المصادقة على اتفاقية باريس حول تغيّر المناخ تؤشّر إلى عصر جديد، تحكمه قواعد مختلفة عما كان سائداً من قبل. قبل مؤتمر باريس العام الماضي، كان البعض يراهن على أن الاتفاق لن يحصل، والنتيجة كانت توقيع 200 دولة، بما فيها الملوثان الأكبران الولايات المتحدة والصين.
استمرت بعض الأصوات تشكك في دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، الذي يحتاج إلى مصادقة الهيئات الرسمية في ما لا يقل عن 55 بلداً، تشكّل 55 في المئة من مجمل الانبعاثات. لكن هؤلاء كانوا مخطئين مرة أخرى، إذ تجاوزت المصادقات هذه النسبة، قبل الموعد المحدد بأسابيع، ما يعني أن الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. هكذا، حين يلتقي زعماء العالم في قمة المناخ الثانية والعشرين في مراكش الشهر المقبل، يستطيعون لأول مرة البحث الجدي في سبل تنفيذ الاتفاق، لا في آليات التوقيع والمصادقة.
للتذكير، نصت اتفاقية باريس على خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بما يضمن عدم ارتفاع معدل الحرارة العالمية فوق درجتين مئويتين، مع محاولة حصرها في درجة ونصف الدرجة قبل نهاية القرن. وإذ لم يلحظ الاتفاق عقوبات محددة على البلدان التي تتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها، نص على مراجعة التقدم كل 5 سنوات، وذلك لاتخاذ التدابير الضرورية للمعالجة.
نحن نعتقد أن في اتفاقية باريس ما يكفي من القيود للدفع في اتجاه تطبيقها؛ لأن الدول المتقاعسة ستتحول إلى دول منبوذة، اقتصادياً وإنسانياً. فالاتفاق أعطى إشارة واضحة إلى القطاع الخاص، الذي كان سريعاً في الاتجاه نحو تنويع الاستثمارات، وخاصة في مجالات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. كما أصبح «الاقتصاد الأخضر» شعاراً مقبولاً في كل مكان، وسياسة معتمدة في كثير من الدول.
من مندرجات الاتفاقية إنشاء صندوق لتمويل حاجات الدول النامية في مجال التصدي لتغيّر المناخ، يبدأ بمئة بليون دولار سنوياً، ويرتفع ابتداء من سنة 2020. ولا بد أن القطاع المصرفي وصناديق التمويل الدولية ستضع الاعتبارات المتعلقة بتغيّر المناخ في طليعة شروطها عند دراسة طلبات القروض والهبات. هكذا، لن يستطيع أحد الهروب طويلاً من تبعات الالتزام بمسارات جديدة في التنمية، من ضمن التصدي لمتطلبات تغيّر المناخ.
ولكن هذا الالتزام لا يعني قيوداً فقط، بل هو يفتح المجال لفرص جديدة. وهذا ما استشرفته الصين والولايات المتحدة، اللتان لم توافقا على اتفاق باريس كعمل خيري، بل لأنهما وجدتا فيه فرصة. فالسبب الرئيسي لانبعاث الغازات الكربونية يرجع إلى حرق الوقود الأحفوري، أكان نفطاً أو غازاً أو فحماً حجرياً، كمصدر للطاقة. والطاقة عماد التقدم الصناعي والتطور ورفاهية المجتمعات، وهذا لم يتغير. ما تغيّر أنه تم تطوير تكنولوجيات لكفاءة الطاقة وإنتاج الطاقة من مصادر متجددة ونظيفة، ما يسمح بتعزيز فرص التقدم والنمو الاقتصادي مع تخفيض الانبعاثات.
بينما كان البعض يراهن على عدم التوصل إلى اتفاقات جدية للحد من الانبعاثات المسببة لتغيّر المناخ، كانت أكثر الدول تلويثاً تطوّر بدائل نظيفة، وعندما أصبحت جاهزة، بادرت إلى التوقيع. لن يتضرر اقتصاد الولايات المتحدة والصين بسبب اتفاق تغيّر المناخ، بل سيستمر بالتقدم باعتماد بدائل لإنتاج الطاقة وتخفيض الانبعاثات عن طريق الكفاءة. وفوق هذا، سيبيعان التكنولوجيا إلى الدول الأخرى. والصين اليوم أكبر منتج ومصدِّر للألواح الشمسية في العالم.
وعدا عن الوجه الاقتصادي، هناك بعد أخلاقي يحتم الالتزام بالمساعي الدولية للحدّ من آثار تغيّر المناخ، التي تهدد الوجود البشري ذاته، بسبب الجفاف وتدهور إنتاجية الأراضي وازدياد شح المياه وارتفاع مستويات البحار، إلى الأعاصير والفيضانات في بعض المناطق. وإذا لم تتم مساعدة السكان المحليين في مناطق العالم الفقيرة على مواجهة آثار تغيّر المناخ، سيأتي يوم يجتاح فيه «لاجئو المناخ» العالم.
بعد كل هذا، من المستغرب أن بعض الدول العربية لم توقِّع بعد على اتفاقية باريس، ناهيك عن التلكؤ في المصادقة عليها. البعض تأخر في استشراف التحولات الحتمية، ولم يستعد بالتالي لتغيير سلس. ولكن القرارات الصحيحة جيدة دائماً، ولو جاءت متأخرة. وبرامج تنويع الاقتصاد وترشيده في كثير من دول المنطقة خير دليل على ذلك، وإن كانت بعض تبعاتها موجعة.
إقرأ أيضا لـ "نجيب صعب"العدد 5156 - الثلثاء 18 أكتوبر 2016م الموافق 17 محرم 1438هـ
اكبر متضرر من هذه السياسة دول الخليج التي تعتمد ميزانياتها الأساسية على بيع النفط الاحفوري والغاز الطبيعي
ومع ذلك ومع عدم وجود آليات محاسبة او عقاب للدول الكبرى كالصين والولايات المتحدة
لن يتم التنفيذ الفعلي لاتفاقية باريس الا اذا كانت داعمة او لم تتعارض مع مصالح الدول الكبرى
ولا يزال الوقت مبكرا لاحلال الطاقة النظيفة مكان النفط والغاز وان كانت التحركات عمت دول العالم المحتاجة لهذه المصادر والمفتقرة لها حتى ما تظل بحاجة للنفط من الدول النامية وتعتمد ذاتيا على نفسها
(عبدالعزيز الجار).
المشكلة تكمن بأن الناس غير مهتمة بهذه المواضيع أبداً ولا تفكر في المستقبل ولا تفكر بأن السبب الرئيسي لإرتفاع درجة الحرارة هو الأحتباس الحراري