بقيت دينامية الانتخابات الرئاسية الأميركية، أمس الاثنين (10 أكتوبر/ تشرين الأول 2016)، لصالح المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون غداة ثاني مناظرة تلفزيونية مع ترامب اعتبرت فريدة في التاريخ السياسي من حيث حدتها ومستوى الهجمات الشخصية.
وكان المرشح الجمهوري بحاجة ماسة لإنقاذ وضعه بعد نهاية أسبوع كارثية سببها الكشف عن مواقف مهينة بحق النساء أدلى بها في العام 2005 ووقف تلاشي الدعم الحزبي له، لكن هذه المعجزة لم تتحقق.
وعلى مدى ساعة ونصف الساعة من المناقشات الحادة، أظهر ترامب انضباطاً أكبر مقارنة مع المناظرة الأولى قبل أسبوعين، وهاجم هيلاري كلينتون من دون هوادة باعتبارها تمثل الوضع القائم الخاضع لسيطرة مجموعات مصالح.
واعتذر مرة جديدة عن الفيديو الذي نشر له الأسبوع الماضي ويروي فيه بلهجة سوقية الطريقة التي يتحرش بها بالنساء وفي بعض الأحيان من دون موافقتهن.
لكنه أرفق اعتذاراته عن هذه المواقف بهجوم مضاد استثنائي وصولاً إلى مواضيع كانت تعتبر حتى الآن غير لائقة بمناظرة رئاسية، مثل اتهام زوج هيلاري كلينتون الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بالاعتداء على نساء.
وقال ترامب في المناظرة بشأن شريط الفيديو: «لست فخوراً بذلك، ولقد اعتذرت لدى أسرتي والأميركيين»، مضيفاً «لكن بيل كلينتون أسوأ بكثير»، مضيفاً أن الرئيس السابق الذي كان حاضراً في القاعة «اعتدى على نساء».
لكن كلينتون التي باتت في موقع قوة لتولي الرئاسة بعد باراك أوباما في يناير/ كانون الثاني ردت بحزم لكن بهدوء أن منافسها يفتقد المزايا اللازمة ليصبح رئيساً.
وعن الفيديو، علقت كلينتون بالقول: «هذا هو دونالد ترامب والسؤال الذي علينا وعلى بلادنا الرد عليه هو أننا لسنا كذلك»، مذكرة بأن قطب العقارات هاجم «المهاجرين والمتحدرين من أميركا اللاتينية والسود وذوي الاحتياجات الخاصة».
كما وصف ترامب في المناظرة كلينتون بأنها «شيطان»، مؤكداً أن قلبها مليء بالحقد ووعد بأن يكلف مدعياً عاماً للتحقيق حولها مهدداً أيضاً بإيداعها في السجن.
وقال: «إذا فزت سأصدر الأمر لوزير العدل من أجل تعيين مدع خاص لإلقاء الضوء على وضعك لأنني لم أرَ مثل هذا الكم من الأكاذيب والأسرار». وأضاف أنه لو كان رئيساً «لكنت في السجن!».
واستنفد ترامب المتوتر والذي بدا عليه الامتعاض وكان عدائياً أحياناً كل حججه مستعرضاً قضية البريد الإلكتروني لكلينتون ومقتل السفير الأميركي في بنغازي وزلة لسان منافسته بشأن مؤيديه «المثيرين للشفقة».
إلا أن العديد من الرياضيين المحترفين وجهوا انتقادات شديدة إلى ترامب عندما قلل من أهمية تصريحاته المشينة بشأن النساء، معتبراً أنها «حديث غرفة ملابس» وهو تعبير أميركي للإشارة إلى حديث خاص بين رجال.
وغرد لاعب فريق بورتلاند بليزرز لكرة السلة، سي جاي ماكولوم: «لم أسمع مثل هذه التعابير في غرفة الملابس أبداً».
وكتب لاعب كرة السلة السابق لوفيل موتون المدرب الحالي لفريق جامعة كارولاينا الشمالية: «أقصد غرف الملابس منذ سن الخامسة وما يقوله ترامب ليس حديث غرفة ملابس بل مضايقات جنسية». أما نجمة كرة المضرب السابقة مارتينا نافراتيلوفا التي تؤيد كلينتون فقالت: «هذا ترامب على حقيقته. مقيت ومجرم».
وبعد المناظرة، أكد كل معسكر فوزه بها، لكن استطلاعاً لشبكة «سي إن إن» أظهر أن المرشحة الديمقراطية تتقدم على منافسها.
واعتبر مدير حملة كلينتون الرئاسية روبي موك الذي كان معها على متن الطائرة التي أقلتها في طريق العودة إلى نيويورك أن ترامب لم يتمكن من تغيير مسار الأمور وإعطاء دفع لترشيحه الذي يواجه أزمة.
واعتبرت أوساط المرشحة الديمقراطية أيضاً أن ترامب ارتكب خطأ سياسياً عبر تهديد كلينتون بالسجن مثل «ديكتاتور».
من جهته، وبعد أن شجب المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس مايك بنس تصريحات ترامب بشأن النساء مما أثار شكوكاً بشأن مستقبل ترشيحهما معاً، إلا أنه هنأ المرشح الجمهوري بعد المناظرة وقال إنه فخور بأنه إلى جانبه.
وأكدت مديرة حملة ترامب، كيليان كونواي أن مايك بنس «يبقى داعماً لترامب بالكامل وأنه سيستأنف الحملة اعتباراً من الاثنين».
ويبقى للآن معرفة الحسابات السياسية التي سيقوم بها هذا الأسبوع الجمهوريون الذين لم يسحبوا دعمهم لترامب.
وهدفهم الاحتفاظ بالغالبية في الكونغرس خلال الانتخابات التشريعية التي ستجري تزامناً مع الانتخابات الرئاسية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني. وإذا اعتبروا أن ترامب سيجرهم إلى هزيمة فإن الفضيحة السياسية التي طالته منذ أسبوعين ستتحول إلى أزمة كبرى.
وكانت كلينتون قد استعادت التقدم على ترامب بفارق مريح في استطلاعات الراي، حتى قبل فضيحة تسجيل الفيديو لترامب الجمعة. كما حصلت على دعم أوباما الذي علق على القضية للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.
وندد أوباما بتصريحات المرشح الجمهوري التي لا تليق بسيد البيت الأبيض والتي تهدف أيضاً إلى «الحط من قدر النساء والأقليات والمهاجرين والمنتمين إلى ديانات أخرى والسخرية من ذوي الاحتياجات الخاصة وإهانة جنودنا ومقاتلينا السابقين...».
وأظهر استطلاع أجرته «سي إن إن» و «او آر سي» أن 57 في المئة من الأشخاص الذين تابعوا المناظرة اعتبروا أن كلينتون هي الفائزة فيها. وإذا كانت المناظرة بدأت في أجواء من التوتر الشديد إذ لم يتصافح المرشحان عند دخولهما إلى القاعة، إلا أنها انتهت بشكل أكثر ارتياحاً.
العدد 5148 - الإثنين 10 أكتوبر 2016م الموافق 09 محرم 1438هـ