لا شك في أن الاعمال التجارية والخدماتية والصناعية يستهدف القائمون عليها من القطاع الخاص الحصول على الرزق مع الربح. ولولا وجود الربح فإن رأس المال يتناقص ويهرب من البلاد. غير أن افضل وسيلة لجني الارباح - فيما لو تخلى المرء عن مسئوليته الاجتماعية والانسانية - هي استعباد الآخرين، أو تسخيرهم للخدمة المجانية بطريقة من الطرق. فالاستعباد أو السخرة هما افضل وسيلة لجني الارباح، ولذلك فإن التجارة الحرة بصورة مطلقة هي ايضا شر على الانسانية.
وعلى هذا الاساس توضع الضوابط التي توفر الرزق والربح ولكن من دون ان تسمح إلى ذلك باستعباد الناس الآخرين. على ان هذه الضوابط التي كانت محلية في يوم من الايام أصبحت، وبفضل الحركة الانسانية العالمية، موضوعا رئيسيا يطرح في المحافل الدولية.
وعلى اساس ذلك، فإن شركات كبرى في العالم تخاف على سمعتها فيما لو قيل انها تستورد منتجاتها من بلد تستخدم فيها الاطفال في المصنع أو المزرعة، وتخاف تلك الشركات فيما لو قيل انها تستخدم موادا تضر بالبيئة، وتخاف تلك الشركات فيما لو قيل إنها تتعاون مع نظام دكتاتوري لضمان احتكارها لنشاط اقتصادي معين. وهذه الشركات بدأت ايضا تكتب على منتجاتها أن ما تقدمه إلى الزبائن تم اعداده أو استخراجه أو تصنيعه بوسائل غير ضارة بالبيئة، أو تضيف عبارات اخرى تشير إلى انها بريئة من كل ما قد يقال عنها.
وفيما لو ثبت ان واحدة من الشركات قامت بأمور مخالفة للانسانية، فإن الحركات الاجتماعية سرعان ما تشهر بها وتدعو إلى مقاطعتها.
واذا كان هذا الامر يدور في بعض البلدان المتطورة اقتصاديا، فلماذا لا نلتزم نحن في بلداننا المتطورة من الناحية الدينية والاخلاقية؟ لماذا نسمح بتحويل المواطنين إلى أذلاء على اساس ان الاجنبي «ارخص»؟ لماذا نسمح بوجود بطالة كبيرة تطال حملة الشهادات العليا، بينما لا نتوقف ولو ليوم واحد عن استقدام الآخرين لملء وظائف يستطيع ابن البلد القيام بها؟ هل افتقدنا الانسانية والاخلاقية وهل غيرنا من الشعوب افضل منا؟
لعل المشكلة متداخلة بين الاقتصادي والسياسي، والثقافي. فمن الناحية السياسية ادت الحركات المطلبية البحرينية ومنذ 1938 إلى الاعتماد على الاجنبي الذي لا يطالب بالحقوق. كما ان مرض التمييز الطائفي والعنصري تسلل إلى عقليات كثير منا، وأصبحت هناك ثقافات مريضة تبرر التمييز... سواء كان ذلك التمييز ضد فئة من المواطنين أو ضد فئة من الوافدين. غير ان الحقائق تشير إلى ان الوضع الاقتصادي لا يتحسن فيما لو اعتمدنا على الاساليب غير الانسانية. ولو كان الامر كذلك لأصبحنا اكثر تقدما من الدول المتقدمة. وحتى لدينا دول صغيرة، مثل سنغافورة، يزيد معدل دخل الفرد وانتاجيته فيها على معدل ما هو متوافر في جميع الدول الخليجية، وهم (السنغافوريون) لا يذلون مواطنيهم.
كما ان اعتماد هذه السياسات لم يخدم الحالة السياسية ولم يحقق اي استقرار ودليل ذلك ما حصل لبلادنا في السنوات الماضية.
مسئوليتنا جميعا ان ندافع عن حقوق بعضنا الآخر وعند ذلك سيرتفع دخل الفرد وترتفع قيمته الانسانية، وتتعزز حقوقه، ونبدأ بعد ذلك بمنافسة الامم الاخرى
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 14 - الخميس 19 سبتمبر 2002م الموافق 12 رجب 1423هـ