يواجه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند انتقادات شديدة من ساسة يمينيين ويساريين على حد سواء لتعامله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما يخص الأزمة السورية وانتقد البعض تعجل "حرب باردة" ضد شريك أوروبي مهم.
وتصاعد غضب المسؤولين الفرنسيين من هجمات القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة بمدينة حلب.
وتأزم الموقف هذا الأسبوع حين قرر أولوند ألا يقيم استقبالا رسميا لبوتين خلال زيارة مقررة لباريس الأسبوع القادم بل وطلب أن تقتصر الزيارة على محادثات بشأن سوريا التي قال إن موسكو ترتكب فيها جرائم حرب.
ورفض بوتين هذه الشروط وألغى الزيارة مما دفع خصوم أولوند الذين يتطلعون لانتخابات الرئاسة التي تجري العام القادم للخروج عن التوافق الحزبي الفرنسي المألوف فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
وقال الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي يأمل الفوز بترشيح حزب الجمهوريين لانتخابات الرئاسة التي تجري في أبريل نيسان "من واجب فرنسا وأوروبا أن تتحاور روسيا وفرنسا وأوروبا. أختلف مع بوتين في أمور ولكن كيف تجد حلا إذا لم تتحاور؟"
ومضى قائلا "كيف تحل أزمة من خلال التصريحات وتجاهل بعضكم البعض أو خوض حرب باردة جديدة؟ هذا تصرف غير مسؤول."
بدت تصريحات ساركوزي طريقة انتهازية لمهاجمة إنجازات أولوند الإيجابية نسبيا على صعيد السياسة الخارجية في الأعوام الأربعة الماضية وهي إحدى المجالات القليلة التي لم يواجه انتقادات بسببها في الداخل.
وقارن ساركوزي تصرفات الرئيس الحالي بسجله الشخصي حين تفاوض مع بوتين بشأن حل سلمي للأزمة في جورجيا.
ويتناقض موقف اليمين الفرنسي من عناد الاشتراكي أولوند بشدة مع موقف بريطانيا حيث دعت الحكومة اليمينية هذا الأسبوع إلى نهج أكثر صرامة مع موسكو في ضوء القصف اليومي لحلب.
*جاذبية بوتين
قد تكون هذه مجرد دعاية انتخابية. لكن في داخل مؤسسة السياسة الخارجية الفرنسية يتهم بعض الدبلوماسيين والساسة أولوند بتطبيق أجندة تنتمي لتيار المحافظين الجدد وهو ما يضعف أوروبا بكاملها.
وهم يتهمون القيادة الفرنسية بتنفيذ ما تمليه عليها الولايات المتحدة في حقبة انسحبت فيها واشنطن من المغامرات خارجها. ويحنون لأيام الرئيس شارل دي جول الذي قرر سحب فرنسا من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي عام 1966 تأكيدا لسيادة واستقلالية باريس.
ووجد نهجهم قبولا بين ناخبين يزدادون ميلا للانعزالية والشعبوية بعد أن صدمتهم هجمات نفذها إسلاميون متشددون على الأراضي الفرنسية بالإضافة إلى أزمة اللاجئين.
وفي حين أن السياسة الخارجية لا يكون لها عادة تأثير كبير على الجدل المحيط بالانتخابات فإن الأزمة السورية وأثرها على العلاقات بين فرنسا وروسيا حالة خاصة.
وقال جان لوك ميلونشون المرشح للرئاسة المنتمي لأقصى اليسار "أسلوب فرانسوا أولوند لا يحتمل. نحن منحازون تماما للولايات المتحدة. نحن نسبق الأحداث وهذا الأسلوب ليس في مصلحة فرنسا."
ووصف اتهامات أولوند لروسيا بارتكاب جرائم حرب في سوريا بأنها تندرج تحت "القيل والقال".
كما يتمتع بوتين بجاذبية بين الفرنسيين الذين يعتقدون أنه يجسد ثقلا يقف في وجه واشنطن وأيضا في ظل المناخ الحالي يمثل قبضة حديدية في المعركة ضد الإسلاميين المتشددين.
وأظهر استطلاع أجراه معهد ايفوب بعد أن بدأت روسيا تنفيذ الضربات الجوية في سوريا في سبتمبر أيلول الماضي أن 25 في المئة من الفرنسيين ينظرون لبوتين نظرة إيجابية.
وارتفع هذا الرقم إلى 37 في المئة بين مؤيدي حزب الجبهة الوطنية المنتمي لأقصى اليمين والمتوقع أن تصل زعيمته مارين لوبان إلى المرحلة النهائية من انتخابات الرئاسة.
وكانت قد عبرت عن إعجابها ببوتين وقالت إنها تعتقد أن على فرنسا أن تسعى للتحالف معه ومع الحكومة السورية لمحاربة الإسلاميين المتشددين.
وقال مدير حملتها الانتخابية دافيد راشلين "دور فرنسا هو الدبلوماسية وهذا يعني الحديث إلى كل القوى والدول وأن يكون صوتنا مسموعا."
وأضاف "دعونا لا ننسى أن السيد بوتين هو الذي يحارب الدولة الإسلامية على الأرض وبالتالي يجب أن تكون لدينا اتصالات بهؤلاء الناس."