للتشريع قيمته اﻻستراتيجية في تنظيم العلاقة مع معالم النظم البيئية، وفي بناء منظومة الأدوات وآليات الرقابة والتفتيش والإدارة البيئية، وللإرادة التشريعية فعلها المباشر في صناعة وإقرار النظام التشريعي المختص في رعاية وصون النظام البيئي وتنمية معالمه الطبيعية، وعندما نتحدث عن الإرادة التشريعية، فنحن نشير الى الموقف الواعي للمجالس البرلمانية، والمستوى المُؤسس في التأهيل التعليمي وقدرات البرلماني وإمكاناته في بناء مقومات الإرادة التشريعية، التي يُمكنها أن تعبر بصدق عن الإرادة الشعبية، وتُؤسَسَ الإرادة التشريعية على قاعدة الوعي، وفهم ضرورات بناء القرار التشريعي المُؤسَس في مقومات بنائه القانوني، وشمول معالجاته مفاصل متطلبات حماية البيئة، والمشكلات ذات العلاقة المرتبطة بواقعها، ذلك يؤكد ضرورة توافر المؤهل التعليمي والجاهزية والقدرات المهنية والمعرفية لعضو المجلس التشريعي، للتمكن من تفعيل مؤسسات العمل في بناء وإنجاز مشروع نظام التشريع الوطني البيئي.
الفهم المسئول في التزاماته بضرورات تعزيز الإرادة التشريعية في إنتاج القرارات المُؤسسة في استراتيجية بنائها وأهدافها، وتعزيز المسئولية في جوهر مضمونه يُؤسس واقع بناء مقومات خريطة الطريق في تعزيز نهج الإرادة التشريعية الواعية وتفعيل المبادرات في تقديم المقترحات المُؤسسة في مقوماتها لبناء التشريع البيئي الشامل في مفاهيم معالجته القانونية ومناهجه التشريعية في صون معالم النظام البيئي، وتنميتها وتحقيق الأهداف العصرية للتنمية المستدامة، وفي مقابل ذلك عدم توافر مؤسسات الإرادة التشريعية الواعية المُؤسَسَة في مواقفها المفيدة في اقتراح الجديد من الأفكار، وفي تقويم مسار المشاريع الوطنية، يتسبب في تراجع المشاريع التنموية في جوهرها العام التي يمكن أن تعزز بناء التشريع الوطني البيئي وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
القراءة المتمعِّنة في حيثيات مواقف عدد من البرلمانيين، ومبادرات مقترحات مشاريع التشريع البيئي المقدمة إلى البرلمان تشير إلى أن هناك قناعة بضرورة بناء تشريع بيئي ينظم إجراءات صون معالم النظم البيئية، ويؤسس المبادئ الرصينة في شأن العلاقة الرشيدة مع الثروات الطبيعية ونظام إدارتها وصونها، ويقنن المسئولية والالتزامات البيئية والعقوبات المنظمة لآلياتها، ومناهج تنظيم آلية الرقابة والتفتيش والإدارة البيئية، وأن تكون قواعده القانونية مصدراً للمرافعات القضائية في معالجة وبيان مفاصل المخالفات البيئية، والعقوبات القانونية المترتبة على مرتكبيها، ومسئوليات إزالة الأضرار المتسببة في تدهور معالم النظام البيئي وإعادة تأهيل النظم البيئية.
الثوابت تؤكد حقيقة اﻻستنتاجات بشأن قناعة الإرادة التشريعية في التوجه بتحريك سواكن العمل البرلماني، والتفكير المُؤسَس في مناهج توجهاته في العمل على دراسة خطة منهجية في اﻻستفادة من الخبرات الوطنية في صياغة مشروع قانون صون النظام البيئي في مملكة البحرين، ووفق المعلومات المتوافرة لدينا بحكم التخصص، وتعاوننا مع مجلس النواب في إطار نشاطنا المهني في الشأن البيئي، يمكننا تأكيد أن هناك عدداً من مشاريع القوانين الخاصة بالبيئة، وجرى تزويد جمعية البحرين للبيئة بنسخ منها لإبداء الرؤية القانونية بشأنها، وتتمثل تلك المشاريع في (مشروع قانون بشأن البيئة، ومشروع قانون بشأن إعادة استخدام وتدوير الموارد المتجددة، ومشروع قانون بشأن الوقاية من المواد المشعة، ومشروع قانون بإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة التلوث البحري)، كما تواصل معنا عدد من النواب في دورات مختلفة منذ عودة الحياة البرلمانية في المرحلة الحديثة للتطور السياسي والديمقراطي في مملكة البحرين، وعلى رغم ما جرى تقديمه من مقترحات لم نشهد تبني حلول عملية تساهم في تفعيل الإرادة التشريعة في تبني قرار يفضي الى تصحيح القصور في التشريع البيئي.
التفاعل النيابي في شأن صياغة وإقرار قانون صون النظام البيئي يشهد مدّاً وجزرا، وفي سياق ذلك جرى التواصل معنا حديثاً من قبل أحد النواب للاستشارة واﻻستفادة من خبراتنا للمساهمة في تحريك العمل البرلماني، وتفعيل الجهود بشكل منهجي ومنظم في وضع خطة لصياغة مشروع قانون صون النظام البيئي، ونرى أنه لتحقيق ذلك ينبغي بادئ ذي بدء أن يصدر البرلمان قراراً بتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص وأعضاء البرلمان تتولى الإعداد لورشة عمل تخصصية، تتمحور مهامها وأهدافها في بناء المخرجات ووضع الاتجاهات المنهجية في بناء خريطة الطريق في إنجاز مهام صياغة قانون صون النظام البيئي، يتولى اﻻشراف على تنظيمها مجلس النواب والمجلس الأعلى للبيئة بالتعاون مع وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني، ويشارك في أعمالها المختصون في التشريع واﻻدارة البيئية وممثلون من المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني ذات العلاقة بالشأن البيئي والمجالس البلدية والبلديات الى جانب الشركات ومؤسسات القطاع الخاص الكبرى (بابكو، ألبا، أسري، جيبك)، والتعاون مع المنظمات الدولية واإقليمية (برنامج الامم المتحدة للبيئة «UNEP» والمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية « Ropme) والمنظمات الدولية ذات العلاقة للاستفادة منها في عرض مرئياتها في شأن الأسس المنهجية لبناء التشريع البيئي.
البحرين تمتلك رزمة من القوانين والأنظمة والقرارات الإجرائية ذات العلاقة بالشأن البيئي من أهمها (المرسوم بقانون رقم ( 21 ) لسنة 1996 بشأن البيئة، والمرسوم بقانون رقم (2) لسنة 1995 بشأن حماية الحياة الفطرية، والمرسوم بقانون رقم (5) لسنة 1981 بشأن تظيم صيد الأسماك، والمرسوم بقانون رقم (11) لسنة 1991 بشأن الصرف الصحي وصرف المياه السطحية، والمرسوم بقانون رقم (6) لسنة 1984 بشأن تنظيم الصناعة) وغيرها من القوانين والإجراءات، بيد أن هذه المنظومة من القوانين تفتقد التنسيق، ويمثل تعددها قصوراً تشريعيّاً، كما أن قانون البيئة الرئيسي المنظم لاجراءات حماية البيئة، يتميز بالقصور في قواعده القانونية، ولا يواكب التطور الحديث للتشريع البيئي والمشكلات البيئية المتصاعدة آثارها، ويتسبب ذلك القصور في إحداث خلل قانوني، وإعاقة مهمة تطبيق القواعد والاجراءات المحددة في تلك الأنظمة والقرارات، وفي صعوبة فهمها وتشتيت جهود تفعيل اجراءاتها من قبل الأجهزة الرقابية للإدارة البيئية، وإعاقة مهام اجراءات المرافعات القضائية في معالجة المخالفات البيئية، كما أن تلك الأنظمة تفتقد المرجعية القانونية المنظمة لآلياتها الاجرائية ما يؤدي إلى نقص وخلل في تفعيل جهود حماية البيئة وتنميتها.
أخذاً في الاعتبار المعطيات والحقائق التي جرى تبيين واقعها وبعدها التشريعي، نعتقد أن هناك ضرورة ملحة إلى تشكيل لجنة مختصة لصياغة قانون صون النظام البيئي وعرضه على الجهات الحكومية والشركات المعنية لإبداء ملاحظاتها، والأخذ بمقترحاتها قبل الصياغة النهائية للقانون ورفعه إلى مجلس النواب لإقراره.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5154 - الأحد 16 أكتوبر 2016م الموافق 15 محرم 1438هـ