قبل أكثر من 6 عقود وعلى امتداد 3 سنوات (1954 - 1956) كانت الحركة السياسية الشعبية التي أطلقت على نفسها في البداية «الهيئة التنفيذية العليا»، ثم تغير هذا الاسم لتطلق على نفسها «هيئة الاتحاد الوطني»، كانت تلعب دوراً مهماً في مستقبل البحرين حينذاك، فكان لها دور محلي سياسي واجتماعي وثقافي، ومازال الجيل الذي عايش الهيئة يتذكر منجزاتها حتى اليوم.
ولكن دورها لم يقتصر على البحرين فقط، فقد كان لها حضورها العربي والعروبي، والمتمثل في التفاعل مع القضايا العربية والقومية، هذا فضلاً عن القضايا المحلية بطبيعة الحال.
وبالنظر لدورها ومكانتها ليس على صعيد البحرين فقط، إنما في عموم المنطقة كانت على تواصل مع المحيط العربي على الصعيدين الشعبي والرسمي، كما كانت على تواصل مع بعض قادة الدول، وكانت تحظى باهتمامهم ولها مكانة عندهم. ومن بين الزعماء الذين تواصلت معهم الهيئة: الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز آل سعود، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وكدليل على التواجد الحيوي للهيئة وعلى هذا الحضور القوي والمعترف به محلياً وعربياً وفي هذا الخصوص بالذات، يمكن الاشارة الى ما جاء في احد بياناتها/ نشراتها قبل 60 عاما، والذي تخبر فيه جماهيرها انها ابرقت للملك سعود بن عبدالعزيز البرقية التالية: انه «بتاريخ 24 يونيو 1956 ابرقنا الى جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود المعظم البرقية التالية:
«جلالة الملك سعود - الرياض
يا صاحب الجلالة، إن شعب البحرين عامة والحجاج منه على وجه الخصوص، يلتمسون من جلالتكم إلغاء ضريبة الحجز الصحي عنهم اسوة بإخوانهم الكويتيين والقطريين، أدام الله جلالتكم ذخرا وعزا للعرب والمسلمين»، هيئة الاتحاد الوطني.
ورداً على هذه البرقية تضيف الوثيقة/ البيان المعلومات التالية:
«وتلقينا من جلالته (الملك سعود) البرقية التالية:
الرياض 29 عدد 32608 هيئة الاتحاد الوطني- البحرين
جوابا على برقيتكم ان جلالة الملك يعتبر اهل البحرين كإخوانهم السعوديين، وقد أمر جلالته بإعفاء حجاجهم وإجراء التسهيلات اللازمة لهم».
الإمضاء
رئيس الديوان الملكي.
وبسبب استجابة الملك سعود لطلب الهيئة أخطرت الهيئة جماهيرها بالتالي:
«بعثنا لجلالته بالبرقية التالية:
صاحب الجلالة الملك سعود - الرياض
استلمنا برقية جلالتكم وباسم شعب البحرين نرفع عظيم امتنانا وجزيل شكرنا، سائلين المولى الكريم ان يطيل عمركم ويكلل اعمالكم بالتوفيق لخدمة العرب والاسلام.
هيئة الاتحاد الوطني».
اما فيما يتعلق باتصالاتهم بالرئيس جمال عبدالناصر فتشير الوثيقة/ البيان إلى التالي:
«بعثنا لسيادة الرئيس البرقية التالية:
سيادة الرئيس الجليل جمال عبد الناصر - القاهرة
يسر شعب البحرين ان يرفع تهانيه القلبية لسيادتكم بهذا الفوز المبين (الانتصار على العدوان الثلاثي 1956)، سائلا المولى القدير ان يحقق آمال الامة العربية جمعاء، ويلتمس منكم ان تكملوا ما بدأتموه. عاشت مصر وعاش العرب.
هيئة الاتحاد الوطني».
وردا على برقية الهيئة جاء في وثيقة الهيئة التالي:
«وتلقينا من سيادته البرقية التالية:
السادة اعضاء هيئة الاتحاد الوطني- البحرين
اشكركم على رقيق تهانيكم ونبيل شعوركم، وأبعث إليكم اطيب تمنياتي.
جمال عبد الناصر».
بالإضافة إلى ما سبق، فقد أشارت الوثيقة إلى بضعة أخبار تتعلق بأنشطة الهيئة، وهي تخبر المواطنين وتحيطهم علما بذلك، وقد جاءت الأخبار كالتالي:
الخبر الأول: «اتمت اللجنة الثقافية اختبار الطلاب الذين ستقوم الهيئة بإيفادهم الى مصر للدراسة العالية».
الخبر الثاني: «تشكلت 3 لجان رئيسية وستتفرع لجان فرعية لجمع الاشتراكات من المواطنين».
الخبر الثالث: «لاتزال الصحف العربية والأجنبية تواصل نشر أخبار حركتنا وتطوراتها، وقد نشرت جريدة كفاح المغرب العربي جميع المقالات الرئيسية المنشورة في بياننا رقم واحد».
كلمة أخيرة
لاشك في ان هذه الوثيقة وغيرها تعطي الدليل القاطع على ان هيئة الاتحاد الوطني، كانت تمثل حالة شعبية عامة في منتصف خمسينات القرن الماضي، وكانت تحظى بقبول ودعم شعبي عابر للطوائف وهذه هي الميزة الاولى، والشيء الاهم كذلك هو انها كانت تحظى بقبول عربي واسع وتقدير لجهودها ومواقفها ومطالبها المشروعة وهذه هي الميزة الثانية، وما استجابة الملك سعود لطلب الهيئة من جهة، وتمنيات الرئيس عبدالناصر لها، الا مثالا على قبول وتقدير وتثمين من قبل هذين الزعيمين -لاكبر دولتين عربيتين- لدور الهيئة في تقدم البحرين الاجتماعي والسياسي والثقافي، وانها مكون اصيل نابع من تراب هذا الوطن ومن اصالة شعبه ومن الاجماع الشعبي على مطالبها الوطنية الجامعة.
لكن... الآن وقد مضى الزمن، وبعد مرور اكثر 6 عقود على هذه التجربة الحزبية/ السياسية الرائدة والجامعة على صعيد البحرين والخليج العربي، لم يبق منها سوى التاريخ، ولم يبق امامنا إلا الاستفادة من هذا التاريخ، سلبياته وايجابياته، للعبرة واخذ الدروس من اجل الحاضر والمستقبل.
وإذ نستذكر الهيئة التي تأسست في 13 اكتوبر/ تشرين الأول 1954، فإننا في الوقت نفسه نتذكر أن البحرين تمر بمرحلة حرجة مماثلة لحقبة الخمسينات وكأن الزمن توقف. في حين اننا نجزم بأن البحرين من اقصاها الى اقصاها تستأهل كل خير من قبل الجميع.
العدد 5153 - السبت 15 أكتوبر 2016م الموافق 14 محرم 1438هـ