«من يضع على رأسه مفسدين لا تقبل منه شكاية». هكذا تحدّث جلالة الملك محمّد السادس حين توجّه بخطابه في ذكرى 62 لثورة الملك والشعب في أغسطس/ آب الماضي، أشهر قليلة قبل الانتخابات البرلمانية. فهل كانت الرسالة واضحة للشعب المغربي؟ وهل ضمنت الدولة حدّا أدنى من نزاهة الانتخابات التشريعية في محطتها الأخيرة أكتوبر/ تشرين الأول 2016؟
تعتبر الانتخابات التشريعية الأخيرة في المملكة المغربية الشقيقة فرصة للمواطن المغربي والعربي، للوقوف على تطور المسلسل الانتخابي، ولرصد مدى التقدم في مجال الممارسة الديمقراطية قبل وخلال العملية الانتخابية. في هذا السياق نذكّر بأنّ المغرب حصل على استقلاله سنة 1956 وكانت أول انتخابات برلمانية سنة 1963، في فترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني الذي عرف عهده إجراء 6 عمليات انتخابية (1963، 1970، 1977، 1984، 1993 و1997)، أما انتخابات عهد الملك محمد السادس، فبدأت بالانتخابات البرلمانية لسنة 2002، تلتها انتخابات 2007 والانتخابات السابقة لأوانها سنة 2011، وانتخابات السابع من أكتوبر 2016 فيكون المجموع 10 انتخابات برلمانية في تاريخ المغرب منذ استقلاله.
وتنتظم هذه الانتخابات بناء على منظومة انتخابية موروثة عن العهد السابق متكونة من اللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي ونمط الاقتراع والجهة المشرفة على الانتخابات، وهي منظومة يُقِّر الجميع داخليا وخارجيا، أنها لا تسمح لحزب ما، بالحصول على الغالبية، مما يترك المجال للسلطة للتدخل في تشكيل الأغلبيّات والحكومات.
وأمّا عن رئاسة الحكومة، والتي يعيّنها الملك، فقد استمرّ الانفصام التام طويلا ما بين الحزب الفائز والوزير الأول منذ أول انتخابات في 1963 إلا في مناسبات استثنائية لم تدم طويلا، إلى أن أقرّ دستور 2011 فصلا مهما يتعلّق بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات؛ ذلك أنّ الملك محمد السادس وافق على تحويل الحكم في البلاد إلى ملكي دستوري كجزء من الاصلاحات الدستورية، وظلّ هو الذي يختار رئيس الوزراء من الحزب الفائز بالانتخابات، وهو ما وقع فعليا مع تعيين عبدالإله ابن كيران رئيسا للحكومة، حين تصدر حزبه، العدالة والتنمية، نتائج انتخابات 2011.
وفي ضوء هذه التطورات في المشهد الانتخابيّ المغربيّ، فاز حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية في انتخابات 2011، وقد ساهم في ذلك الفوز عوامل ثابتة وأخرى متغيرة؛ فمن العوامل الثابتة ضعف الوعي الانتخابي لدى الناخب حيث تسيطر الإيديولوجيا والانتماء الحزبي على السلوك التصويتي فلا يهتمّ الناخب بالبرنامج الانتخابي، وإنّما التعصّب للحزب والإيديولوجيا لا البرنامج. ومن العوامل المتغيّرة ظاهرة التصويت العقابيّ حيث شكلت إرادة الناخب في تغيير بعض من رؤوس الفساد، والإطاحة بأحزاب تزكّي فاسدين على رأس لوائحها، دافعا أساسيا للتصويت العقابي ضدّ هؤلاء لمصلحة حزب العدالة والتنمية، ما قد يجعل نجاحه في 2011 لا يعكس شعبيته وقوته بقدر ما يدل على غياب البديل الحقيقيّ.
غير أنّ نتائج انتخابات أكتوبر 2016، جاءت لتؤكد نجاح العدالة والتنمية في مسيرتها؛ ولم يكن هذا الفوز مفاجئا رغم حدّة التنافس مع الأحزاب الأخرى وخاصة الأصالة والمعاصرة ذي التوجهات العلمانية؛ فقد أبانت انتخابات أعضاء الجماعة الجهوية (الانتخابات المحلية) في 4 سبتمبر/ أيلول 2015 عن تقدم واضح أيضا للعدالة والتنمية الذي استطاع أن يقفز من المرتبة السادسة التي حققها العام 2009 إلى المرتبة الثالثة في 2015، مع ضمان تسيير جل المدن الكبرى من خلال مجالسها الجهوية والمحلية. كما لوحظ تطور في عدد المقاعد التي فاز بها الحزب في هذه الانتخابات مقارنة بـ2011 فحزب العدالة والتنمية انتقل من 107 مقاعد في انتخابات 2011 الى 125 في 2016؛ أي زيادة 18 مقعدا.
وقد اختبر المغاربة هذا الحزب طيلة 5 سنوات، وإن لم يكن هناك إجماع على نجاحه في إدارة شئون البلاد، فإنّ الانتخابات جاءت لتشهد له ببعض النجاح الذي ينبغي أن يبني عليه لمزيد تطوير الحياة السياسية في المغرب وتحقيق الحد المعقول من الكرامة الاجتماعية للمغاربة، ومواصلة النجاحات التي تحققت أمنيا ضد الإرهاب، ومزيد الحدّ من ظاهرة الهجرة السرية.
لقد استحق حزب العدالة والتنمية ولاية ثانية لحصيلة رجّحت كفّته على كفّة غيره، لكن يرى آخرون أنّ هذه الانتخابات لا يمكن أن تعكس بجلاء حجم هذا الحزب؛ نظرا لمقاطعة فئات كثيرة للانتخابات، وحتّى الرقم الذي قدمته وزارة الداخلية المغربية عن نسبة المشاركة في الانتخابات، والذي بلغ 43 في المئة من الذين يحق لهم التصويت لا يتلاءم مع المعايير الدولية لنسبة التصويت، فضلا عن مؤاخذات كثيرة أخرى قد لا ترقى في نظر البعض الآخر أيضا إلى الطعن في نتائج الانتخابات.
لكن لسائل أن يسأل: هل كان بإمكان حزب العدالة والتنمية في المغرب أن ينجح من جديد في هذه المحطة الانتخابية لو نجح الانقلاب في تركيا في يوليو/ تموز الماضي؟ ألم يكن من المتوقّع أن تتأثّر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في العالم العربي بسقوط رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية من الحكم في تركيا؟ ألم تكن نهاية الإسلام السياسي وشيكة لو نجح الانقلاب في تركيا؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5150 - الأربعاء 12 أكتوبر 2016م الموافق 11 محرم 1438هـ
وقد اختبر المغاربة هذا الحزب طيلة 5 سنوات، وإن لم يكن هناك إجماع على نجاحه في إدارة شئون البلاد، فإنّ الانتخابات جاءت لتشهد له ببعض النجاح الذي ينبغي أن يبني عليه لمزيد تطوير الحياة السياسية في المغرب وتحقيق الحد المعقول من الكرامة الاجتماعية للمغاربة، ومواصلة النجاحات التي تحققت أمنيا ضد الإرهاب، ومزيد الحدّ من ظاهرة الهجرة السرية