واصل لبنان اشغال جر المياه من نهر الوزاني إلى القرى الحدودية العطشى إلى المياه، وواصلت اسرائيل تشددها حيال المشروع اللبناني الرامي إلى الافادة من مياه النهر كما واصلت محاولات تحويلها القضية إلى نزاع يحتاج إلى مفاوضات سياسية، وهو الأمر الذي يرفضه لبنان، بسبب خشيته من أن تقوم الولايات المتحدة باقتراح قرار يقضي بالمعالجة الشاملة للوضع في الجنوب اللبناني، لا سيما في ما يخص تكريس منطقة مزارع شبعا ارضا غير لبنانية، وفرض ارسال الجيش اللبناني إلى الخط الحدودي.
لأجل ذلك، هللت الصحف العبرية لدخول واشنطن على خط الازمة. في وقت اقترب الموقف الاميركي من الطلب الاسرائيلي لناحية تكثيف الاتصالات مع لبنان، ومحاولة نقلها من المستوى التقني القائم، اي العمل الاستطلاعي الذي تقوم به الوفود الاميركية، إلى المستوى السياسي الذي يقول لبنان انه لا يقبله. وتحدثت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن جولات اضافية لخبراء اميركيين في الاسبوع المقبل. لكن الابرز هو اجماع المحللين الاسرائيليين على ضرورة تفادي فتح جبهة جديدة، فحسب «جيروزاليم بوست» انه في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحرب الاميركية على العراق، قرر لبنان، فجأة ان يعيد تحريك الملف الاخطر في الشرق الاوسط: المياه.
واذ تحدث وزير الخارجية الاميركي كولن باول للمرة الأولى، عن الملف، وقال انه اجرى محادثات مع نظيره الاسرائيلي شمعون بيريز عن الموضوع. واضاف: «لدينا خبراء يفحصون الوضع وطبيعة التحويل من النهر، وسنرسل خبراء آخرين لاصدار حكم عما اذا كان ما يحدث يتلاءم مع القواعد والاتفاقات التي كانت سارية على مرّ السنين، وانا اتوقع ان يكون لدينا الحكم في المستقبل القريب». واوضح ان بلاده «تتفهم حساسية هذه المسألة ولا تستطيع ان ترى اية ازمة جديدة تتطور عن تحويل المياه من النهر». اعلن وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن أليعازر، وفي موقف تصعيدي جديد، «اننا لن نقف مكتوفي الايدي ازاء تحويل مياه نهر الحاصباني». وأوضح ان الوزير شمعون بيريز ونائبه نواح كينرتي «يبذلان جهودهما لاقناع الادارة الاميركية بصحة الموقف الاسرائيلي». واشار إلى ان بلاده تعول على الاتصالات التي تجريها الولايات المتحدة في هذا الصدد. معتبرا ان لبنان «كفّ منذ وقت طويل عن جر مياه إلى قرية مجاورة، ونحن نرى ان ما يجري هو بالغ الخطورة ولا يمكننا الموافقة عليه». اما الوزير الاسرائيلي دان ميرودور، فقال «ان الحكومة اللبنانية وليس حزب الله، هو الطرف الذي يقود المشروع، وليس هناك ما يدعونا إلى التنازل لأن ما يجري عملية سرقة للمياه، وأنا لا اقترح قرع طبول الحرب، وافترض ان نترك إلى الولايات المتحدة انهاء القضية بهدوء، وأن نتوقف نحن عن اطلاق التهديدات». وعلق رئيس الاركان موشي يعالون، على ما يجري بالقول: «لم يكن لحزب الله، علاقة بالامر، ولكنه قفز على العربة، والسؤال المهم هو ماذا يريد اللبنانيون، وهل هو امر محلي وصغير ام انه مشروع اقليمي يرمي إلى ضخ كميات هائلة من مياه الحاصباني».
وليس بعيدا عن هذه الاجواء، صعدت الصحف الاسرائيلية، من لهجتها تجاه لبنان، على رغم ان عينها على الحرب على العراق، ولا تريد من حكومتها ان يجرها حزب الله إلى فتح الجبهة الشمالية، كما نظرت جميعها بريبة إلى الموقف الرسمي اللبناني من ان هذه المسألة يجب ان تعالج في الامم المتحدة وليس عبر الولايات المتحدة. واذا وصفت «جيروزاليم بوست»، ما اسمتها «الاستفزازات اللبنانية» بأنها «ماكرة»، لفتت إلى انه في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحرب الاميركية على العراق، قرر لبنان، فجأة، ان يعيد تحريك الملف الاخطر في الشرق الاوسط: المياه. ورأت ان اصرار الحكومة اللبنانية على اعتبار مهمة الوفد الاميركي هي مهمة تقنية، وغير رسمية، يدل بوضوح على ان اللبنانيين متعطشون إلى الحرب وليس إلى المياه. (كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد رد على رسالة الاميركيين بأن «ضبط النفس يطلب من جنرال الحرب - شارون - المتعطش إلى الدماء وليس من اللبناني المتعطش إلى المياه») وحذرت من ان الامر عندما يتعلق بحماية مواردنا المائية، فإنه لا مكان للمستويات.
ورأت «هآرتس»، ان المشكلة مع لبنان ليست في كمية المياه التي يضخها، وإنما المشكلة تكمن في المبدأ. واذا لم تتحرك اسرائيل اليوم، فإن لبنان، قد يعمل في المستقبل على ضخ 50 مليون متر مكعب من مياه الوزاني وربما اكثر. ورأت ان مواقف الحكومة اللبنانية، والمواقف المعادية التي يطلقها رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود، لا تبعث على الاطمئنان. فمن الصعب تجاهل الانطباع بأن هذا العمل الاستفزازي اللبناني، يعتمد على دعم آلاف صواريخ الكاتيوشا التابعة لحزب الله، والموجهة صوب الحدود الشمالية، لافتة إلى ان حزب الله، لا يخفي استعداده لاستخدام هذه الصواريخ في حال ردت اسرائيل على الاستفزازات.
وأضافت الصحيفة العبرية، ان «اسرائيل»، ترغب في ان تحل هذه المسألة بطريقة سلمية، إلا انه لا يمكنها ان تقبل بعمل احادي، يؤثر سلبا على مصالحها الحيوية. واعربت «هآرتس»، عن املها في ان تنتهي الوساطة الاميركية، إلى حل تستطيع «اسرائيل» التعايش معه، ولاحظ ديفيد رودج في «جيروزاليم بوست»، ان لبنان ينظر بازدراء إلى جهود الخبراء الاميركيين لحل النزاع المتنامي على مياه الوزاني والحاصباني، وتعرض رودج، إلى تناقض في النظرتين اللبنانية والاسرائيلية إلى الموضوع. فإسرائيل تأمل ان تؤدي الوساطة الاميركية إلى حل دبلوماسي لنزع فتيل الوضع المتأزم، بشأن قضية المياه. بينما يعتبر لبنان ان الدور الاميركي لا يتعدى كونه مهمة تقنية. وفي السياق، كتب دانييل سوبلمن في «هآرتس» ان لبنان يعتبر الخطوة الاميركية تقنية وغير رسمية، وان هذه المسألة يجب ان تعالج عبر الامم المتحدة. لكنه نقل عن مصدر اميركي، ان الهدف من زيارة الخبراء الاميركيين للمنطقة هو حث الحكومتين الاسرائيلية واللبنانية، على ضبط النفس، وعلى حل هذه القضية عبر الحوار والمفاوضات.
وجاء زئيف شيف في «هآرتس» واضحا من حيث الاتجاه المتوقع لمصير قضية المياه المثارة حاليا حين حدّد سقف الازمة، اذ قال: «ان ردة الفعل الاسرائيلية لن تمليها فقط الاعتبارات المائية. وان العنصر الاساسي في ردة الفعل الاسرائيلية سيكون عدم رغبة اسرائيل في اشعال المنطقة عشية حملة عسكرية اميركية محتملة ضد العراق مضيفا ان عددا كبيرا من المسئولين الاسرائيليين «يعتبر ان اسرائيل يجب ان تمتنع عن اتخاذ اجراءات على الحدود الشمالية قد تتسبب في نزاع عسكري»
العدد 15 - الجمعة 20 سبتمبر 2002م الموافق 13 رجب 1423هـ