مرة أخرى يستغل أحد المسئولين منصبه ليحتال على الناس ويلعب بمصالحهم ويهرب من البحرين. واللعب بالمال العام له مسبباته الكثيرة إذ تتوافر فرص التلاعب لكل مسئول في الأجهزة العامة، لا سيما تلك المناصب الحساسة مثل مناصب وزارة الداخلية التي عادة ترتبط بالسرية التي تعطي صاحب المنصب صلاحيات استثنائية يمكن استغلالها - بكل بساطة - من أجل المصلحة الخاصة، حتى لو كان في ذلك إيذاء للنّاس أو نهب لأموالهم.
المفترض من أي شخص يستلم منصبا عامّا ولديه صلاحية اتخاذ القرارات ان يجعل الصالح العام نصب عينيه وأن يثبت لنفسه أولا، ولدائرته المحيطة به ثانيا وللمجتمع ثالثا أنه مارس دوره العام من دون أن يربح ماليا ومن دون أن يربح أقاربه أو المقربون ماليا من القرارات التي اتخذها.
كما يفترض في الشخص أيضا ألا يمارس نشاطا تجاريا أو أي نشاط آخر من الممكن أن يؤثر على مكانته واستقلاله... فالشخص المحتاج إلى تمرير معاملاته التجارية الخاصة سيستخدم منصبه العام لتسهيل تلك المعاملات.
والمسئول العام يجب أن يمارس أعماله فيما يخص تعيين الأشخاص ومنح المناقصات وتحديد مصدر المشتريات على أساس الكفاءات والميزات لا على أساس المحسوبية أو المنسوبية أو المصلحة الخاصة.
والمسئول يجب أن يكون مخلصا لوظيفته العامة وأن يعلن على الملأ أي مصلحة خاصة قد تتعارض وقيامه بدوره العام، لكي يتسنى لجهات مسئولة أخرى اتخاذ القرارات المعنية لفصل المصالح العامة عن المصالح الخاصة.
والمسئول يجب أن يتعامل مع الآخرين بشفافية ويسمح بالتحريات الاعتيادية والأسئلة والاستفسارات من عامة الناس ومن الجهات المختصة، حسب ما يمكنه ذلك، مع عدم إفشاء أسرار الدولة أو أسرار المهنة.
ولكي يستطيع المسئول ممارسة دوره على الوجه المطلوب، فإن الخبرة الإنسانية اوصلتنا إلى الوسائل الديمقراطية الحديثة.
هذه الوسائل الحديثة تتنوع وتتعدد ولكن أهمها وجود البرلمان القادر على مراقبة ومحاسبة المسئولين ووجود ديوان محاسبة ووجود شركات متخصصة لتدقيق النشاطات والإجراءات والحسابات وغيرها.
ولا غنى لأي دولة في العالم - إذا كانت تريد السلامة لنفسها - عن تأسيس وتمكين الوسائل المتطورة للحفاظ على اموال الدولة، ولمراقبة الإدارة العامة وحماية الصالح العام.
إلا أن نقطة مهمة ومحورية لا بد من توافرها أيضا لكي تتحقق الفاعلية المطلوبة للوسائل الحديثة المذكورة أعلاه... تلك هي مسألة حكم القانون واستقلال القضاء وإنزال العقوبات. وليس من المستغرب أن يوجد في أي مجتمع من يستغل منصبه، ولكن المستغرب هو ألا يتم ردع من يستغل منصبه بحيث «يتأدب» غيره، ولا يتجرأ أحد على التلاعب.
لقد حان الوقت لتأسيس الأنظمة المطلوبة لحماية المال العام وحماية المواطن من سوء استغلال السلطة... ومثل هذه الأنظمة لا تعني التعدي على الحياة الخاصة بالمسئولين، وإنما تعني وجود الهيئات الفاعلة والقادرة على المحاسبة.
في بريطانيا قبل عدة أعوام سجن وزير متقدم في منصبه لأنه ثبت ضده استلام عمولات أثناء عمله كمسئول عن مبيعات الأسلحة في وزارة الدفاع، وتمت معاقبته بواسطة المحكمة التي استلمت الدعاوى واستطاعت تثبيت شيء بسيط ضده وحكمت عليه بالسجن لسنة واحدة. النقطة المهمة هنا هي عدم وجود شخص فوق القانون وأن الجميع كان يؤمن بعدالة القضاء واستقلاله.
قد لا نستطيع تحقيق كل ما نريد بالسرعة التي يودها غالبية الناس، ولكن بالتأكيد نستطيع أن نبدأ المسيرة، والمهم في كل الأمر ليس الملاحقة المهووسة لكل شخص توجد ضده «إشاعات»، وإنما الأهم من ذلك هو العبرة وشعور الجميع بأن الذي يعتدي على المصالح العامة لا يستطيع أن يأمن على نفسه من المحاسبة والعقاب
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 13 - الأربعاء 18 سبتمبر 2002م الموافق 11 رجب 1423هـ