حرية التعبير من الحقوق المدنية الاساسية للفرد يكفله أي نظام ديمقراطي. ويعتبر الرأي والرأي الآخر، شكلا من اشكال التعبير لإصلاح الخلل الذي قد ينشأ من ممارسة العمل الديمقراطي في الدول الديمقراطية، ووسيلة نقدية بناءة لكشف العيوب وتجاوزات المسئولين الخارجة عن السقف القانوني الذي تحدده النظم الديمقراطية لمراقبة تصرفات المسئولين في الحكومة.
والغرض من حرية التعبير هو وضع آلية فعالة لحماية الحقوق المدنية للفرد وخدمة المجتمع، ومحاسبة الأفراد والمسئولين المتجاوزين للقانون. وحرية التعبير بحسب رأي الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت (1946) من الحريات الأربع الاساسية وهي: حرية الرأي والكلمة، حرية العقيدة أو الديانة، حرية الاختيار وحرية الشعور والطمأنينة.
حرية التعبير
هو حق يغطي جميع أشكال التعبير، بما في ذلك ما يكتب في الكتب، والصحف والمجلات، وما يقال في الاذاعة والتلفزيون والأفلام وشبكة الانترنت والمنتديات الخطابية وأماكن العبادة ومؤسسات المجتمع المدني. هذا الحق كفله الدستور البحريني في الباب الثالث (الحقوق والواجبات المادة 23) التي تنص على أن: «حرية التعبير والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه، نشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون». وميثاق العمل الوطني أيضا كفل حرية التعبير في الفقرة الرابعة من الفصل الاول (المقومات الاساسية للمجتمع) التي تنص على أنه: «لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة اخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الابداع الشخصي»، وبمقتضى هذا المبدأ فان حرية البحث العلمي وحرية النشر والصحافة والطباعة مكفولة.
حدود حرية التعبير
حرية التعبير لها حدود، وإن الذين يتمتعون بحقوق حرية التعبير لديهم واجبات تجاه احترام حقوق حرية التعبير ولديهم واجبات تجاه احترام حقوق الآخرين، وتتقيد حرية الفرد في التعبير بحقوق الآخرين، ومن ذلك حقهم في الاحتفاظ بخصوصياتهم. وتضع بعض المجتمعات قيودا مختلفة على ما قد يقوله الناس (غالبا في البلدان غير الديمقراطية)، فهم يمنعون الكلام الذي يعتقدون انه قد يضر بالحكومة أو الناس، لكن من الصعوبة بمكان رسم خط بين الكلام الضار وغير الضار. مثال على ذلك ان تقوم الرقابة الاعلامية بتعيين رؤساء تحرير للصحف والمجلات المحلية موالين لخط الحكومة، وبذلك تمنع الرأي الآخر من طرح وجهة نظره، وكذلك الحال بالنسبة للإذاعة والتلفزيون ووكالات الانباء، وشركات الهاتف، ووسائل الاتصالات الاخرى التي تسيطر عليها الحكومة، والدليل على ذلك، اغلاق شركة بتلكو بإيعاز من الرقابة الإعلامية البحرينية، مواقع الكترونية تصل إلى 25 منتدى بحرينيا على شبكة الانترنت لكون هذه المواقع تمثل الرأي الآخر، على رغم ان المواقع الاخرى التي تمثل الرأي الموالي لم تغلق. والمعروف علميا ان السيطرة على هذه المواقع ليس بالأمر السهل، نظرا لتطور علوم الإلكترونيات، مما يكلف بتلكو الكثير من الاموال لملاحقة هذه المواقع واغلاقها.
الدول الغربية كذلك وضعت أربعة قيود رئيسية على حرية التعبير في حالات: القذف، والتشهير، والاضرار بسمعة الاشخاص، وهذه الامور حدثت في الصحافة المحلية عندما تناول بعض الكتاب البحرينيين المعروف اتجاههم، بقذف الآخرين. والرقابة منعتهم من الرد والدفاع عن أنفسهم خصوصا على الانترنت اذ حالت دونهم ودون طرح وجهت نظرهم، وعلى رغم ان هذه المواقع فعالة لكون البحرين ثاني دولة عربية بعد الامارات في استخدام الانترنت، حيث يصل عدد مستخدمي الانترنت إلى 168 ألف شخص في دولة لا يتعدى عدد سكانها 600 ألف نسمة.
وعلى رغم وجود قوانين تمنع الكلام الذي يخدش الحياء العام باستعمال أقوال منافية للآداب العامة أو تشجيع الناس على ارتكاب افعال غير اخلاقية، كما أن تقاليدنا وتراثنا العربي والاسلامي تلزم الناس باخلاقيات المهنة، كذلك الحال بالنسبة إلى اعمال غير اخلاقية كالتجسس، والخيانة وتشجيع العنف، وتحريم الكلام الذي يعرض الحياة أو الملكية أو الأمن القومي للخطر.
كذلك فان هناك قوانين تحرم الكلام الذي يتعدى على حق الناس في عدم الاصغاء اليها، فمثلا، قد يقيد قانون محلي فرعي الاوقات التي يستخدم الناس فيها مكبرات الصوت، مثال على ذلك: اعتراض البعض على صخبه مكبرات الصوت في المساجد والمآتم، وفي نشر الاعلانات في الطرقات أو الملصقات على الجدران كما حدث في الانتخابات البلدية.
حرية الصحافة
في الماضي قيد الحكام وزعماء الكنيسة كتابة مواد معينة وتوزيعها. وكان على المطابع ان تحصل على ترخيص من المحكمة، أو من الهيئة الدينية لأى مواد تريد نشرها. الشاعر والكاتب السياسي الانجليزي جون ميلتون انتقد في العام 1644 مثل هذا الترخيص في كتابه (آريو باغينيكا)، وكان بذلك من اوائل المثقفين الغربيين الداعين لحرية الصحافة. وفي القرن الثامن عشر حصل الصحافيون على حق الاطلاع على تقارير جلسات البرلمان ونشرها. وتمكن بذلك الناس العاديون من قراءة ما قيل. وبحلول القرن التاسع عشر حصلت الصحافة في كثير من الدول الديمقراطية على حريتها. إلا أن بعض الجهات اساءت استخدام حرية الصحافة. ففي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي مثلا، نشرت بعض صحف الولايات المتحدة مواد زائفة ومثيرة لتجذب القراء، وقد فضّل بعض الناس ان توقف النظم الديمقراطية حرية صحافة الإثارة (الجنس والفضائح) والصحافة الصفراء. وفي مطلع القرن العشرين، كانت معظم الصحف الحرة نضجت وبدأت تتحمل مسئولياتها تجاه الجمهور، واصبح الصحافيون والعاملون في مجالات الإعلام الاخرى اكثر اهتماما ووعيا بمراجعة الحقائق وإرسال الاخبار.
ليس هناك مجال للشك في ان بعض البلدان غير الديمقراطية، افقدت الصحافة حريتها بفضل الرقابة الحكومية المتشددة. فمثلا حجر الفاشيون في ايطاليا والنازيون في ألمانيا حرية الصحافة قبل الحرب العالمية الثانية وأثنائها، وكان هتلر اول من عيّن غربيلز وزيرا للدعاية في العالم حيث ان وزارة الاعلام لم تكن معروفة في أي جزء من العالم، وتبعته الدكتاتوريات الشيوعية والعسكرية بتعيين وزير للإعلام، ليس هذا فحسب بل ان وزراء اعلام البلدان غير الديمقراطية يعيّنون إما من الجهاز العسكري أو المخابرات أو من المتملقين للنظام من أنصاف المتعلمين، مما يثير سخط الجمهور ونقمتهم على وسائل إعلام بلدانهم. وتصل الامور إلى درجة مقاطعة سماع أو مشاهدة موادها الاعلامية سواء في الاذاعة أو التلفزيون أو الصحافة والدوريات أو المواد الاعلامية التي يعزف الجمهور عن شرائها فتوزع مجانا. كما انهم استخدموا الصحافة لخدمة اغراضهم الدعائية، كما فعلت الدكتاتوريات المدنية أو العسكرية التي حكمت في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية 1945.
مفهوم حرية الصحافة يعني: حق نشر الحقائق والافكار والآراء، من دون تدخل الحكومة، أو الجماعات الخاصة، أو الرقابة الذاتية لرؤساء الصحف.
وينطبق هذا الحق على الوسائل الالكترونية التي تشمل الإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام الحديثة كشبكة الإنترنت والاقمار الاصطناعية والبث الفضائي.
نشأ الخلاف على حرية الصحافة منذ ان بدأت الطباعة الحديثة في القرن الخامس عشر الميلادي لما للكلمات من قوة تأثير كبيرة على الناس. وتعد قوة الإعلام اليوم أهم من أي وقت مضى بسبب العولمة الثقافية، التي زادت من كثرة وسائل الاتصال الحديثة. وتضع بعض الحكومات قيودا على الصحافة لأنها تعتقد انها تُستخدم لمعارضتها. وقد وضعت كثير من الحكومات الصحافة تحت سيطرتها لتخدم مصالحها. ويعمل معظم الناشرين والكتاب على عكس ذلك من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الحرية.
وتمنح الدساتير الديمقراطية حرية الصحافة لتشجيع تبادل الأفكار. ومنح دستور البحرين الحرية للصحافة في الباب الثالث (الحقوق والواجبات المادة 24) التي تنص على ان: «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون». أما ميثاق العمل الوطني فقد اكتفي بالفقرة الرابعة المبينة أعلاه الخاصة بحرية التعبير، التي تغطي أيضا حرية الصحافة، ولكن الرقابة الإعلامية في البحرين لديها تفسير مغاير لمواد الميثاق والدستور. ويحتاج المواطنون في النظم الديمقراطية الغربية إلى المعلومات لتساعدهم على تقرير ما إذا كانوا يؤيدون السياسات التي تتبنّاها حكوماتهم. وفي النظام الديمقراطي تطبق حرية الصحافة ليس فقط على الأمور السياسية والاجتماعية، ولكن أيضا على الأعمال التجارية، والأمور الثقافية والدينية والعلمية. ويمكن قياس الرأي الشعبي عن طريق استطلاع أو استفتاء تجربة الصحافة للجمهور، وهذا المعيار لا يطبق في أي من الدول العربية.
وتقيد معظم الحكومات الديمقراطية حرية الصحافة في ثلاثة أنواع من القضايا. وفي مثل هذه القضايا، تعتقد هذه الحكومات ان حرية الصحافة تعرّض الأفراد، والأمن القومي، أو الأخلاق الاجتماعية للخطر. وهذه القضايا هي: قوانين ضد القذف أو الاعتداء على الخصوصية، فتحمي الأفراد من الكتابات التي تهدد سمعتهم، أو خصوصيتهم. قوانين ضد الفتنة (إثارة الثورة) والخيانة لمنع نشر مواد تضر بأمن الدولة. قوانين ضد أعمال منافية للآداب (كاللغة البذيئة) تهدف إلى حماية أخلاق الناس.
وحتى حين يكفل الدستور حرية الصحافة، فإن على الصحافة ان تنظم نفسها. ويتجنب الناشرون والمذيعون نشر مواد خارجة عن الآداب واللياقة، وأي أمر آخر قد يخدش حياء عدد كبير من القراء أو المشاهدين أو المستمعين، تطبيقا لنظرية المسئولية الاجتماعية في الإعلام. وتفرض أشد القيود على الصحافة خلال أوقات الطوارئ الوطنية، خصوصا أوقات الحروب. فخلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) مثلا، فرضت حكومات الدول المشتركة في الحرب حظرا على نشر مواد من شأنها ان تخل بالمجهود الحربي أو تضر بالأمن القومي. وكانت أقسام الرقابة تتحقق من عدم ظهور مثل هذه المواد في الصحف أو الكتب أو الإذاعة.
وتختلف قيود الصحافة اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر. ففي بريطانيا مثلا، تقيد الصحافة نفسها عادة فيما تنشره عن بعض جوانب الحياة الخاصة لأعضاء العائلة المالكة، إلا ان ملاحقة الصحافة و المصورين المستقلين (الباباروزى) للأميرة ديانا تسبب في مقتلها، وتدخلها في نشر فضائح العائلة المالكة أخلت بهذا القانون. وفي إيطاليا، تفعل الصحافة ذلك بالنسبة للبابا. وفي أميركا تخصصت الصحافة في الفضائح من «ووترغيت» حتى «مونيكا غيت»، ولا ننسى كيف أطاحت الصحافة بالرئيس الأميركي نيكسون.
وتحاول الحكومات الديمقراطية أحيانا حظر تداول الكتب التي تعتقد انها تخترق حواجز قوانين الأمن القومي. وقد تعترض الجماعات الدينية على كتاب أو فيلم تعتقد أنه مسيئ لها، كما هو حاصل حاليا في مصر، وتحاول سحبه من الناشر أو الموزع. وهناك دول قسرية تمنع حرية العقيدة وتمنع تداول كتب طوائف ومذاهب لا تتفق مع اتجاهها الديني.
وتفرض حكومات كثير من الدول قيودا شديدة شاملة على الصحافة. ولعدد من الدول الشيوعية سابقا، وآسيا، وأميركا اللاتينية، وافريقيا، والشرق الأوسط، لجان رقابة صارمة تفحص المادة الإعلامية وتكون - عادة - من أعضاء غير مؤهلين ولا يتمتعون بقدر من الثقافة للتمييز بين المواد الإعلامية الصالحة وغيرها. ويعمل هؤلاء المراقبون على التأكد من ان الصحف والمطبوعات الأخرى تتبع توجيهات الحكومة وتتفق مع سياسة الدولة.
وفي الأنظمة الدكتاتورية، تتحكم الحكومة عادة في الصحافة وكل وسائل الإعلام، عن طريق ملكية الصحف والإذاعة والتلفزيون والمحطات الفضائية والأقمار الاصطناعية وشبكة الانترنت فتشرف على إدارتها بنفسها وتعمل أيضا على التأكد من ان الصحافة تتبع سياسات الدولة أو الحزب الذي يمثلها.
إذا سعي القيادة الحكيمة في البحرين بقيادة عظمة الملك، لتحرير الصحافة البحرينية مازال يحبو، على رغم ظهور صحف مشجعة وأخرى في الطريق. إذا حرية الصحافة جزء من الشفافية التي تناقش من خلالها مؤسسات المجتمع المدني قضايا ومشكلات البحرينيين. ولإصلاح الخلل الحاصل الآن في الجهاز الإعلامي يجب إعادة هيكلة وظائف وعمل الجهاز الإعلامي برمته، وتعيين إعلاميين مؤهلين بمشاركة قطاع كبير من المثقفين البحرينيين وأصحاب الرأي والرأي الآخر، لخدمة الجمهور والدولة على حد سواء. ولا شك في ان الهم الأكبر للمواطن البحريني هو تحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي، يتطلب توافر وسائل تعبير حرة لطرح مشكلاته. وهذا هو المقياس الحقيقي للشفافية التي تحمي حقوقه المدنية للمشاركة في العملية التنموية على أساس ديمقراطي
العدد 10 - الأحد 15 سبتمبر 2002م الموافق 08 رجب 1423هـ