انطلقت الدورة الحادية عشرة من مهرجان روما السينمائي في العاصمة الإيطالية الخميس الماضي (13 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) وتستمر حتى الثالثة والعشرون منه.
ومثلما أَهدت إدارة مهرجان البندقية الدورة الثالثة والسبعين من المهرجان في سبتمبر الماضي إلى كبيرَيْ السينما العالمية مايكل تشيمينو وعبّاس كياروستمي، فإن من المؤكّد أن تُهدى دورة «احتفال روما السينمائي» إلى كبيرين آخرين، هما رئيس المهرجان وعميد النقد جانلويجي روندي الذي توُفيَ قبل ثلاثة أسابيع وإلى أستاذ السينما البولندية آندريه فايدا الذي قطعت عليه المنيّة طريق الوصول إلى روما ورحل عن دنيانا قبل خمسة أيام فحسب من انطلاق الاحتفال، الذي كان سيحتفي به ويُطفئ معه الشمعة التسعين برفقة شريطه الأخير «Afterimage»، وكان قد اختاره مدير المهرجان أنتونيو موندا ضمن البرنامج الرسمي لهذه الدورة كدليل على أهمّية الفيلم وليس لمجرّد الاحتفاء بهذا المايسترو الكبير الذي فتح بأعماله الكبيرة طريق العالمية للسينما البولندية منذ سبعينات القرن الماضي وشكّلت تلك الأعمال ومواقفه من نظام جيريك موضوعة أساسية من السجال مع ذلك النظام الذي كان قائماً في بلاده وضد ممارساته وحجره حرّية المواطن البولندي. وبصرف النظر عن المواقف الفكرية والأيديولوجية عمّا آلت إليه في بولندا، بالذات فيما يختص بصعود اليمين السياسي فيها، فقد كانت مساهمة فايدا ومثقّفين علمانيين آخرين هامة للغاية في وضع نهاية للنظام الشمولي الذي كان سائداً في بوندا.
ووفق تقرير لصحيفة "الحياة" السعودية أمس الجمعة (14 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، إنه وقبل أسبوع واحد من رحيل آندريه فايدا، كان احتفال روما أعلن عن إضافة نجم آخر إلى الذين سيحضرون المهرجان للقاء الجمهور، وهو النجم الأميركي فيغو مورتسين، والذي سيتحدث إلى الجمهور عن تجربته السينمائية للسنين الثلاثين الماضية، والتي نال خلالها الشهرة العالمية بعد أدائه البطولة في الأجزاء الثلاثة من شريط «سيّد الحلقات» وترشّح للأوسكار والغولدن غلوب ونال العديد من الجوائز والترشيحات الأخرى.
وينضم مورتسين إلى نجوم آخرين سيحتفي بهم الاحتفال، إذْ ستُمنح جائزة « الحياة الفنّية» إلى توم هانكس، كما سيُحتفى بكل من ميريل ستريب وأوليفر ستون وديفيد ماميت ودون دي ليلّو ودانييل ليبيكايند إضافة إلى نجم غناء الهيب هوب الإيطالي لورينتسو جوفانوتّي.
تغييب متواتر للسينما العربية
وكقرينه الأكبر والأعرق، مهرجان البندقية السينمائي الدولي، تغافل مهرجان روما أيضاً عن السينما العربية، وحلّق على الخارطة العربية «من دون أن يجد فيلماً واحداً يستحق أن يُختار ضمن برنامج المهرجان»، كما يقول مديره الفني آنتونيو موندا في هذا الحوار الخاص الذي دار مع الصحيفة، وحين أكّدنا له بأن من غير المعقول والمقبول غياب سينما تمكّنت خلال سنة واحدة فحسب، منذ سبتمبر 2015 وحتى سبتمبر 2016، من نيل ثلاثٍ من أهم جوائز مهرجاني فينيسيا وبرلين، وخصّص لها مهرجان «كان» افتتاح برنامج «نظرة ما» بفيلم «اشتباك» للمصري محمّد دياب.
ويقول المدير الفني لاحتفال روما إنه لا يؤمن بمبدأ المحاصصة الجغرافية سينمائياً، «فأنا» كما يقول «لا أختار الأفلام التي تعرض ضمن مهرجاني وفق مبدأ «الكوتا»، أي بمعنى أنني لا أنحو إلى أن يضمّ برنامجي مثلاً ثلاثة أفلام للمخرجات وفيلماً لمخرج مِثلي، وآخر لإسرائيلي وإثنين لعربيين، وهكذا دواليك.. أنا أختار الأفلام التي تتلاءم والفكرة التي أود أن ينطبع بها البرنامج».
ويُضيف موندا «ومع هذا، ففي البرنامج فيلم إسرائيلي وآخر إيراني»، وحين نُلاحظ له ومعه بأن كلا الفيلمين ليسا عربيّين، يبتسم ويقول: «كنت أعني أنني مهتم بتلك المنطقة الجغرافية وبالثقافة العربية بشكل عام، لكني لم أحصل على فيلم عربي يستحق أن يكون ضمن الاختيارات، ومتى ما وجدت ذلك الفيلم فسأكون في غاية السعادة أن يكون ضمن برنامجي».
الملصق بالأسود والأبيض
ويتضمّن بوستر الدورة الحالية لقطة حبور وخفّة جميلة لجين كيلّي وسِيدْ تشاريس، اقتنصها جَي آر إييرمان مصوّر مجلة «لايف ماغازين» في لحظة سحرية خلال التدريبات لتصوير أحد المشاهد الشهيرة من فيلم «غناء تحت المطر» من إخراج جين كيلّي نفسه برفقة ستانلي دونين (1952)، وتمثل تلك اللقطة لحظة تخيّل جين ميلّي وهو يراقص سيد تشاريس في حفلة. ويأتي هذا الاختيار لاستذكار الذكرى العشرين لرحيل جين كيلّي، وهو الفنان الذي ترك أثراً عميقاً في تاريخ الفن السابع بفضل موهبته الكبيرة وقدراته المتعدّدة، وقد منحت مؤسستا إيماج ترست وتايم إنكوربوريشن المهرجان حق استخدام تلك الصورة.
ويقول المدير الفني لمهرجان روما السينمائي الدولي أنتونيو موندا، إن «تلك الصورة تختزن في صلبها بشكل رائع كُنه الأناقة والفرح معاً، وهما ما أسعى لمنحهما إلى المهرجان هذا العام، فحركتا سِيدْ تشاريس وجين كيلّي تمنحاننا فضاء الحلم، وأرغب في استذكار هذا العمل السينمائي الكبير الذي تمكّن من المزج بين الجماهيرية والشفافية الساحرة معاً».