يعد التعاون في التنمية مجالاً أساسياً لمساعدة الدول النامية في تحقيق تطلعات شعوبها للتحرر من الفقر والجوع واكتساب القدرة والوسائل لتوفير سبل العيش والرفاهية من خلال العمل الكريم. وتوفير الموارد التمويلية نشاط جوهري لمساعدة هذه الدول في تحقيق أهدافها المرجوة.
ومن ضمن مقدمي المعونات التنموية على المستوى العالمي هنالك مجموعة من المؤسسات، تسمى «مجموعة التنسيق»، تضم مؤسسات التنمية العربية الوطنية والإقليمية، بالإضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية وصندوق الأوبك للتنمية الدولية. وقد أطلقت المجموعة العام 1975 مبادرة لتنسيق جهودها الإنمائية في ما بينها، بما في ذلك نشاطاتها وسياساتها في مجال التنمية والإجراءات المتعلقة بتقديم المساعدات لشركائها بكفاءة أفضل وأكثر فعالية.
أصبحت مجموعة التنسيق لاعباً مهماً في مجال التعاون من أجل التنمية منذ زمن طويل. فقد قدمت على مدى العقود السابقة مساعدات بلغت قيمتها الإجمالية نحو 147 مليار دولار إلى ما يزيد على 140 دولة حول العالم وفق بيانات العام 2014. وتم توجيه تلك الأموال لمساعدة الدول المتلقية في تنفيذ عمليات إنمائية في مجالات اقتصادية واجتماعية عدة طبقاً لأولويات تلك الدول.
وقد تضافرت جهود مؤسسات مجموعة التنسيق على مدى الأعوام الخمسة عشر السابقة في سبيل دعم الدول النامية الشريكة لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، التي تبناها المجتمع الدولي مع بداية القرن الحادي والعشرين، في سبتمبر/ أيلول 2000. والآن، باتت مؤسسات مجموعة التنسيق في وضع يتيح لها مساعدة الدول العربية والدول النامية الأخرى في مساعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والمقاصد المرتبطة بها، التي وافقت عليها الأمم المتحدة في أيلول سبتمبر 2015 لتحل مكان الأهداف الإنمائية للألفية.
تعهدت مؤسسات مجموعة التنسيق بالدعم والالتزام بأهداف التنمية المستدامة، من خلال إعلانها في يناير/ كانون الثاني 2016 الذي تضمن، فضلاً عن أمور أخرى، تأكيد المجموعة على «الحاجة إلى الشراكة بين الدول المتقدمة والدول النامية والتي تتجاوز مجرد تحويل موارد محدودة إلى تبني ما تم تحديده من وسائل لتنفيذ أجندة التنمية 2030».
والتزمت الدول العربية، كبقية دول العالم، بتنفيذ أجندة التنمية لما بعد 2015 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر. وهي أهداف واسعة وطموحة وذات رؤيا يتوجب تحقيقها على مدى فترة خمسة عشر عاماً، على أن تكون سنة 2030 الموعد النهائي لتحقيقها. وتسعى تلك الأهداف في مجملها إلى استئصال الفقر والجوع، من دون استثناء أي دولة أو فرد، وذلك من خلال إطار إنمائي يأخذ في الاعتبار التداخل بين أبعاد التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
تحديات متراكمة
لم يكن التقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية على مدى الخمسة عشر عاماً السابقة متساوياً في المنطقة العربية. فباستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، كان التقدم المحرز متواضعاً في بعض الدول العربية ومتراجعاً أو سلبياً في الدول العربية الأخرى. فالدول التي واجهت تحولات سياسية وانتفاضات في الأعوام الأخيرة شهدت انكماشاً اقتصادياً، في حين واجهت الدول التي مازالت تعاني صراعات وحروباً ضربة قاسية في التقدم المحرز لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويسبب الخراب الهائل للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول خسائر فادحة لمساعيها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبمجرد إعادة بناء السلم والأمن في الدول التي تمزقها الحروب والصراعات سيكون هناك تركيز على إعادة البناء والتنمية لتمهيد الطريق نحو أهداف التنمية المستدامة.
إلى ذلك، تواجه الدول العربية تحديات جمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تعود إلى القيود الناجمة عن ندرة المياه ومحدودية الأراضي، بالإضافة إلى عدم كفاءة الاستخدام، وانخفاض الإنتاجية، والأثر الكبير في القدرات الحيوية لتلك الموارد على تجديد خدماتها للتنمية المستدامة.
تحتاج الدول العربية، تحت هذه الظروف، إلى الدفع بجهود غير مسبوقة لمجابهة التحديات وضمان الوسائل اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما فيها توفير التمويل المناسب من مختلف شركاء التنمية.
شراكات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
بما أن المسئولية الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تقع على عاتق كل دولة، فإن هذا يعني أن الانطلاق في مسار نحو أهداف التنمية المستدامة يتطلب من كل دولة أن تتبنى خطة عمل استراتيجية واضحة تأخذ في الاعتبار ظروفها الخاصة وتضمن وسائل التنفيذ. وفي هذا الشأن، يعتبر التمويل للتنمية عاملاً حاسماً للتنفيذ الناجع لأهداف التنمية المستدامة. وفي هذا المنحى، تحتاج الدول العربية إلى وضع خطط تنفيذية متكاملة تشمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، مع وضع أولويات المشاريع في تسلسل زمني للتنفيذ، وتحديد آليات التنفيذ، بما فيها الموارد المطلوبة ومصادرها ونوعيتها.
بصفته مؤسسة تمويل للتنمية وعضواً في مجموعة التنسيق، قدم الصندوق الكويتي مساعدات تنمية رسمية إلى البلدان النامية على مدى 55 عاماً منذ إنشائه. وبلغ عدد الدول المستفيدة 105 دول حول العالم بنهاية العام 2015، منها 16 دولة عربية تجاوز نصيبها 50 في المئة من مجمل التزامات القروض البالغة نحو 19 مليار دولار. وإذ يستشرف الصندوق الكويتي دوره في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية، بعد تعهده بالتزام تلك الأهداف ودعمها، فإن دوره سيرتكز على السياسات والأنشطة الآتية:
- ألا يقل نصيب الدول العربية عن 50 في المئة من جملة التزامات القروض لجميع الدول المتلقية، كما في السنوات السابقة.
- توفير كل القروض بشروط ميسرة.
- تحديد مستوى القرض الميسر أخذاً في الاعتبار مستوى التنمية وقطاع المشروع والظروف الاقتصادية للدولة.
- أن تحظى المشاريع التي تعزز تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخصوصاً استئصال الفقر والجوع، بأكثر شروط الإقراض يسراً، مثل المشاريع الزراعية التي تساهم في الأمن الغذائي، والمشاريع الأخرى في قطاعات مثل المياه والصرف الصحي والصحة والتعليم التي لها أهمية كبرى لتخفيض الفقر وتحسين مستوى المعيشة في الدول المستفيدة.
- دعم أنشطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ضروري لخلق فرص عمل لمواجهة تنامي البطالة في الدول العربية، وللمساعدة في تهدئة الاضطرابات الاجتماعية. وفي هذا الشأن، يستمر الصندوق في توفير خطوط الائتمان لبنوك التنمية الوطنية وصناديق التنمية الاجتماعية، لدعم برامجها للإقراض من أجل تمويل مشاريع القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة الحجم.
- إلى جانب القروض، يقدم الصندوق، كعادته، معونات فنية لدعم بناء القدرات وتطوير المهارات التقنية لمساعدة الدول المتلقية على تحسين قدراتها الإدارية من أجل التنفيذ الفعال لعمليات التنمية.
وإذ يتعهد أعضاء مجموعة التنسيق دعم أهداف التنمية المستدامة، فإنهم سوف يعملون على تعميق تعاونهم مع مؤسسات إنمائية ودول مانحة مختلفة وشركاء آخرين في التنمية لضمان وسائل التنفيذ المناسبة لأهداف التنمية المستدامة، وخصوصاً التمويل المشترك للمشاريع ذات الأولوية في الدول العربية والدول النامية الأخرى.
سياسات وخطط تنفيذ عربية
يتعين على الدول العربية، بالإضافة إلى التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، أن تتبنى سياسات وتتخذ إجراءات لتسهيل التنفيذ، بما في ذلك ما يأتي:
حيث إنه لا توجد أجندة للتنمية تناسب الجميع، فإن كل دولة عربية تحتاج إلى وضع خطة عمل إنمائية خاصة بها طبقاً لظروفها المحلية ومستوى التنمية فيها. ويجب أن تكون خطط التنمية الوطنية متوافقة مع الرؤية التحويلية لأهداف التنمية المستدامة والمقاصد المرتبطة بها، وأن تأخذ في الاعتبار التداخل والتضافر بين القطاعات المترابطة، كقطاعات الغذاء والماء والطاقة التي تحتاج تشابكاتها المعقدة إلى تحقيق التوازن بين نواحيها المختلفة لضمان أمن توافرها.
يمكن للمصادر المحلية أن تلعب دوراً كبيراً في توفير الموارد المطلوبة لتمويل التنمية. ويستلزم حشد هذه الموارد إعادة النظر في سياسات الدعم الحالية وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لوصولها إلى الفئات المستهدفة وجعلها أكثر كفاءة وفعالية. ومن جانب آخر، فإن تعزيز التقيد بالقواعد الضريبية، وتوفير آليات فعالة وكفوءة لتحصيل الإيرادات، وتبني إجراءات ضد التهرب الضريبي، يمكن أن يكون لها أهمية كبرى في تعزيز حشد الموارد المحلية.
وتحتاج معظم الدول العربية إلى موارد رسمية خارجية للمساعدات الإنمائية لمواجهة تحديات أهداف التنمية المستدامة، وخصوصاً البلدان التي تعاني من الصراعات وتلك التي خرجت منها والدول المنخفضة الدخل، وذلك في ضوء احتياجاتها المالية الضخمة لإعادة الإعمار والتنمية. ومن أجل جذب نصيب أكبر من هذه الموارد، تحتاج الدول العربية إلى إظهار قدرتها على وضع خطط تنفيذية واضحة وشفافة وقابلة للتنفيذ، فضلاً عن أهداف ومقاصد تتماشى مع تلك الواردة في أهداف التنمية المستدامة. وسوف يكون مقدمو هذه الموارد أكثر استجابة للمشاريع المعدة جيداً بناء على دراسات جدوى شاملة تتناول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بالإضافة إلى حسن إعداد الجوانب الأخرى المتعلقة بتنفيذ المشاريع وتشغيلها.
ويمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً ملحوظاً في تمويل أهداف التنمية المستدامة، على أن تكون بيئة العمل مهيأة لأنشطته. ويتطلب إطلاق الطاقات الكامنة للقطاع الخاص سياسة لتحقيق المساواة بين الجهات العاملة، وخلق فرص واعدة في السوق للاستثمارات المربحة، وتوفير الحوافز واستخدام آليات التمويل لتقليل المخاطر والعوائق، بالإضافة إلى تنمية البنية التحتية الضرورية والخدمات الاجتماعية اللازمة لتنفيذ الأعمال.
في الختام، هناك شرط حاسم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية هو دعم الشراكات من أجل التنمية مع جميع الجهات المعنية. فالتعاون والالتزام بأهداف التنمية المستدامة، بما في ذلك حشد الموارد للاستثمار والمعونات التقنية لبناء القدرات ونقل التقنيات المناسبة وتشجيع التجارة، يمكن أن يلعب دوراً مهماً جداً لتعجيل التقدم نحو تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.