في العام 1953 صادف محرم في شهر سبتمبر. راقبت موكب العزاء صباحا من على شاحنة الشرطة في ميدان مفتوح بالمنامة. مع ضوء النهار يكون الموكب أقل زخما وتأثيرا من مواكب الليل، لكن ضاربي السيوف دائما يشكلون تشويقا من الإثارة، وهم يتحركون حول الميدان والدم يتدفق من جباههم فوق وجوههم وملابسهم. الرجال الذين على جانبهم يمسحون الدماء بأقمشة قطنية منقوعة في مطهّر، وأحيانا يكون الجو حارا فيسقط اثنان أو ثلاثة من ضاربي السيوف وينقلون إلى المستشفى. إنه جريان طبيعي للدم رغم أن بعض الأوروبيين لا يصدقون هذا. أعرف كل شيء عن ذلك لأنني أكون خلف هذه المشاهد في الساحة حيث يتجمعون قبل وبعد الموكب. وفي الحقيقة، إن بعض الرجال في البداية يحدثون جرحا في جباههم بشفرات حادة لجعل الدم يتدفق بسرعة أكثر.
بينما كان جزء من الموكب لايزال في الميدان، جاء ضابط شرطة إلى الشاحنة، وأبلغني بأنباء عن أن هناك شجارا محتدما على بعد نصف ميل تقريبا في طرف ثان من خط سير الموكب. وعلى الفور سارعت مع 12 شرطيا في الشاحنة وانطلقنا إلى موقع الحدث. كان علينا أن نسلك طريقا دائريا واسعا؛ لأن الشوارع كانت مغلقة بالحشود المنتظرة لمشاهدة رجوع الموكب. كانت هناك معركة قذرة تجري. المتفرجون من البحرينيين السنّة وأشخاص من الموكب كانوا يتقاتلون مستخدمين العصي والحجارة والزجاجات المكسورة، بينما كانت النساء الواقفات على الأسطح يقذفن أشياء بدون تفريق على الناس الذين في الشارع. حينما ظهرتُ راكبا على الشاحنة ابتهج الكثير منهم، وبعض الرجال الذين كانوا يتقاتلون فرّوا على أقدامهم، وأخذ حرس الشرطة في مبنى الوكالة السياسية البريطانية يطلق النار في الهواء من على السطح بعد أن رأى الحشود المثارة تجري نحو المبنى، غير مدرك بأنهم يبحثون عن اللجوء وظنا بأنهم سيهاجمون الحرس؛ ما أدى إلى زيادة الفوضى. وقد اتهم الشيعة المتفرجين السنّة بتدبير إثارة الشغب، في حين ادعى السنّة بأنهم تعرضوا للهجوم من قبل الشيعة. وفي التحقيق الذي أجري لاحقا، وُجد أنه كان شجار بين رجلين في الموكب أدى إلى انضمام المتفرجين إليه.
كانت هناك حالة من الإثارة والتوتر في جميع أنحاء المدينة. جماهير من الشيعة الذين شاركوا في الموكب اندفعوا إلى مآتمهم حيث ألقى الناس كلمات نارية. ولبعض الوقت كان يبدو على الأرجح إنه ستكون هناك أزمة كبيرة بين السنة والشيعة. توجهت إلى بعض المآتم وحاولت تهدئة الأهالي الذين كانوا شديدي الاهتياج مع إثارة جو محرّم والحادثة خلال الموكب. إشاعات جامحة انتشرت إلى جميع القرى والمدن، وفي المحرق، وهي الجزيرة الأخرى، سمع السنّة بأن إخوانهم البحرينيين في المنامة قد تعرضوا للهجوم من قبل الشيعة، لذلك حينما عبرت مجموعة من الشيعة الجسر في طريق عودتها إلى قراها في جزيرة المحرق، تمت معاملتها بشدة من قبل حشد من السنّة. ومع حلول الليل فرضنا حظر تجول وقام رجال الشرطة بحراسة الشوارع. خارجيا كان كل شيء يبدو هادئا، لكن كلا الفصيلين كان في حالة من التوتر وشد الأعصاب خوفا من مهاجمة الآخرين له.
في اليوم التالي حضر عدد قليل فقط من الأشخاص الشيعة الذين يعملون في بابكو إلى العمل، أما السنّة الذين حضروا فقد اعتقدوا بأن الشيعة ربما يخططون لهجوم على بيوتهم، وبدأوا بترك عملهم والعودة إلى منازلهم في المدن. وفي نفس الوقت استمر العمل في بابكو رغم غياب نصف عمالها. كان الشيخ (الحاكم) بعيدا في رحلة استجمام في قرية ساحلية، حيث اعتاد الذهاب إلى هناك خلال احتفالات عاشوراء، فقدت سيارتي لرؤيته في منزله الصغير بحديقة تطل على البحر في الساحل الغربي من البحرين. أعطيته صورة كاملة عن كل ما حدث وأخبرته بالخطوات التي اتخذتها. في طريق عودتي توقفت في مركز شرطة كنت قد انشأته على الشارع الرئيسي. وبينما أنا هناك تم توقيف عدة شاحنات وباصات مليئة بالبحرينيين السنّة العائدين من حقول النفط من قبل الشرطة. أمرنا الرجال بالخروج منها ووجدنا أن كل واحد منهم مسلح بقضيب حديدي أو مطرقة أو إحدى الأدوات التي قالوا إنهم سيدافعون بها عن أنفسهم ضد الشيعة. أخذنا منهم أسلحتهم وسمحنا للباصات أن تذهب على فترات طول كل منها 10 دقائق؛ لمنع وصول عدد كبير من الرجال في نفس الوقت.
المحطة التالية التي توجهت إليها كانت المحرق حيث وجدت جماهير من السنّة في الشوارع ينتظرون أية شيعة قد يظهرون. وبينما كنت أفرق الحشد مع بعض رجال الشرطة وصلتني رسالة بأن هناك مشاكل في عراد، وهي قرية شيعية صغيرة معزولة في جزيرة المحرق. وصلت إلى هناك لأجد أن زميليّ القاضيين الشيخ دعيج والشيخ علي بن أحمد، مع بعض رجال الشرطة، قد وصلوا إلى هناك قبلي. جمهور من الشبان السنّة كانوا قد هاجموا القرية وضربوا ورموا بالحجارة الكثير من الناس وجرحوا اثنين أو ثلاثة رجال ببندقية. وتم القبض على عدد من الرجال رغم أن معظمهم هرب إلى بساتين النخيل حينما أبصروا الشرطة من بُعد. كانت الشمس قد غربت في الوقت الذي رجعت فيه إلى المنامة، لكنني أرسلت إلى بعض قادة السنّة والشيعة، وتم الترتيب معهم على أنه ينبغي أن يذهبوا في أزواج، شخص سني وآخر شيعي، إلى القرى لتهدئة الأهالي. هذه الخطة نجحت وخلال يوم أو يومين عادت الأمور إلى طبيعتها أو ما يشبه ذلك.
خلال بقية السنة كانت هناك هدنة مضطربة بين الشيعة والسنة. لم يتحسن الوضع بالأحداث التي وقعت في المملكة العربية السعودية، حيث كان الملك المسن عبدالعزيز بن سعود يحتضر وأمير الأحساء سعود بن جلوي مريضا في المستشفى، لذلك انتهز عمال أرامكو هذه الفرصة وقاموا بإضراب. أعداد كبيرة من البحرينيين السنة الذين يعملون في السعودية عادوا إلى البحرين مليئين بالكثير من أحاديث عن الإضرابات ومطالب العمال. على الرغم من ذلك، حينما ألقي القبض على قادة الإضراب ونقلوا إلى الرياض، العاصمة، انهار الإضراب وعاد البحرينيون السنة إلى أعمالهم هناك.
الأيام المتبقية من محرم وشهر صفر مرت بهدوء. وخلال صفر تؤدي بعض شيعة البحارنة مسرحية في السر، لا يسمح للسنّة بمشاهدتها. إنها قصة بذيئة لكنها نوعا ما مسلية وقد نجحت مرة واحدة أو مرتين في رؤيتها. في نهاية صفر شاهدت الاحتفال الجميل المعتاد في قرى الشيعة، حينما تخرج فرق من النساء والأطفال من بيت إلى بيت بمشاعل مشتعلة وتذهب من وإلى كل حجرة وهنّ (يحرقن) شهر صفر.
المصدر: كتاب العمود الشخصي (Personal Column) لتشارلز بلغريف
العدد 5149 - الثلثاء 11 أكتوبر 2016م الموافق 10 محرم 1438هـ
مذكرة المستشار تفتقر للمصداقية فلم ينقل الأحداث على طبيعتها لاكنه نقلها بشكل سياسي نوعاما لكونه مستشار فلا ينبغي أن يشير للاحداث بواقعها الفعلي و لاكنه ارخ أحداث و وقائع تعلمنا أن انزعات الطائفيه تثار في كل حقبة من الزمن و هذا ما ينبغي أن نتعلمه أن سياسة الاستعمار البريطاني نشر الفتنه و التفرقة من أجل أن يبقى الاستعمار
في الزمن القديم كان الجهل بين الناس عاارم لكن الآن الحمد لله الوعي سااد الجميع ان شاء الله و ليس لدينا تفرقه بين شيعي و سني إلا انه يوجد اشخاص لا زالت عقولهم من الجهل القديم راابيه و هذا ما تبين لي من بعض التعليقات الساذجه
هؤلاء هم الذين نسميهم أخوتنا في الدين منذ القدم ولا يوجد في قلوبهم غير الحقد لا يتورعون عن قتلنا لحظة حقا التاريخ هو نفسه
التاريخ يشهد ان ..... دايما يهجمون على ....... اضافة الى ان بعض القرى هجروها اهلها ..... واستوطنوها ...... يلا يا.. يامن تظنون ان ال.....قطاعين رقاب ذكرونا بهجوم وسبي لكم
التاريخ يعيد نفسه ،،.............
الساس خراب
كما يتبين ان ..انسلاخ البعض من انسانيته ووطنه ليست وليدة اليوم......الساس خراب!
التأريخ يعيد نفسه،، تلك الأحداث والفتن تحاكي ما حصل في ٢٠١١، المخطط واحد هو العقل البريطاني
مالنا نذكر تاريخ المستعمر ذكرا كأننا نشيد بدوره في استعمار بلدنا هلّا اوضحتم لنا الامر
صدقني أجد العقل واحد ويجب أن نعرف الماضي لنخرج هذا البلد من محنته صدقني ما حدث في 2011 من تخويف السنة من الشيعة ووضع أفكار بهجوم الشيعة على السنة والله لو قرأن التاريخ لأستطعنا ان نتفادى الفتن من بعض المتمصلحين