انعقد في جامعة إيكستر بجنوب إنجلترا المؤتمر السنوي الخليجي، وموضوعه لهذا العام الخليج ومحيطه الشرق أوسطي، بتنظيم من معهد الدراسات العربية والإسلامية خلال الفترة 22 - 23 أغسطس/ آب 2016، حيث شارك فيه نخبة من الأكاديميين والباحثين، وينتظر أن تصدر أوراق الندوة في كتاب، وقد شاركت بورقة بشأن «العلاقات الخليجية اليمنية خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي» وهما عقدان حاسمان في تاريخ المنطقة الخليجية والعربية الأوسع، علما بان مارك فاليري، المتخصص في شئون الخليج، ومسئول الدراسات العليا في معهد الدراسات العربية والإسلامية، هو العقل المدبر في السنوات الأخيرة للمؤتمر الخليجي السنوي، ونجح في اجتذاب خيرة الباحثين والأكاديميين للمؤتمر بفضل جديته وصدقيته، من دون مكافآت أو غيرها.
افتتح المؤتمر بكلمة تعريفية وترحيبية بشأن المؤتمر من قبل مارك فاليري. ثم ألقت مضاوي الرشيد أستاذة زائرة بجامعة سنغافورة، وأستاذة الدراسات العليا بمدرسة لندن للاقتصاد (LSE)، المحاضرة الافتتاحية بشأن الخليج، إعادة المجريات الإقليمية والدولية من دون ديناميكيات سياسية، عرضت فيه مجمل التطورات العاصفة التي أحدثها الربيع العربي، والحراك الجماهيري الواسع في عدد من البلدان العربية ومنها الخليجية والآمال الكبيرة التي أثارها، ولكن من دون أن يترتب على ذلك ديناميكيات وتغييرات سياسية جذرية لا في بنية الأنظمة أو العلاقات الإقليمية، أو العلاقات الأوسع بالمحيط العالمي.
خصصت الجلسة الثانية لمناقشة التحولات في الايديولوجية والأفكار السائدة وأدارها مارك فاليري، وتحدث عبدالرحمن الإبراهيم، الأستاذ من جامعة الكويت والزائر بجامعة إيكستر بشأن رواد الإصلاح في الكويت، والأفكار الجديدة التي طرحوها لإصلاح المجتمع والحكم، والوسائل الحديثة حينها لترويج أفكارهم وخصوصاً الأندية والمدارس والصحف، ونوه بشكل خاص إلى الإصلاحي الشيخ عبدالعزيز الرشيد، الذي لعب دوراً كبيراً في الكويت، ومن ثم الهجرة إلى البحرين والإقامة فيها لسنوات مصدراً فيها مجلة «الكويت الجديد»، ثم هاجر إلى إندونيسيا مبشراً بالإسلام.
الورقة الثانية قدمها جيمس دورسي، الباحث بجامعة في سنغافورة والمتخصص الرياضة وتشابكاتها السياسية والدولية، لكنه هنا عرض إلى دور السعودية الإقليمي والدولي بأبعاده الدينية والسياسية والاقتصادية، وعرض بالتفصيل تأثير المدارس الدينية في باكستان وماليزيا وإندونيسيا، كما عرض بالمقابل التأثير الإقليمي والدولي للثورة الإسلامية الإيرانية بأبعادها الدينية والسياسية والاقتصادية، ومن ثم التنافس ما بين القطبين الإقليميين إيران والسعودية وانعكاسات ذلك على مجريات الصراع بالمنطقة. الورقة الثالثة، قدمها مارك اوين جونز، الأستاذ المساعد بجامعة إيكستر وقد عرض لمجريات الحراك الجماهيري في البحرين، وما تعرض له من تجاذبات بحيث أضحى قضية إقليمية، وما تسبب فيه من استقطاب طائفي وسياسي حاد، كل ذلك على خلفيات صراع تاريخي محلي وإقليمي.
ودعا جونز إلى تحييد القوى الإقليمية من مجريات الحراك في البحرين، الدولة وعقد صفقة تاريخية بين الدولة والمعارضة تفتح الأفق المسدود وتخرج البلاد من أزمتها إلى رحاب الديمقراطية والتنمية والعيش المشترك وهو ممكن في ضوء تجارب الأزمات السابقة، الورقة الرابعة قدمها ماثيو ماكلين من جامعة نيويورك وكان حول تشريق الخليج The Middle Easterization of The Gulf، التأثيرات العربية في السياسة المحلية لساحل عمان/ الإمارات، وقد عرض في ورقته إلى تأثيرات الفكر والتيارات والتنظيمات العروبية في السياسة المحلية لساحل عمان/ الإمارات لاحقاً، كما عرض لدور مصر التعليمي في ساحل عمان قبل أن تنهض المنطقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما الجلسة الثالثة، فكانت بعنوان «إيران والشرق الأوسط الأوسع» وقد رأسها تيم نيلكوك أستاذ الدراسات العليا في جامعة إيكستر. قدم الورقة الأولى دينيز سيفي، باحث مستقل، حول تداعيات الأزمة السورية على السياسات الكردية تجاه إيران وسورية والعراق. وقد عرض فيها إلى تطور القضية الكردية بعد الحرب العالمية الثانية، ومغزى قيام جمهورية مها باد اليسارية الكردية في إيران القصيرة الأجل، وما ترتب على الحرب العالمية الثانية من تقسيم كردستان ما بين الدول الأربع، ونشوء حركات وأحزاب كردية تتراوح بين القومية، والمناطقية، اليسارية واليمينية. ثم عرض لما أحدثته الحرب في سورية من صعود للأكراد كقوة عسكرية وسياسية، وكذلك إعادة إثبات الحركة الكردية المسلحة والسياسية في تركيا، وتكريس إقليم كردستان شبه المستقل في العراق وعودة الحراك الكردي في إيران، ثم عرض إلى التناقضات فيما بين الأطراف الكردية كمحصلة لصراعات القوى الإقليمية (تركيا، إيران، العراق، سورية) وكذلك القوى الدولية وخصوصاً أميركا وروسيا والصين، كما عرض لمختلف السيناريوهات المترتبة على الصراع في تركيا وسورية والعراق والى حد ما إيران المفتوحة على كل الاحتمالات.
الورقة الثانية، بعنوان «ممر المواصلات الشرق أوسطي كوسيلة لتعزيز النفوذ الإيراني في آسيا الوسطى والخليج»، قدمها نيكولاي كوزتهون، الباحث في معهد كارنيغي في سانت بترسبورغ وقد عرض فيه إلى المشروع الضخم لإقامة خط سكة حديد تربط شرق الصين عبر جمهوريات آسيا الوسطى تركمانستان، كازاخستان، وأوزبكستان وأذربيجان وتتفرع إلى تركيا وإيران ثم جنوباً نحو الخليج العربي. وعرض للقوى المتنافسة حول هذا الخط، تمويلاً وإنشاءً أو تسييراً وذكر أن كلاً من الصين وإيران هما الأكثر قدرة وفاعلية في هذا المشروع بفعل قدراتهما الصناعية والمالية والتجارية. لكن تنفيذ هذا المشروع يتطلب إزالة الكثير من العقبات والخلافات الجيوسياسية والتوصل إلى تفاهمات استراتيجية بعيدة المدى.
الورقة الثالثة بشأن مشكلة انعدام الثقة الرسمية والأهلية بين إيران ومجلس التعاون الخليجي، قدمها لوسيانو زاكارا من جامعة قطر. وقد استند زاكارا إلى مسح ميداني قامت به مؤسسة جيمس زغبي في يناير/ كانون الثاني 2011 وشمل توجيه أسئلة واستلامها عن طريق الهاتف والإيميل لمواطنين ومقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي الست.
وتركزت حول نظرتهم لسياسات ومواقف إيران تجاه عدد من القضايا في منطقة الخليج. كما اعتمدت الورقة على دراسة مسحية لمعهد القاهرة في 2014 بشأن دور إيران في استقرار الخليج سلباً أو إيجاباً. وقد أظهرت دراسة زاكارا أن هناك تقارباً وتبايناً في رؤية مواطني دول مجلس التعاون تجاه إيران فيما يتعلق بعدة قضايا منها التدخلات في الشئون الداخلية، وإسهامها في الإسلام، والطائفية، والقضية العربية وخصوصاً فلسطين.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 5152 - الجمعة 14 أكتوبر 2016م الموافق 13 محرم 1438هـ