في ختام هذه المتابعة التوثيقية لبعض الحسينيات الرائدة في المنامة في القرن التاسع عشر للميلاد، نورد هنا وبعد متابعة ميدانية، آخر إحصائية لحسينيات المنامة بين الرجال والنساء، سواء أكانت في مبنى خاص بها، أو في مبنى ضمن البيوت والمجالس. وقد بلغت حالياً نحو 82 موقعاً، منها 46 للنساء، و36 للرجال فقط، ولا غرابة في ذلك، فالنساء أكثر تفرغاً من الرجال في تلك السنوات.
ومن ضمن حسينيات الرجال المميزة بعزاء خاص، حسينية بن سلوم، والحاج عباس. وبحسب رواية مسئول الحسينية حالياً، أحمد بن محسن بن سلوم، فُيرجح أن تأسيسها كان في حدود العام 1840م. وكان رائد التأسيس الحاج محسن بن سلوم، إذ اشترى بيتاً كان ملكاً للحاج عبدالله بن يعقوب، وأعاد بناءه.
وفي العام 1964، تم إعادة بناء الحسينية وفق تصميم حسينية الحاج عباس، بسبب العلاقة الوثيقة بين الجانبين، وذلك بطلبٍ من يوسف بن سلوم متولّي الحسينية حينها. ومازالت حسينية بن سلوم محتفظة بأساس هذا التصميم المعماري البحريني. وبعد وفاة يوسف، تولى الحسينية ابن أخيه الحاج أحمد بن سلوم.
اشتهر موكب عزاء بن سلوم بكثافة المشاركين فيه، من خارج وداخل البحرين، مثل الأحساء والقطيف والبصرة، وبعض الجاليات الآسيوية في البحرين. بالإضافة إلى حلقات عزاء من النعيم، والزنج، والبلاد القديم، وكرباباد، والسنابس، والديه، وغيرها. وقد أوقفت إدارة الحسينية كل ما له علاقة بضرب القامة منذ العام 1993، أو النعوش والمجسمات (التشابيه).
والحسينية الثانية المميزة في العزاء الذي عُرف باسمها أيضاً، هي الحاج عباس. وجُلّ الروايات تدور بشأن الربع الأخير من القرن التاسع عشر للميلاد، وأنه تم على يد أحد الوجهاء وتجار اللؤلؤ من أهالي المنامة، ألا وهو الحاج عباس بن محمد بن فضل بن رمضان، الذي كان يشغل منصب مساعد وكيل ممثل بريطانيا في البحرين بين عامي 1900-1902م، ولهذا نُسبت الحسينية لاسمه. بل وأن موقع الحسينية، كما تُشير عائلته، هو بيته الذي أوقفه لها، ومن ثم سكن بيتاً آخر قرب مسجد خميس المقابل لحسينية الحاج خلف، فيما بعد. وهناك دليل يشير إلى المؤسس، ذُكر على غلاف كتاب الأدعية الذي أوقفه عبدالرضا المسقطي لحسينية العام 1912. تفرغ عباس بن فضل لإدارة الحسينية بعد تقاعده من عمله الرسمي، وبقي بها حتى وفاته ربما مطلع العشرينات من القرن الماضي، اعتماداً على وثيقة تكريمه من قبل المعتمد البريطاني في البحرين، والتي تثبت بأنه كان مايزال في كامل صحته في حفل التكريم العام 1913م. وكذلك معلومة عائلة بن فضل، بأن ابن عباس بن فضل، وهو منصور، ولد عام 1916م، وعندما توفي والده عنه كان في الخامسة من عمره تقريباً.
وقد أُوكلت مسئولية الحسينية لأحد خَدمَة الحسين (ع) من أهالي المنطقة، تُرجح رواية إحدى حفيدات عباس بن فضل، أن اسمه علي بن مبارك، وهو من بيت الشماع.
في سنوات العشرينات من القرن العشرين على وجه التقريب، قام مجموعة من تجار اللؤلؤ، «الطواويش»، في المنامة، بحملة تبرعات لإعادة تجديد الحسينية، وفعلاً تم ذلك. وقد مرت على إدارة الحسينية عدة عائلات بالإضافة لعائلة المؤسس عباس بن فضل، منها إدارة عبدالرضا بن علي المسقطي، أو (قاشعون). ثم بعد وفاته انتقلت إدارة الحسينية إلى الوطني عبدالله أبو ديب لمدة سنة واحدة، ثم انتقلت الإدارة بعد وفاته إلى السيد سعيد السيد خلف، كما يذكر السيد حمزة السيد خلف، وربما كان ذلك في الثلاثينات من القرن العشرين. وبقيت رئاسة الحسينية عند بيت خلف التي يمثلها اليوم السيد علوي السيد سعيد.
وكانت حسينية الحاج عباس هي المنطلق لموكب عزاء «الملحان»، كما يُطلق عليهم في المنامة، والذي تحوّل تدريجياً إلى جمعية ذو الفقار الحسينية. وحكاية ذلك، أن عزاء «الملحان» توجّه بموكبه إلى حسينية مدن، ثم انتقل إلى حسينية بن آمان «الكرخانة»، وبقي هناك لمدة نحو عشر سنوات أسسوا خلالها «جمعية ذو الفقار»، نحو العام 1948 بحسب ما توضحه أرصدة الجمعية. ومن بعدها عاد موكب «الملحان» باسم الجمعية التي كان يديرها آنذاك عباس بن منصور بن فضل إلى حسينية الحاج عباس في مطلع الخمسينات في عهد سيد حيدر سيد خلف، وساهموا في إعادة بناء الحسينية. وقامت (جمعية ذو الفقار) بإدارة شئون عزاء الحسينية، كما يوضحه سجل الجمعية.
ومجاورة لحسينية الحاج عباس، والتي نشأت قبلها، كما يبدو من رواية التأسيس؛ حسينية الحاج خلف البقالي، وتأريخ تأسيسها نحو العام 1862م، كما يذكر نجيب عبدالمحسن المخرق، نقلاً عن أحفاد المؤسس الذين التقى بهم. وقُبيل وفاة خلف البقالي، أوكل إدارة الحسينية إلى الشيخ محمد صالح بن الشيخ أحمد آل طعان وذريته من بعده. وفي فترة ولاية الشيخ عبدالله بن محمد صالح، قام بتوكيل محمد علي السماهيجي لإدارة الحسينية. ثم تحوّلت الولاية والإدارة للتاجر المعروف، عبد المحسن المخرق، ولأفراد عائلته، فقام المخرق العام 1963 بإعادة بناء الحسينية بطريقة حديثة على نفقته الخاصة، بالإضافة لتبرعات أهل الخير.
وكما بدأنا، نختم بحسينية من زمن اللؤلؤ حقاً، قامت بتأسيسها أشهر عائلات المنامة في تلك الفترة، وهي عائلة العريض التي برز منها منصور العريض بمكانته الاقتصادية والاجتماعية الواسعة في أسواق اللؤلؤ، وإبراهيم عبدالحسين العريض بنبوغه الأدبي الشعري الكبير.
ومرةً أخرى، لا نملك هنا أيضاً أية وثيقة لإثبات سنة التأسيس ولم يُسعفنا أحد بها، سوى ما كُتب على جدار الحسينية من الخارج العام 1287هـ (1870م). وما ذكره عبدالكريم العريض وآل سيف، بأن مؤسسها هو إبراهيم بن علي بن سالم بن علي بن الشيخ محمد العريض. وأنها تأسست في مجلس إبراهيم بن علي العريض الخاص. واستمرت في ذات الموقع حتى 1965م، حيث هُدمت وحل مكانها البناء الحالي، والذي تم تجديده أيضاً بداية العام 1995م على نفقة عميد العائلة حميد العريض، والذي تولى ابنه د. حسن العريض مسئولية الحسينية اليوم.
وبعد، فهذا كان نزر يسير من مسيرة الحسينيات في المنامة والتي جمعت طوال تاريخها كافة أطياف مجتمع البحرين، وأعطت المنامة طابعاً اجتماعياً إنسانياً خاصاً ومميزاً، أشار إليه معظم الرحالة والمسئولين الأجانب الذين عبروا أرض هذه الجزر أو عملوا بها، أفلا تستحق مزيداً من التوثيق؟
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ
أحسنت دكتورنا الكريم على هذه النبذة التاريخية عن المآتم في البحرين. ..
نعم يجب التوثيق وخصوصا ما تبقى من التوثيقق.............