العدد 15 - الجمعة 20 سبتمبر 2002م الموافق 13 رجب 1423هـ

احذروا... بوش يقرع طبول الحرب

كنت دائما مغرما بالأفلام التي تصوّر الملاحم الرومانية. وكان والدي يأخذني لمشاهدة أفلام كوفاديز التي عادة ما تنتهي بمشهد القائد الروماني روبرت تايلر وهو يُساق إلى الإعدام، ومنذ ذلك الحين أصبحت أعيش مع حوادث الأفلام المتقلبة. ولم يكن والدي يميّز بشكل واضح بين الأفلام الكبيرة وتلك الصغيرة منها؛ وكان قادرا على أن يحشر فيلم «تحرير هرقل» بين فيلم «بين هار» وفيلم «سبارتاكوس». ولكن التوقف غير الإعتيادي عن عدم تصديق ما تقدّمه السينما دفعني إلى مشاهدة أفلام مثل «تايتنك» و «بيرل هاربور» و «جلادياتور» التي تعتبر أفلاما رائعة على رغم بشاعة ما تصوّره.

ولكن الأمر المهم، كما كان والدي يخبرني، هو أن نتذكر دائما أن السينما لا تصوّر الواقع. فالقادة الرومان معتنقو المسيحية لا يسيرون ببهجة إلى الموت في الواقع. وكذلك لم تكن هناك قصة حب عنيف على التايتنك. كذلك فإن الطيارين المقاتلين في بيرل هاربور لم يقاتلوا ببطولة خارقة، ولم يمت الأباطرة الأشرار في سن مبكرة. ومنذ أن مثّل «جون واين» فيلم «القبعات الخضر The Green Berets» ظلت الأفلام التي تصوّر الحروب تنقل إلينا صورة كاذبة عن الموت والحياة. وبعد الجرائم التي حدثت ضد الإنسانية في نيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، أعتقد أنه من المحتم على البنتاجون وCIA أن يطلبا من هوليوود أفكارا جديدة. وقد قام صنّاع السينما فعلا بالذهاب إلى واشنطن للتعاون مع أمراء الظلام المحليين. ولكن ما جعلني أقلق بالفعل هو رؤية نائب الرئيس الاميركي تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد في العرض الأولي لفيلم «بلاك هاوك دون Black Hawk Dawn».

وبعد ذلك إذا كانت إدارة بوش متحمسة جدا للحرب فمن الأفضل أن تحلّ مشكلة الاختلافات بين هوليوود والواقع، ولكن ما نحصل عليه هو فيلم يمثل نسخة من الواقع، رواية خيالية لتبرير احتمال «الحرب بلا نهاية». وبالطبع فقد بدأ الأمر بكل ذلك الهراء حول «الحملات الصليبية» و«الحرب ضد الإرهاب» و«الحرب ضد الشر» والشعار الجديد والشهير «يكرهوننا لأننا ديمقراطيون»، و«محور الشر»، وحديثا الشعار المضحك جدا و النفاية: «نواة الشر». ومن المفترض أن يشير الشعار الأخير إلى المملكة العربية السعودية، وربما يشير أيضا إلى إيران أو العراق أو سورية. بالإضافة إلى هذا الترتيب فقد تم تزييف التاريخ. أفلام الجرائم تعطي دافعا للجريمة، ولكن بعد حوادث 11 سبتمبر فإن إنتاجات بوش لن تسمح بمناقشة أي دافع. إن هوية ودين منفذي الجريمة هي معلومات يمكن الحصول عليها ببساطة، فهم عرب مسلمون. ولكن في اللحظة التي نريد فيها أن ننظر بإمعان إلى المنطقة التي يأتي منها العرب - وهي منطقة غنية بالمظالم والقمع والاحتلال وقتل الاطفال - فإننا سنخضع لحملة من الافتراءات.

ومع تزايد عدد أعداء بوش لتضم القائمة ليس فقط تنظيم القاعدة بل أيضا العراق وإيران وحلفاءهما، بدأت عملية حبك نسيج من القصص. مثلا في يونيو/ حزيران الماضي قام رامسفيلد بنسج قصص حول إيران. وللقارئ أن يلاحظ أن هذه الأكاذيب طرحت في مؤتمر صحافي عُقد في دولة عربية :قطر، حيث صرّح أن إيران تقوم بأنشطة إرهابية وتنقل بعض الأفراد من دمشق إلى وادي البقاع . كما تستضيف أعضاء من تنظيم القاعدة وتقدم إليهم التسهيلات اللازمة لانتقالهم من أفغانستان إلى إيران. ولكن ما حدث في الواقع هو قمع بعض أفراد القاعدة في لبنان وذلك بمساعدة كلٍ من إيران وسورية. كما نعلم أنه بغض النظر عن دور إيران في ترحيل بعض أفراد القاعدة إلى سورية، فإنها قامت أيضا بترحيل بعضهم إلى المملكة العربية السعودية ليواجهوا عقوبة السجن أو الموت المحتمل. ونعلم أيضا أن سورية احتجزت مسئولا كبيرا من مسئولي القاعدة، وحينها عبرت الولايات المتحدة عن شكرها لكل تلك الأمور. وبغض النظر عن اختباء عشرة لبنانيين في مخيم فلسطيني يحتمل أن يكون لهم اتصال بتنظيم القاعدة، فإنه لا يوجد هناك شخص واحد تابع لأسامة بن لادن في لبنان.

وكذلك هناك خطط للهجوم على حزب الله. وقد طرحت الواشنطن بوست ذلك في الشهر الماضي بالعبارة التالية «إن منظمة حزب الله الموجودة في لبنان، وهي إحدى أكبر المجموعات الإرهابية، تتعاون مع تنظيم القاعدة في عمليات نقل الجنود وتدريبهم للقيام بعمليات إرهابية، وذلك طبقا لمسئولين في المخابرات الأميركية والأوروبية ولخبراء في الإرهاب». وقد تم التحريض على هذه الاعمال الصبيانية من قبل ستيف سايمون الذي كان يعمل في مجلس الامن القومي الاميركي، والذي أعلن أن هناك تقاربا في الأهداف.

كما ان الواشنطن بوست تخطّط لهجوم على الفلسطينيين الذين تعتبرهم أعداء أميركا - مرة أخرى فإن مصدر هذه القصة هم «خبراء الإرهاب» - عن طريق إخبار القراء في مايو/ أيار أن «ارتفاع عدد الذين يقومون بالعمليات الانتحارية لمهاجمة إسرائيل في الربيع الماضي يزيد مخاوف خبراء الإرهاب حول الوسائل والتكتيكات التي سوف يتم تصديرها للولايات المتحدة».

ونشرت مقالات أخرى للإشارة إلى أن صدام حليف للقاعدة، ففي مارس/ آذار الماضي صرح جورج تينيت - مدير السي آي إيه - أن بغداد «لها اتصالات مع القاعدة أيضا» على رغم أنه كان قد ضعّف هذا التصريح الأجوف بقوله إن كراهية الجانبين المشتركة للولايات المتحدة والعائلة المالكة في السعودية تقودنا إلى معرفة أن التعاون التكتيكي بينهما أمر ممكن ولنا أن نلاحظ التناقض بين عبارتي «أن لها اتصالات أيضا» و «ممكن».

وفيما يتعلق بالضفة الغربية تحدث رامسفيلد عما يسمى بالمستعمرات، وهذه لهجة أقل تشددا من لهجة ويليام سافير في مقاله الذي نشر في مارس الماضي في نيويورك تايمز، حيث عتب في مقاله على البعض لعدم إطلاق اسم المستعمرات على الدول المستعمرة. وقد كتب ويليام قائلا «هذا يكشف روح التحيز ضد حق اسرائيل فيما يفترض أن يكون حدودا آمنة ويمكن الدفاع عنها». ولدينا أيضا كونداليزا رايس مستشارة الرئيس للأمن القومي التي تقول إن «عرفات شخص فشل في القيادة عندما كانت الفرصة متاحة له. وقد اعطاه يهودا باراك فرصة رائعة للقيادة ولكن ما الذي فعله في المقابل؟ لقد بدأ عرفات الانتفاضة الثانية بدلا من ذلك ورفض يد الصداقة الممدودة إليه».

صحيح أن معلومات رايس عن الشرق الأوسط تزداد قتامة كل أسبوع، ولكن التزييف الملموس الآن هو الطريق الذي تسلكه واشنطن. ليس هناك ذكر الى ان عرفات كان من المفترض أن يقبل سيادة إسرائيل على القدس، وليس هناك ذكر لحق العودة للاجئ واحد، أو للمستوطنات التي تُبنى بصورة غير شرعية خارج القدس الشرقية بيد الإسرائيليين، أو للمنطقة الإسرائيلية الفاصلة التي تمتد إلى مسافة عشرة أميال حول «فلسطين»، أو عن تسليم 46 فقط من 22 من مساحة فلسطين التي كانت موضع تفاوض لتسليمها إلى الفلسطينيين.

ليس من الصعب معرفة ما يحدث . ليست القاعدة فقط هي «العدو» بل كذلك العراق وسورية ولبنان والمملكة العربية السعودية. إن إنتاجات بوش تشدّد القبضة على العالم العربي. ويتم إعدادنا لفيلم رائع من أفلام الملاحم يحمل رواية من روايات هوليوود وحبكة من الأكاذيب. وللأسف والدي ليس حيا الآن ليذكّرهم بأن تلك السينما لا تمثّل الواقع، وأن افلام الحروب لا تنقل الصورة الحقيقية للموت والحياة

العدد 15 - الجمعة 20 سبتمبر 2002م الموافق 13 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً