يكتسب موضوع الاصلاح الاداري في سورية اهميته من كونه فرصة لاعادة بناء الدولة وتجديدها. وهو من بين الموضوعات الملحة، التي جرى الحديث عنها في العامين الماضيين، وتم تناولها على اكثر من صعيد رسمي وشعبي وحزبي، كما طرحتها الصحافة السورية بسويات مختلفة ومتعددة. توج الرئيس السوري بشار الاسد الاهتمام بموضوع الاصلاح الاداري في اجتماع عقده مع كبار المسئولين السوريين الشهر الماضي بالتأكيد على ضرورة تحقيق تقدم في الموضوع خلال الاشهر الثلاثة المقبلة وخصوصا في انجاز اعادة هيكلة وتنظيم مؤسسات الدولة.
وعلى رغم اهمية موضوع الاصلاح الاداري وخطورته، فقد تم تناول الموضوع من جانب بعض المستويات بصورة تراوحت بين استسهال تحقيق الامر، وصعوبة ذلك، ولكل موقف اسبابه ودواعيه ومبرراته التي تتناول الاصلاح الاداري من جوانب مختلفة، تشمل في الاهم منها اعادة هيكلة وتنظيم المؤسسات، وتطوير الكادر الاداري. ولا شك في ان الجانب الثاني، هو المنطلق الاساسي في عملية الاصلاح، اذ سيكون منوطا به تنفيذ خطط الاصلاح واجراءاته بما في ذلك اعادة هيكلة وتنظيم المؤسسات الاقتصادية والخدمية.
ان الاهم في عملية الإصلاح، يتمثل في اصلاح وتطوير الكادر الاداري، لكن عملا بهذا الاتجاه سيحتاج سنوات طويلة - بحسب احدى وجهتي النظر - للخلاص منه بسبب ما اصابه من فساد مرتكز إلى خلفيات اقتصادية واجتماعية وسياسية، تكرست على مدى العقود الماضية في الادارة ومفاصلها المختلفة.
غير انه لا يمكن الانتظار طويلا من اجل تحقيق الاصلاح الاداري والمنشود - بحسب وجهة النظر الاخرى - وخصوصا في واقع الجهاز الاداري، مما يتطلب خطوات عملية، تكون في الوقت ذاته فترة معالجة واختبار معا في الاصلاح الاداري وامكاناته، وهذا يعني امكان قيام القيادة بالتدقيق في خططها الموضوعة، واجراء تعديلات عليها بصورة عاجلة بدلا من الانتظار فترة اطول.
والحق، فإن في وجهة النظر هذه ما يستحق الانتباه، خصوصا وان خطة الاصلاح في الادارة، تترافق مع اجراءات عملية من بينها اعادة تجديد الادارة برفد الادارات الحكومية بكوادر جديدة تحل محل الكوادر القديمة ممن تجاوزت اعمارها سن التقاعد، وبقيت متمسكة بمناصبها الادارية بتمديد الخدمة نتيجة اسباب متعددة.
وبحسب التقديرات فإن نحو 70 إلى 80 ألف موظف في الدائرة الرسمية سيتركون وظائفهم بعد قرار الحكومة انهاء خدمات كل من تجاوزت اعمارهم الستين عاما، وهذا سيؤدي حسب التقديرات «إلى تقاعد اكثر من 70 في المئة من المديرين العاملين ومعاوني الوزراء «بينهم اكثر من 14 مديرا في مصرف سورية المركزي وحده».
كما ان بين الاجراءات التي ستساعد في خطة اصلاح الكادر الاداري، تطبيق مبدأ تقييم عمل الادارات والمدراء والكوادر العليا، وهو اجراء جديد لجأت اليه الحكومة في العامين الماضيين، وبفعل هذا الاجراء الذي تم تطبيقه بسويات مختلفة وغير شاملة، تم اعفاء بعض الكوادر الادارية، أو نقلها إلى مواقع اخرى.
ولوحظت مثل هذه السياسة في وزارة الخارجية، اذ تم في العام الماضي اعفاء بعض السفراء ونقل آخرين بعد عام واحد من تعينهم في مناصبهم، كما جرى تطبيق هذه السياسة في التعديلات التي تمت في مارس/آذار الماضي في تعيين ونقل المحافظين، فتم نقل بعضهم واقالة آخرين.
أما الاجراء الثالث الذي يمكن ان يساعد، فتمثله سياسة الحكومة في مكافحة الفساد، التي تم في اطارها اقالة اعداد من كوادر وموظفي الجهاز الاداري بينهم مدراء عامون في مؤسسات اقتصادية ومرفقية، تم الكشف عن ضلوعهم في الفساد والتورط في عمليات مخالفة للقانون. امتدت هذه الاجراءات إلى كوادر في وزارة الداخلية، اذ جرى تسريح 23 ضابطا، تتراوح رتبهم بين نقيب وعميد نتيجة مخالفات قانونية ومسلكية بينهم اصحاب مناصب مسئولة في الوزارة وفي قيادات جهازي الامن السياسي والشرطة في المحافظات السورية، وخصوصا في محافظة السويداء.
واذا كانت هذه العوامل، يمكن ان تساعد في انجاز اصلاح واقع الكادر الاداري، فإن انجاز هذا الهدف في اطار عملية الاصلاح الاداري الشامل، يحتاج إلى ما هو اكثر، ولعل الاهم فيما يحتاجه اعادة النظر إلى المعايير، ولا سيما المعايير السياسية في اختيار الكوادر الادارية، بمعنى اسقاط شرط الانتماء إلى الحزب الحاكم، ووضع سياسة جديدة للاجور، والتعويضات، وتفعيل وتطبيق النصوص القانونية في التعامل مع الواقع الاداري وخروقاته، وتنشيط عمل الجهاز القضائي وضمان نزاهته، اضافة إلى تنفيذ سياسة تنمية ادارية مستمرة، واجبار الكوادر الادارية على الانخراط فيها.
ومما لا شك فيه، ان تحقيق انجازات في اصلاح الكادر الاداري بالمعنى الدقيق للكلمة، يمكن ان يكون قوة فعالة في استكمال الجوانب الاخرى، ولا سيما اعادة هيكلة وتنظيم المؤسسات. والاثنان معا سيؤديان إلى تجديد بناء الدولة وتحديثها، ما يساعدها على الخروج من مشكلاتها، التي تراكمت على مدار سنين وكان بينها الفساد الاداري الظاهر
العدد 13 - الأربعاء 18 سبتمبر 2002م الموافق 11 رجب 1423هـ