خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، وبينما كل من يعيش على هذه الجزيرة، يجأر من شدة ارتفاع درجة الحرارة التي لم تشهد لها البحرين مثيلاً منذ سنوات طويلة، لفت نظري فيديو ظريف جرى تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه أحد الشباب البسطاء يحتضن جهاز التكييف في إحدى غرف منزله، كما يبدو، بكلتا يديه ويقوم بتقبيله ويثني عليه بعبارة «عطّر الله أنفاسك ما قصّرت». ولعل الرسالة التي أراد إيصالها المواطن لمشاهدي الفيديو، واضحة في امتنانه لهذا الاختراع، بأنه بدونه يصعب تخيّل حال الناس الذين يعيشون على أرض هذه الجزيرة بدون أجهزة التكييف في عصرنا، على رغم أنهم اُمتحنوا جميعهم في يوم كامل جهنمي قبل سنوات قريبة في نفس الشهر، فيما بات يُعرف في تاريخ البحرين الحديث بـ «يوم الإثنين الأسود».
ولكن على خلاف هذا المشهد الكوميدي ثمة كثرة من الأوساط المتعلمة والمثقفة، لم يفتها في أوج حرارة الشهر ذاته، التذكير بفضل العالم الأميركي ويليس كارير في اختراع «المُكيّف»، والذي لم يكن اكتشافه سوى حلقة من سلسلة اختراعات لا تُحصى مُتولدة من اختراع الكهرباء. كما لم يفت البعض الآخر التعليق الساخر الغامز بالتساؤل عما إذا لو ظفرت «داعش» أو «القاعدة» بأي مخترع من مخترعي وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، والتي لولاها ما كانت كلتاهما تتمكن من بث سموم أفكارها الإرهابية الشريرة باسم الإسلام في عقول كثير من فتيان وشباب بقاع كثيرة من العالم بسرعة رهيبة، باعتباره صليبياً كافراً، ستدعه دون جز رأسه؟
فيما ذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك متسائلاً عما إذا كان مصير النصراني الذي اخترع «المكيّف»، والذي لطّف على عباد الله من حرارة جهنم الدُنيا، سيكون مأواه جهنم الآخرة وبئس المصير، والله العالم.
بموازاة هذه التساؤلات الافتراضية وخلال شهر أغسطس الماضي نفسه، رحل عن عالمنا في صمت وهدوء العالم الأميركي دونالد هندرسون، صاحب الفضل في القضاء على وباء «الجدري»، وهو من الأوبئة التي اجتاحت غالبية مناطق وقرى البحرين، وفتك بالمئات أو الآلاف من ضحاياه في أواخر ثلاثينيات ومطلع أربعينيات القرن الفائت عن عمر ناهز 87 عاماً.
«الجدري» وهو إن لم ينتهِ بالمصاب إلى الهلاك تسبب في ظهور طفح يشبه البثور على جلده، وقد ينتقل للعينين ويتسبب في عمى بصره، ومازالت آثار بصماته على وجوه الكثير من كبار السن ممن شُفوا منه، وقد كرّس هذا العالم الأميركي على امتداد عقد من الزمن جهوده لاجتثاث المرض بلا رجعة من على ظهر البسيطة برمتها، وقد تكللت مساعيه بالنجاح التام في العام 1977.
لقد اُخترع مُكيّف الهواء الملطف لحراة الطقس الشديدة على يد عالم أميركي، مع أن بلاده لا يمر بها خط الاستواء، ولا توجد بها مناطق حارة متفاوتة الشدة على مدى 7 شهور كاملة، كما هو الحال عندنا، والأسوأ منها المناطق الاستوائية التي لا تبارحها الحرارة الشديدة على مدار العام تقريباً. واُخترع علاج وباء «الجدري» وسُبل القضاء عليه قضاءً مبرماً على يد عالم أميركي آخر لم يتأثر مواطنوه به، كما تأثرت شعوب كثيرة في آسيا وإفريقيا، وإذ نختلف بطبيعة الحال مع سياسات حكومتهما في منطقتنا العربية التي تكتوي شعوبها بها منذ عقود، لكن ذلك لا ينبغي أن يمنعنا من ذكر كلمة وفاء وامتنان عند مناسبة رحيل أي من العلماء الذين رحلوا عن عالمنا، أو في أي مناسبة أخرى والذين أفادوا باختراعاتهم البشرية جمعاء.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ