من المهم كثيراً الوقوف أمام الملتقى الحكومي 2016 الأخير، بمزيد من التركيز والدراسة والتأمل لاستنباط بعض الرسائل المهمة والدروس، أولاً لأن الملتقى جمع بين سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وهو ما يعني بكل وضوح مدى الاهتمام المنصب على هذا الملتقى من قمة الهرم الاقتصادي في مملكة البحرين، ومدلولات وحدة الرؤية والرسالة التي يجب أن نستقيها أو نتلقاها نحن في الشارع التجاري من وراء هذا الملتقى وتنظيمه بهذا الشكل.
انعقاد الملتقى الحكومي يأتي في وقت نحن بحاجة ماسة فيه لمواجهة التحديات الاقتصادية، وتطوير الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية للمواطنين، والارتقاء بمستوى الرضا عن هذا الأداء سواء لدى المواطن أو التاجر المحلي أو المستثمر الأجنبي.
تواجد المسئولين الحكوميين تحت سقف واحد له تأثير كبير بلا شك في الارتقاء بمستوى العمل الحكومي من خلال تبادل الأفكار والآراء، للخروج بتوصيات أو مبادرات تنعكس إيجاباً على المواطن والشارع الاقتصادي، وعلى كافة الوزارات والأجهزة الحكومية؛ لكن يجب أيضاً أن يكون للتاجر دور أكثر وضوحاً سواء من خلال تواجده بشكل شخصي، وإبداء رأيه أو من خلال المؤسسات التي تمثله (الغرفة والجمعيات الاقتصادية النوعية). وربما للمواطن «المستهلك» أيضاً دور ورؤية لمعرفة وجهة نظره وتبعات القرارات والأداء الحكومي عليه.
لا شك أن الجهود التي تقوم بها جميع المؤسسات والأجهزة الحكومية في تعميق وتطوير النهضة الشاملة للوصول إلى تحقيق الرؤية الاقتصادية 2030 محل تقدير، لكنها ليست «كاملة متكاملة» لأن الكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وبالطبع مطلوب تحقيق المزيد من التحسين والتطوير في الفترة القادمة وتلافي السلبيات، وهو ما يعود بنا قليلاً للوراء لاسترجاع مبادئ الرؤية الاقتصادية وأهدافها الرئيسية وما تحقق منها حتى كتابة هذه السطور.
لقد قالها سمو ولي العهد صريحةً في الخطاب المهم الذي ألقاه «الهدف من هذه الرؤية الاقتصادية 2030 هو المواطن، الفرد البحريني، فالتنمية التي لا يكون المواطن هدفها لا فائدة منها ولا نريدها. الاستدامة والعدالة والتنافسية - مرتكزات للتنمية تتصل بالأهداف الثلاثة في المرحلة القادمة، وهي إعادة رسم دور القطاع العام من المحرك الرئيسي للاقتصاد إلى المنظم والشريك للقطاع الخاص، ودعم الإبداع والتفوق لتحفيز التنافسية، والاستثمار في المواطن للإرتقاء بمستواه المعيشي. تحقيق هذه الأهداف يتطلب تفعيل أربع أدوات حكومية وهي تحسين جودة الخدمات الحكومية، تطوير الأطر التشريعية والتنظيمية، تسهيل كافة الإجراءات الحكومية، مواصلة توفير بنية تحتية عالية الجودة».
لا ينكر أحد أن المشاريع والمبادرات التي شكلت برنامج عمل الحكومة في الفصول التشريعية التي تلت تدشين الرؤية، أدت إلى التوجه بثبات نحو تحقيق إنجازاتٍ متعددة ومن بينها نمو الناتج المحلي الإجمالي 28 في المئة خلال الفترة من العام 2008 إلى العام 2015، وارتفاع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 80 في المئة من الناتج المحلي، وزيادة إجمالي الصادرات غير النفطية بنسبة 290 في المئة، والاستمرار في خصخصة الخدمات الحكومية بقطاع الطاقة، لتبلغ مساهمات القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء والماء أكثر من 80 في المئة، والشروع في بناء خمس مدن إسكانية جديدة تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لتوفير أربعين ألف وحدة سكنية بمشاركة القطاع الخاص. وقد ساهمت هذه الجهود التنموية في زيادة دخل الأسرة البحرينية بنسبة 47 في المئة منذ تدشين الرؤية.
لكن الوجه الآخر من الصورة في الشارع البحريني ربما يحمل ملمحاً من ملامح انخفاض الروح المعنوية لدى البعض وقطاع من التجار والمستثمرين بشكل خاص، ربما تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية لها تأثير ليس على البحرين وحدها، فالجميع يتابع ما يجري في العالم أجمع حالياً، أعتقد أن لا أحد يمكنه أن ينكر ذلك، ربما الزيادة المضطردة في بعض الرسوم، والتي عبر عنها التجار حديثاً بشكل واضح في لقائهم مع وزراء الثلاث في «بيت التجار» منذ أيام.. ربما أيضاً أسباب أخرى، و»لكن»!
و»لكن» الأخيرة هذه هي الجسر الذي يمكن أن نعبر خلاله هذه السلبيات التي لا أراها مخيفة ولا مدمرة على الإطلاق، فاقتصاد البحرين ما زال ولله الحمد يحقق نمواً – وإن تباطأ وإن تراجع - في وقت تحقق فيه اقتصاديات دول كبرى نمواً سلبياً، ومازال الشعب البحريني – ولله الحمد أيضاً - ينعم برغد العيش والحياة الكريمة في منطقة تموج بالمشاكل والحروب العاصفة والثورات والانقلابات، إذن يجب أن نتحلى بروح أكثر إيجابية وأن نتعاطى مع الواقع بروح أكثر واقعية، وأكثر تفاؤلاً وأكثر تحدياً للوصول إلى نتائج مرضية أكبر في المستقبل القريب.
هذا التعاطي الإيجابي يجب أن يكون من مؤسسات ووزارات الدولة التي تحتاج المزيد من التطوير في الأداء لا شك أبداً في ذلك، ومن التجار ومؤسساتهم وعلى رأسها الغرفة التي بدأت تتحرك حديثاً بشكل أفضل من ذي قبل بكثير، ومن التجار أنفسهم كباراً وصغاراً بالبحث عن حلول أكثر ابتكارية لتطوير أدائهم، ومساهمة بفاعلية في وضع الحلول وليس طرح المشاكل فقط.
أعتقد أن هناك دوراً كبيراً للإعلام بكل أدواته ووسائله، ولأصحاب الرأي وكتاب الأعمدة في بث روح الإيجابية التي تحتاجها البحرين في الفترة القادمة. ليس مطلوباً أن نسوي «تلميع» أو نفاق لأحد، ولكن المطلوب أن ننظر إلى نصف الكأس المليان، ونحن لدينا ثلاثة أرباع الكوب مليئاً بالخير ولله الحمد، ونركّز على ملء الربع الأخير بالكد والعمل والسعي، وليس من باب الانتقاد الأجوف المستمر بدون التفكير في حلول، وتقديم رؤى تساعد البلد على المزيد من التقدم والنمو.
إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"العدد 5146 - السبت 08 أكتوبر 2016م الموافق 07 محرم 1438هـ
يا أستاذ أحمد هل من رؤية 2030 إحلال الأجنبي مكان المواطن في الوظائف وهو مايجري العمل به على قدم وساق؟!! فأين الإستثمار في المواطن الذي تتكلم عنه؟! هذا الكلام ليس من جيبي ولكن أرقام رسمية هي التي تتحدث ويمكنك الرجوع لمقال الأستاذ هاني الفردان قبل كم يوم كي تصاب بالإحباط لما وصل إليه وضع المواطن البحريني!! فالصورة ليست وردية كما تصورها أخي الكريم!!
يا اخى نحن نتكلم عن المواطن الصالح وليس الذى خان البلاد ورفع راية الجنبى وزعمائها ... والاجنبى لم يسيىء للبلد .