أحد الجياد كان يحمل رجلاً رأسه مشقوق بسيف، وهو عبارة عن تجسيد واقعي لفن المسرح، وكذلك كانت الجثث المحمولة على النعوش، أحدها فوقه حمامتان حيتان مربوطتان، من الواضح إنهما تنقران الجسد وتمثلان طيور الفريسة. كل شخص وكل حيوان وكل شيء ظهر في الموكب كان يمثل شيئاً متعلقاً بقصة الإمام علي، الحسن والحسين.
حشد من الأطفال الصغار المتشحين بالسواد، الموثّقين بالحبال كانوا يُضرَبون بجريد النخيل من قبل جنود مرتدين سترات حمراء. جثة أخرى كانت تُحمل خلفهم، يلتهمها رجل بلباس يمثل أسداً. الحسين، بعمامة خضراء وعباءة سوداء، راكباً على جواد أبيض، كان واحداً من الأشخاص الرئيسيين.
الشخصية الوحيدة التي سمحت لها بالترخيص كمهرج كانت الجنرال المسيحي الذي، وفقاً للأسطورة، كان حاضراً في كربلاء. دوره مثّله رجلٌ جالسٌ على طاولة، مرتدياً خوذةً شمسيةً مع تلسكوب في إحدى يديه وزجاجة ويسكي في اليد الأخرى. وكلما يمر مشهد من الموكب تطلق النساء اللواتي على السطوح صيحات عويل وبكاء، ويضربن صدورهن أو يهتفن باللعنات على الممثلين الذين يمثلون دور الأشرار.
ثم جاء موكب حملة السيوف، الذي يتحرك ببطء في خطين مقابلين لبعضهما البعض. كانوا يشبهون الجراحين المستعدين لعملية وهم يرتدون بدلات بيضاء. مقدمات جبهاتهم محلوقة وكل رجل يحمل سيفاً عربياً حاداً. إن السماح للخروج الفعلي للدم يجري فقط خلال موكب النهار ولا يمكن فعله مرتين.
الجزء الأكثر إدهاشاً في الموكب هم «ضاربو الزنجيل»، الذين يتألفون من عدة مئات من الشبان النشيطين الذين يلبسون قبعات سوداء وقمصاناً وسراويل سوداء. القمصان مفتوحة من الخلف عبر أكتافهم كاشفةً عن أجسادهم العارية. كل شاب لديه «زنجيل» بمقبض خشبي قصير موصول بعدد من السلاسل المعدنية الرقيقة. بهذه الأداة يضربون ظهورهم وفي نفس الوقت يؤدون ما يشبه الرقصة، خطوتان طويلتان إلى الجانب ثم يرفعون الزنجيل في الهواء ويضربون به ظهورهم العارية، ثم خطوتان أخريان إلى الجانب وكل ذلك يجري في وقت منسجم مع اللحن الذي ينشده الشبان. قائدهم، بطاقةٍ شديدةِ الاهتياج، يجري إلى الأمام وإلى الخلف على طول الخط المزدوج من ضاربي الزنجيل، أحياناً يقفز في الهواء ضارباً الصنجات لإبقائهم على الوقت. الأشخاص المتشحون بالسواد حينما يرفعون سلاسلهم الحديدية يصنعون ظلالاً مخيفة على الجدران الناعمة المسطحة على طول جانب الشارع.
مئات من ضاربي الصدور جاءوا في الخلف في حلقات من 20 أو 30 رجلاً وصبياً، أجسادهم العارية تلمع بالعرق، وصدورهم صافية وتدمي، جروا لمسافة قليلة ثم توقفوا وشكّلوا دائرةً متصلةً ببعض، منحنين إلى الداخل، ضاربين صدورهم مع صيحات قصيرة ناعية. صنعوا ما يشبه لطخة الألوان في ضوء المصابيح اليدوية حيث أن أقمشة خصورهم كانت ملونة بصورة بديعة.
مشيت عائداً إلى منزلي وذهبت إلى الفراش على السطح، لكنني لا أستطيع النوم قبل مضي بعض الوقت. من جميع أرجاء المدينة يأتي صوت الصنجات المتصادمة ببعضها البعض، وصوت العزاء وعويل النساء. كنت دائماً أفكّر أن هذا الاحتفال الذي يشبه الاحتفال بعيد الإله ساتورن في أسفل السماء الشرقية الزرقاء العميقة، وهذه الموسيقى الغريبة المسكونة بالأرواح، وهؤلاء الأشخاص الجامحين المضاءين بالمصابيح اليدوية، واللون والجو، ليست فقط تعصباً دينياً لكنه شيء مثير أيضاً، وسوف يشكل فكرة رائعة لعرض باليه.
العدد 5148 - الإثنين 10 أكتوبر 2016م الموافق 09 محرم 1438هـ