كما خسرت كل شيء؟ أشعر إن اليأس بدأ يدب في قلوب الأولاد، حتي إنهم فقدوا كل الطموح .

أولادي يسألوني عن نهاية المطاف، ولا اعرف ماذا أقول لهم؟.

نعيش على عطف أصدقاء أولادي، ولكن إلى متى يمكن أن يستمر الحال هكذا؟.لا يزال أمل كبير داخلنا في الله سبحانه وتعالى ثم في صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، أملنا أن نجد حلا بعد ما غدرت بنا الأيام وافترسنا الحزن.

ونحن على يقين من إيجاد حلٍ لهذه الأسرة التي ضاع منها كل شيء، ولم

يبق لها سوى الأمل

العدد 15 - الجمعة 20 سبتمبر 2002م الموافق 13 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً